شخصية الانسان مليئة بالمكونات والخبايا، فهو احيانا يعي واحيانا لا يعي بنوع شخصيته، وكيفية التعامل مع الشخصيات الأخرى لتفهم طرق التعامل معها بشكل لائق. شخصية الانسان تتكون من مميزات وصفات وعادات تميزه عن غيره وتجعلها مستقلة ومتفردة عن غيرها. تدعم الشخصية بثلاث دعائم هي العقل والإرادة والعاطفة، وتسمى هذه الدعائم بمكونات الشخصية، فالعقل يميز الانسان عن سائر المخلوقات بالتفكير والتأمل في حكمة الحياة، اما الارادة فهي تميز الشخصية القوية فتعطى الانسان دفعة قوية وحماس وعزيمة حتى تستطيع تحقيق اماله وطموحاته واهدافه والوصول الى كل ما يصبو اليه ويتمناه. اما العاطفة فلا يستطيع الإنسان العيش بدونها فهو بطبيعته يحب نفسه ويحب من حوله ويتفاعل معهم، فالانسان اجتماعى بطبعه ويتأثر بكل ما حوله، تصب في مجرى احساسه وعواطفه فتجعله يعبر عن كل ما يحس به عن طريق كلمات التقدير والتشجيع حتى يمس بها مشاعر واحاسيس الآخرين فيكسب ودهم وحبهم عن طريق هذه العاطفه. فالسفر الموسوم الذي خطه استاذنا وصديقنا دلدوم الختيم أشقر (افادات للذكرى والتاريخ)، والذي استغرقت كتابته اكثر من عشر سنوات، وكان لى شرف مراجعة جزء منه عام 2002م عندما كنت معتمد محلية ابيي برغبة من الكاتب الذي كان وزيرا للتربية والتعليم بولاية غرب كردفان في نسختها الاولى، هذا السفر ظهرت فيه شخصية كاتبه من خلال عقله الراجح، وإرادته القوية، وعاطفته الجياشة، كشخصية منفتحه، متوازنه، متصالحة مع نفسها وغيرها، متدينه معتدلة وسطية صوفية، قيادية وادارية، شخصية رجل دولة ورجل بيت من الطراز الاول، شخصية ترتكز على العدالة الواقفه والجالسة والعرفية، شخصية متواضعه، كما السهل الممتنع، ولا تخاف في الحق لومة لائم يتناول حبوب الصراحة دائماً ، لذا لشفافيته تكاد ترى ما بداخله وقلبه على لسانه، شخصية ملوكية بتعريف القرآن لانه اوتى بسطة في العلم والجسم، خطيب مفوه، ومستمع جيد، وقارئ نهم وكاتب جزل العبارة، عدل، تزوج عددا من النساء وفقا للشريعة الاسلامية، ولم يخف من عدم العدل، ولود يباهى الأمم بإنتاجه. السمات العامة للكتاب: الكتاب الذي صدر عام 2013م وطبع بمطبعة الخرطوم، في 377 صفحة من القطع المتوسط، وطبعه على نفقته صديقه الوفي د. يعقوب ابوشوره موسى وزير الري ووالى سنار الأسبق، يسيح بك في تاريخ السودان وكردفان بصفة خاصة ، جغرافيته وإدارته وقبائله وأعرافه وتعليمه ومؤسسة العدالة وحياة المواطنين منذ خمسينيات القرن الماضي الى يومنا هذا، بجانب الاحداث الكبيرة ونظم الحكم المتواترة، باختصار انه سفر شامل، توخى بقدر كبير كاتبه، الامانة والدقة، وظهرت قدراته التوثيقية في ابرازه للتواريخ وشهور الحدث،بل في كثير من الاحيان نشعر بأن الكاتب كان يعد لهذا الكتاب منذ نعومة اظافره لذا جاء السرد والعرض مسلسلاً وواضحاً ومنسقاً ومليئا بالحقائق والخبر اليقين، وهو خير معين لأبناء هذا الجيل وسلوى لنا ولغيرنا من جيله والجيل الذي سبقه. الكتاب مهم