الميناء : امين رجاء هويدا : «بالصبر تبلغ ماتريد وبالتقوي يلين لك الحديد »عبارة مكتوبة على حائط الصالة الوحيدة في ميناء الشهيد الزبير محمد صالح بوادي حلفا ، يبدو ان هذه العبارة عندما كتبت كانت تحمل كل دلالاتها او انها كانت الروشتة التى وصفها اصحاب المكان لكل القادمين والمغادرين عبر الصالة لانك اذا كنت مسافرا تحتاج لكل حرف فيها لمواجهة المعاناة التى لا تنتهي منذ وصولك الميناء وحتي داخل الباخرة.... حلقات من التجاوزات والتقصير يتحمل عبئه المواطن وتتبادل فيه كل الجهات الاتهام بلا استثناء والمتضرر الوحيد هو المواطن فمنذ الوصول الى الميناء النهري فى وادي حلفا تكتشف بأنك قد وصلت الى المكان الخطأ ، اكوام البضائع المتناثرة علي الارض ومجموعات المسافرين المرهقة والكالحة الوجوه من طول الانتظار لاستلام متعلقاتهم ورهق السفر لساعات طويلة فى باخرة مكتظة ثم الوصول الي ميناء متقلب الارصفة لا يرقى الي مستوى مرفأ ساحلي لزوارق صيد ناهيك عن ميناء سفري ، بينما اكوام العفش المتناثرة علي الميناء ترسم مشهدا مأساويا لبطء الاجراءات وسوء التخزين وافتقار الميناء لابسط مقوماته ، وفي داخل الصالة التي هي عبارة عن بناء مستطيل اشبه بمخازن السكة الحديد يزدحم فيه المسافرون والأمتعة امام طوابير اجراءات الجمارك والجوازات لينتهي الى بوابة تأخذك الي فضاء يطل علي البحيرة فى سلسلة من الجبال الممتدة ، وخلف الصالة حظيرة كبيرة يتجمع فيها المسافرون واكوام العفش المتناثر هنا وهناك، وسط هؤلاء الناس تعيش الكثير من المعاناة يحكون قصصا عن الانتظار المر وإجراءات ثقيلة تعود الي القرون الوسطي، لم يكن الحديث سهلا مع المسافرين ورغم معاناتهم الشديدة في تخليص متعلقاتهم التى ظلت بالميناء اياما كثيرة الا ان الخوف من معاكسات سلطات الميناء جعلهم ينأون بأنفسهم بعيدا يبتلعون غيظهم ويتمتمون بعبارات السخط وعدم الرضا من سوء المعاملة وبطء الاجراءات، قال لنا بعضهم انهم لا يستطيعون الحديث عن ما يحدث هنا خوفا من ان يجدوا معاكسات في المرات القادمة ،الا ان بعضهم كسر حاجز الصمت ووصف المصاعب التى واجهته منذ وصوله الميناء، وتحدث الينا المسافر كمال عثمان وقال انه ينتظر منذ 16يوما ولم يسمح له بأن يدخل العفش الي الجمارك ولم يعرف متي يسمح له، بما شاهده من عراقيل فى الاجراءات، وبجانبه كانت تجلس سيدة فى منتصف العمر يبدو عليها الارهاق والتعب من طول الانتظار و قالت هذه اول مرة تسافر فيها بالباخرة وبدأت المعاناة منذ دخولنا الباخرة بالاكتظاظ الشديد ولازالت المعاناة مستمرة في انتظار ان نعبر الجمارك ،وكانت تقف بجوارها سيدة في العقد الرابع وعندما تحدثنا اليها رفضت بحجة انها ستجد معاكسة من قبل المسئولين داخل الميناء وهى ظلت تسعة ايام تتردد على الميناء لتخليص عفشها لكن لم تجد من يساعدها حتى باتت حائرة ماذا تعمل ؟ ووصفت الوضع داخل الميناء بالمخجل ولا يرقي بالمسافرين، وان الميناء عبارة عن حظيرة حيوانات لا رقيب فيها وتسود الفوضى والاستهتار التى يعاني منها المواطن من قبل الجهات المسئولة داخل الميناء، وعند مدخل الباخرة التقينا المواطن جمال ادريس الذي اكد ان المعاناة وتكدس العفش بالميناء ظل ملازما للمسافرين، مبينا انه يسافر قرابة العشر سنوات بالباخرة ولم يحدث اي تغيير الا زيادة التردى فى الخدمات، واشتكى جمال من التلف الذي يحدث للعفش والبضائع داخل الباخرة من سوء التخزين ، وقال احد المسئولين بالميناء ان دخول السلع الهامشية او غير المطابقة للمواصفات احد الاشكاليات التى يعاني منها الميناء، اما تكدس العفش ناتج عن عدم مطابقة البضائع للمواصفات او عدم دفع الرسوم والتصاريح المفروضة علي اصحاب البضائع من الجهات ذات الصلة، وهنالك بعض السلع الممنوعة التى تأتى مهربة كالمخدرات والأسلحة والذخيرة وهى احدى معوقات العمل داخل