عبد المنعم عجب الفيّا: تقع مدينة أم روابة بشمال شرق كردفان على طريق الاسفلت «الخرطوم الأبيض» على مبعدة ساعة ونصف غرب كوستي. وتقع الرهد غربها على مسافة ساعة تقريبا ثم الأُبيّض على ذات المسافة أيضا الى الشمال. وأم روابة من المدن الحديثة حيث تأسست عند وصول خط السكة الحديد «الخرطوم الأُبيض» سنة 1912م. وصارت مركزا لقبيلة الجوامعة بشرق كردفان وحلت محل «التيارة» التي يرد ذكرها في كتب التاريخ والتي كانت مركزا للمنطقة والقبيلة في العهد التركي. واسم أم رُوَّابة يعني ذات الرُوابة. والروابة في كلامنا هي بقية من الروب تترك في اناء خض اللبن «البُخسة أو السِعن» لتعمل كخميرة لما يُخض من لبن جديد. وهي في المعجم رُّوبة. جاء في معجم لسان العرب في الروب والروابة: "الرَّوْبُ: اللَّبنُ الرائبُ، والفعل: رابَ اللَّبن يَرُوبُ رَوْباً. والرَّوْبَةُ بَقِيةُ اللبن المُرَوَّب، تُتْرَكُ في المِرْوَبِ حتى اِذا صُبَّ عليه الحَلِيبُ كان أَسْرَعَ لرَوْبِه. والرُّوبةُ والرَّوْبةُ: خَميرةُ اللبن. ورَوْبةُ اللبن: خَمِيرة تُلْقَى فيه من الحامِض ليَرُوبَ." - انتهى. وتعتبر محليات أم روابةوالرهد من أغني مناطق شمال كردفان بمواردها الطبيعية وهي منطقة زراعية تعتمد على الزراعة المطرية ومن أهم المحاصيل المنتجة السمسم والفول والكركدي والدخن والذرة. ويمر بأم روابة خور أبي حبل الموسمي الذي يأتي منحدرا من جبال النوبة ، والذي كان قد أقيم عليه مشروع زراعي عند «السميح» لانتاج القطن قصير التيلة ومحالج وقد حقق المشروع نجاحا كبيرا لكن للاسف تدهور المشروع بسبب الاهمال حتى توقف عن انتاج القطن وتحول الى زراعة الذرة والطماطم التي تشتهر بها «الله كريم» وتعتبر من أجود أنواع الطماطم في السودان. ويمكن ان تسمى أم روابة بمدينة "معاصر الزيوت" حيث يوجد بها، هي، والرهد المجاورة غربا، عدد كبير من مصانع الزيوت والصابون والطحنية. وتشتهر الرهد ببحيرة دائمة يغذيها خور أبي حبل وتسمى «التُردة» من الورود، تحفها جناين المنقة والجوافة والليمون والخضروات كما تكثر الجناين بالقرى المجاورة للبحيرة: عرديبة والحِقينة. وبدأت البحيرة تنتج الآن أجود أنواع الأسماك بعد ان كانت تقتصر في الماضي على انتاج سمك «أم كورو». وجاءت كلمة دكنة في قولهم:"الرهد ابو دكنة مسكين ما سكنا" من الخضرة الداكنة للغابات التي كانت تغطى في الماضي مكان البحيرة الآن والتي كانت تُرى دُكنتها من بعيد من ناحية الصعيد. وهذه العبارة أطلقها على الرهد البقارة السيارة، الذين يحطون عليها في الخريف من جنوب كردفان بدليل كلمة "سكنا" التي هي من لهجة البقارة. وقد تحورت العبارة الآن الى :"مسكين سكنا" لسهولة العيش فيها. والرهد في لساننا مرقد الماء. والجمع رهود وهي عندنا مناهل الماء. أما في المعجم الرهد هو الرُخص الناعم. ومن ذلك نفهم انهم سموا الرهد بذلك لخصوبة ونعومة تربته. وفي الشرق هنالك نهر الرهد احد روافد النيل الأزرق، ورهيد البردِي بغرب دارفور. يقول فضيلي جماع في أغنية يؤديها عبد القادر سالم:" جيناكِ زي وزين هجر الرِّهيد يوم جفَّ". كما تعتبر منطقة شرق كردفان أغني المناطق انتاجا لصمغ الهشاب. وتأتي الثروة الحيوانية في المرتبة الثانية بعد الزراعة. ولغني هذه المنطقة بالموارد الطبيعية فقد جمع فيها عدد من الرأسماليين الوطنيين المعروفين ثرواتهم، منهم: الشيخ مصطفى الامين بالغبشة وبشير النفيدي بالحِقينة الشرقية. أما أب كرشولا، فتقع بجنوب كردفان على بعد ساعتين جنوبالرهد وسكانها من البقارة الحوازمة وكنانة والنوبة والبرقو والفلاتة. والحرف الرئيسية فيها، الرعي والزراعة وتكثر بها جناين الفاكهة وخاصة المنقة. وتقع أم بريمبيطة غرب أبو كرشولا. والقبيلة الرئيسية بمنطقة