وركيزة يُتكأ عليها عندما تجابهنا مشاكل من شاكلة المشاكل المعروضة في الكتاب والتي وضح كيف حلت. شباب القانونيين سيجدون في ثنايا الكتاب محاضرات علمية وعملية في كيفية ضبط ميزان العدالة والحرص على احقاق الحق. الكتاب يحفز الاجيال المعاصرة له والجديدة لاخراج مافى الصدور وتفريقه على الورق لتستفيد الاجيال حتي تتحقق مقولة الجنرال الذي قال (الاغبياء وحدهم الذين يتعلمون من تجاربهم ولكنى افضل ان اتعلم من تجارب الآخرين)، وقديما قيل الذكريات صدى السنين الحاكي... وقال الشاعر: هيجتني الذكرى، واذكروني، والذكريات... بل عندما كنا صغاراكنا نكتب على جدار الحوائط بالفحم (تذكار من...) وعموماً دعونا نتاسى بالقرآن (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). المحتويات: تنقسم افادات الاستاذ دلدوم المحامي، المولود في جبل الكاشا (كوش) محلية لقاوة ادارية السنوط ولاية جنوب كردفان في العام 1943م، حيث قلد عددا من الاوسمة والانواط في عهد نميرى لنجاحه في نشر مفهوم الحكم اللامركزي (وسام الانجاز من الطبقة الثانية، ووسام النيلين من الطبقة الثانية في عهد الانقاذ) تنقسم الافادات الى جزأين، الجزء الاول ويقع في 245 صفحة واثني عشر فصلا والجزء الثاني ويقع في 137 صفحة. بداء الجزء الاول كالمعتاد بالميلاد والنشأة وبدايات التعلم ثم مراحل التعليم حتى الجامعة وبداية انخراطه في العمل السياسي ثم التمرين في المحاماة والالتحاق بالهيئة القضائية وقصته مع ثورة مايو، والمصالحة مع نظام مايو دخوله المجلس القومي الرابع وتكوين الحكومة الاولى لاقليم كردفان حيث تقلد منصب وزير الإسكان والمياه والمرافق العامة وأخيرا انهيار حكومة مايو 1985م، وختم الجزء بعدد من الصور توضح جانبا من انشطته السياسية والاجتماعية. اما الجزء الثاني فتحدث فيه عن ثورة الانقاذ 1989-2005، وقصته مع الانقاذ، ومن السجن للوزارة ثم الحركة السياسية بغرب كردفان، واخيراً تحدث عن ثورة الانقاذ وأوضح ايجابياتها وسلبياتها، وختم الجزء بخواطر مبعثرة للتاريخ. اهم ما يمكن ان يسلط عليه الضوء في تلك الافادات هو الاتي: * انه ولد بواسطة (داية الحبل) وقد اعطي نبذة قصيرة ولكنها مهمة عن قبيلته. * عانى شأنه شأن أقرانه ليتعلم ووضح تفهم أسرته لاهمية التعليم. * اسم دلدوم سمى به تيمنا لاسم عمه (دلدوم قطاع جبال الخوف) بدلا من (ابراهيم) الذي كان ابوه يريده له. * اوضح انه كان نهما في القراءة من مكتبة المدارس التي درس فيها. * ترجم كتاب (يقظة افريقيا) للعربية ونشرت الترجمة بجريدة كردفان وهو في الثانوى. * فاز في دائرة لقاوة الفولة (عام 1980) عن قبائل المسيرية حمر وزرق والنوبة والفلاتة والداجو والبرقو وفاز للكفاءة وثقة المواطنين فيه وليس لانتمائه القبلي. * كان رئيسا لجمعية القانون جامعة الخرطوم 1966 - 1969، التي قدمت تصورا للدستور الاسلامي، وعضوا في جمعية اللغة العربية بكلية الآداب، ورئيساً لتنظيم الطلبة الاتحاديين بالجامعات والمعاهد