الميناء، اضافة الى المخالفات عبر المستندات التى تعتمد على نوع محدد من البضائع ونتفاجأ ببضاعة مختلفة، اما عن التكدس الذي يحدث فى تفريغ العفش من داخل الباخرة ارجعه الى الارصفة وقال هنالك ارصفة ممكن ان يتم عبرها التفريغ خلال ساعة واخري يستمر لمدة يوم كامل بجانب ان العمل بدائي ولاتوجد هنالك آليات تسهل من عملية التفريغ، مؤكدا ان المشكلة الحقيقية تكمن فى شركات النقل ومكاتب التخليص الجمركي لما تسببه من ارتباك فى عملية التفريغ ، مطالبا المواطنين بالدقة فى المستندات لان كثيرا منهم يتعرضون للاحتيال من قبل هذه الشركات. واشتكى المصدر من البضائع الهامشية التى يجلبها معهم المسافرون كالمنتجات البلاستيكية والاناتيك فى الوقت الذي تذهب فيه المواد الاستراتيجية كالكردي والصمغ العربي والجلود، وهذا يؤدي الي اختلال في الميزان التجاري . غير ان احد المصادر داخل الميناء طلب حجب اسمه لحساسية موقعه داخل الميناء وذوعلم بما يدور فى اروقة جمارك حلفا ، قال ان تكدس البضائع يكون بسبب الشركة الناقلة للركاب لان عمليات الشحن تتم بعشوائية فى ميناء اسوان حيث تقوم الوكالات فى اسوان بشحن العفش دون تفصيل «بوليسة » شحن العفش مما يعطل الاجراءات داخل الميناء ، وشكك فى صلاحية الارصفة ، وقال انها غير صالحة لاستقبال البواخر طوال العام وان البواخر تحمل حمولات زائدة من الركاب والبضائع مما يشكل ضغطا على الميناء والجمارك . وفى الطريق مابين حظائر الجمارك والرصيف الذي ترسو عليه الباخرة ساق النعام كان هنالك عشرات المسافرين من بينهم نساء واطفال ومعاقون يحملون امتعتهم وهم يسيرون فى اتجاه الباخرة المغادرة على الرغم من انهم يدفعون رسوم الخدمات للميناء تشمل نقلهم من الميناء وحتي مرسي البواخر الي جانب رسوم اخري تقدر بحوالي 75جنيها تفرضها المحلية على كل مسافر نظير الخدمات ولاينال منها المسافرون اي نوع من الخدمات في الميناء الذي يفتقد لكل المقومات ، فيما يقول مراقب الرصيف عثمان عبد المنعم ان الارصفة بحالة جيدة وانها لم تتجاوز المدة الافتراضية لها والتى تقدر بخمسة وعشرين عاما وان مايثار حول عدم صلاحية الارصفة غير صحيح ، اما عن الشركة الملاحية الناقلة وهي هيئة وادي النيل للملاحة النهرية ، مديرها العام علي صالح تحدث «للصحافة » برده على ماوجدناه داخل الميناء وعلى الارصفه حيث تتكدس البضائع وداخل الباخرة ساق النعام التى دخلنا اليها بصعوبة نتيجة الازدحام الشديد، وفي سطح الباخرة قال صالح ان البواخر العاملة والتابعة لهيئة وادي النيل ذات صلاحية كاملة وتحمل شهادات الصلاحية الدولية وتجري لها اعمال الصيانة وفقا للمعايير ولاتوجد اي مشاكل ذات صلة بصلاحية الناقل . وقال صالح ان الباخرة لاتحمل حمولة زائدة الا بموافقة الجهات القانونية وباذن وتصريح ملاحي لان ذلك يمثل مخالفات قانونية اذا لم يأت من جهة ذات اختصاص ملاحي ، واخرج صالح تصريحا باضافة خمسين راكبا كحمولة اضافية للباخرة التى تستوعب 370راكبا ، وقال هذا نموذج للتفويض لاستيعاب حمولات زائدة وهذا نموذج لتفويض القانوني والهيئة لاتستطيع التجاوز اكثر من هذا ، والمشكلة التى يواجهها الركاب ان عمليات التخليص للعفش بطيئة من سلطات الجمارك وقد حاولنا ان نتعاقد مع شركات لنقل العفش والبضائع من الناقل الي الميناء ولكن سلطات الجمارك رفضت ذلك وهذا ادي الى تكدس الركاب وبضائعهم امام صالات الجمارك والهيئة لاتتأخر في توصيل البضائع فى وقتها ولديها صنادل لنقل العفش والركاب تعمل بكفاءة عالية والمشكلة الاخري هنالك بوليسة للعفش لاتحدد التفاصيل وهذا خطأ وكلاء الترحيلات فى اسوان اضافة الى مشكلة المخلصين ٍ. وهكذا يظل الركاب فى ميناء الشهيد الزبير وادي حلفا يعانون الامرين فيما ظلت الجهات المرتبطة بالميناء في حالة تنافر وعدم اهتمام حتى بات المشهد مترديا يتجرعه المسافرون .