أم روابة، الجوامعة والتي تنسبها كتب النسبة السودانية الى المجموعة الجعلية الكبري التي تشمل«الجعليين والشايقية والبديرية والرباطاب والجموعية والجِمع». ولهجة الجوامعة العربية شبيهة جدا بلهجة الشايقية مع اختلاف في النبر stress وأهم ما يميز اللهجتين ظاهرة كسر أواخر الكلام «الامالة» على النحو الوارد في رواية الدوري في قراءة القرآن الكريم «هذه الخاصية بدأت في الانقراض خاصة وسط المتعلمين وحتى وسط غير المتعلمين بسبب تغول لغة المدينة والاعلام». وتشترك قبيلة الجوامعة مع الجعليين والجموعية في فنون الغناء والرقص «غناء الدلوكة والسيرة والعرضة ورقيص الرقبة وغناء الطنبور- الكرير- الذي انبثقت عنه أغنية الحقيبة». ومن ديار الجوامعة بشرق كردفان انتقل ايقاع "التُم تُم" الى كوستي ثم الى أم درمان حيث ادخله "زنقار" على أغاني الحقيبة فكانت البدايات الأولى لأغنية ام درمان الحديثة. ومن أغاني الجوامعة التي وجدت طريقها الى الاذاعة أغنية "ما دوامة" وهي من أغاني الطنبور«الكرير» ومن أغاني السيرة أغنية "الدار الما داري، أنا مالي بيه، بس خلاص يا بلالي، أنا مالي بيه" التي تغنت بها عائشة الفلاتية وأغنية "طلعت القمرة أخير يا عشاي تودينا لاهلنا بسألوك مننا" التي تغنى بها في برنامج ربوع السودان، مدني صالح. ومن أغاني التم تم أغنية "الكرب السادة" التي تغنى بها عبد الله الكردفاني. وقد عُرفتْ منطقة الجوامعة بشرق كردفان، منذ أيام السلطنة الزرقاء بالشيوخ والأولياء وقد ترجم ود ضيف الله لبعضهم ومن أبرزهم الشيخ غانم أبو شمال الذي جاء عنه في كتاب الطبقات:"غانم أبو شمال الجامعي الكردفاني، شَرحَ السنوسية شرحا مفيدا وقال في اخر شرحه لها قرأنا عند علي ولد بري وادركنا وفاته وبعده بدأنا القراءة عند الفقيه أرباب وبعدنا بقيت مدرسة عظيمة"- انتهى. وقبره موجود بأم ديوان شمال أم روابة. وأيام التركية والمهدية اشتهر الشيخ المَنّا اسماعيل «أبو البتول» الذي قاد الجوامعة واحتل مركز «التيارة» ثم توجه الى بارا حيث تمكن من هزم حاميتها واحتلالها وقطع طُرق الامداد من الخرطوم، الأمر الذي مهّد لسقوط الأبيض على يد المهدي. ولكن ما لبث الشيخ المنّا أن أُغتيل على يد انصار المهدي بسبب وشاية تقول انه نازع المهدي في المهدية وبعض الروايات تقول ان الخليفة عبد الله خشي من منافسة الشيخ للمهدي. ومن الشيوخ الذين توجد لهم مراقد بهذه المنطقة: الشيخ العجمي والشيخ بحر ابيض وأحمد البدوي بالرهد. وتوجد بالرهد أيضا قبة الشيخ الشريف محمد الأمين الهندي والد الشريف يوسف الهندي والد الشريف حسين، الذي توفى بها أيام معركة شيكان. وفي هذا العصر اشتهر من الشيوخ: الشيخ عبد الرحيم البرعي الكردفاني بالزريبة شمال أم روابة والشيخ عبد الله ود العجوز المكاشفي بالمنارة شمال السميح، والشيخ أحمد الشايقي بأم عدارة والشيخ المجذوب بالبنِيّة وآخرون كُثر. والدارس للهجة الجوامعة يمكن ان يتخذ من قصائد الشيخ عبد الرحيم البرعي مصدرا لذلك ومن اشهر الأمثلة على استصحاب الشيخ لهذه اللهجة قصيدته" أذكر الهك يوت" فكلمة «يوت» في لهجة الجوامعة تعني: دائما، يوميا، كل يوم. ومن القبائل الأخرى بمنطقة أم روابة: البزعة والهبانية وبني جرار والشنابلة والغديات غرب الرهد والفلاتة والنوبة الضُباب بجبل الداير «الما بنطلع لزول» كما في الأغنية التراثية للكابلي، وذلك جنوبالرهد، وقرى بعض الجعليين بشمال أم روابة اضافة لبعض الشايقية والجعليين بالمدن. أهم مدن وقرى منطقة أم روابة: الرهد والسميح والغبشة وود عشانا والزريبة وأم دم والبحرية والجَفِيّل« ذات الهشاب النضير» كما وصفها كتاب: سبل كسب العيش بمقرر بخت الرضا سابقا، وسِدرة بجبل الداير والتي بها محمية طبيعية، وغيرها.