العليا. * له رؤية في تدريب المحامين ويرى ضرورة استمراريته، وان يتمرن المحامي تحت التدريب في كل مجالات المحاماة وان يكلف ببحوث تتعلق بكل افرع القانون. * استقال من القضاء وولج المحاماة لأسباب مادية حيث كان يعول أسرة كبيرة ممتدة. * تحدث حديث العارف ببدايات مشكلة ابيي حيث كان ضمن لجنة كونها نميرى بعد اتفاقية اديس اببا 1972، لايجاد صيغة لحلها وقد استفدت من المذكرة التي صاغها الاستاذ دلدوم في كتابي (رصد وتحليل مشكلة أبيي) (وفي أطروحتي عن مشكلة ابيي في ظل الوحدة والانفصال واثرها على الامن القومي رسالة دكتوراة)، والتي كنتيجة لها فقد اصدر نميرى قرارا بكردفانية ابيي. * تحدث عن الحكم الإقليمي حيث كان طاقم الحكومة يتكون من 7 دستوريين لكل اقليم كردفان الكبرى، بجانب الانجازات الضخمة التي تمت بذلك الكادر القليل ذي الهمة العالية. * تحدث عن الظلم الذي طاله جراء محاكمة غير عادلة بالابيض لتهمة لم يرتكبها في العام 1992م حيث حوكم مع آخرين بالسجن ثلاث سنوات وارسلوا لسجن سواكن ولكن رئيس القضاء جلال على لطفي كتب مذكرة ضافية عندما قاموا بالاستئناف تهكم وسخر من القانونيين وقال عنهم ما لم يقل مالك في الخمر، وتم إطلاق سراحهم، وكنت أتوقع أن يرفق تلك المذكرة كملحق لفائدة القانونيين، وكنت قد اطلعت على هذه المرافعة من خلال الجريدة القضائية أبان تواجدي بأبيي كمعتمد عام 2002م. كذلك فقد تم الاعتذار له بواسطة الحكومة وتم تعينه وزيرا بحكومة سنار. * نجح كوزير للتربية والتعليم في ولاية غرب كردفان. ختام: يعتبر ذلك قراءة أولى في هذا السفر وقطعا سأعود له بإذن الله لمزيد من المدارسة والتوفيق والتحقيق لانه جدير بذلك. اعتقد ان هنالك بعض الموضوعات تحتاج لمزيد من التفصيل آملا ان تدرج في الطبعة الثانية بإذن الله مثال: - هل انضمام الحمر للمسيرية، في ولاية غرب كردفان في نسختها الاولى كان مفيدا وما هى الدروس المستفادة حتي تستفيد منها ولاية غرب كردفان في نسختها الجديدة؟ - كيف ترى حل مشكلة ابيي بعد قرار محكمة لاهاي؟ - كيف ترى التصور الجديد للمدراس القومية، علما بأنك ناديت بذلك لقناعاتك. - لماذا لم توضح كيف وجدت المحاماة بعد عودتك الاخيرة لها اعتباراً من عام 2006م. - لم توضح لنا الدور المفترض ان يقوم به النائب تجاه السودان والولاية والمحلية والافراد، هل تجربة العمل التشريعي في السودان ناجحة، علماً بأنك كنت عضوا لمجلس الشعب القومي الرابع عن الدائرة (99) لقاوة؟ - كنا نود ان تحدثنا عن سلبيات الشخصية السودانية، خاصة وانك تعاملت معها على الاقل في الغرب الوسط، خاصة موضوع: التواكل الاتكالية، كثرة الجدال، العناد والمكابرة وعدم الاعتراف بالخطأ، استمراء نقد الآخرين وعدم تحمل النقد. الاستاذ، القاضي، الوزير، دلدوم، شكراً لك فقد استمتعت وانا اطالع ذلك السفر الجميل، جزاك الله خيرا فقد رفدت المكتبة السودانية وغيرها بكنز مفيد، أظهر مواهبك المدفونه مثل: دقة التوثيق، وغزارة المعلومات المفيدة.