٭ لم أجد في نفسي رغبة للتعليق على العبارة المثيرة التي قالها الدكتور الحاج آدم مخاطباً وناصحاً المعارضة في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر التأسيسي لحزب الأمة المتحد مطلع هذا الأسبوع، والتي كان نصها حسبما نقلت عنه الصحف، بعد أن استنكر ما سماه إصرار المعارضة على إسقاط النظام وتجاهل دعوات الحوار « خلاص نحل الأمور كلها بالرجالة»، غير أن هذه العبارة دفعتني للتأمل في مفهوم «الرجالة» عندنا بوصفنا سودانيين من جهة، ومن جهة أخرى لفتت نظري للبحلقة في المشهد السياسي الماثل الآن، والذي بدا لي أنه أكثر ما يحتاج الى «البصارة والدبارة» وليس «الرجالة» مهما كان الحال، وقد أفضت بي البحلقة الى تذكر قصة رائعة ومعبرة لأحد الكُتاب الروس تحكي عن صياد ماهر ودب عنيد تصلح تماماً لإسقاطها على المشهد السياسي في السودان، ولكن قبل أن نأتي على ذكر مؤدى هذه القصة، دعونا نقف قليلاً عند مفهومنا ل «الرجالة» الذي يضاهي معنى الحماقة في كثير من الأحيان، وهى بهذا المعنى ستكون إضافة للأزمات والمشكلات وليست حلاً لها بأى حال من الأحوال، وخير مثال على ذلك، قصة ذلك السوداني الذي استل سكينه من ذراعه وطعن بها نفسه تعبيراً عن احتجاجه القوي على قرار أوكامبو بحق الرئيس، وقد كان ذلك في إحدى مناطق دارفور عندما كان الرئيس يخاطب حشداً هناك، الأمر الذي اضطر بعض كبار مرافقي الرئيس من النافذين للانشغال بإصابة هذا الرجل ومحاولة إسعافه بأعجل ما تيسر ونقله جواً إلى الخرطوم لإجراء عملية عاجلة له على يد كبار الاختصاصيين، وعلى ذلك قس كثيراً من التصرفات و «الهوشات» و «الهوجات» التي نسميها رجالة ونفاخر بها ونباهي رغم أننا أول من يتضرر منها ويدفع ثمنها غالياً. أما حكاية الصياد الماهر والدب العنيد الروسية والتي كنت قد قرأت ملخصاً لها عن الأستاذ محمد سليمان القيادي بحركة حق، تقول: أن صياداً كان عائداً من رحلة صيد ناجحة، راكباً زلاجته التي تجرها الكلاب، محملاً بصيد وفير شحنه في المقطورة من خلفه، وفجأة أحس الصياد بحركة غير عادية خلفه فالتفت ليجد دباً ضخماً هائجاً، ربما بفعل رائحة الصيد وفعل الجوع الكافر، يطارده بقوة وسرعة هائلة. وفكر الصياد بسرعة في ما يمكنه فعله للخروج من هذا المأزق، فهداه تفكيره إلى أنه لو ألقى جزءاً من صيده للدب، فسينشغل الدب عنه بالأكل مما يمنحه فرصة للفرار، ففعل ذلك فوراً. بعد فترة قصيرة أحس الصياد بنفس الحركة خلفه مرة أخرى فالتفت وراءه ليجد نفس الدب يطارده بسرعة أكبر بعد أن التهم ما كان قد ألقاه له مما جعله هذه المرة أكثر قوة ونشاطاً. وفكر الصياد مرة أخرى فيما يمكن أن يفعله ليخرج من هذا المأزق الأكثر سوءاً، فهداه تفكيره هذه المرة إلى أنه لو ألقى بجزء أكبر من صيده للدب فسينشغل الدب عنه لفترة أطول، كما أن ذلك سيخفف من حمولته مما سيزيد من سرعة زلاجته، فلم يتردد. ومرة أخرى أحس الصياد بعد فترة قصيرة بنفس الحركة من خلفه أكثر جلبة وقوة، فالتفت ليجد نفس الدب يطارده وقد أصبح الآن أكثر سرعة وقوة وشراسة وشراً وتصميماً بفضل ما أكله في المرة السابقة. وفكر الصياد بسرعة في ما يمكن أن يفعله ليخرج من هذا المأزق الأكثر صعوبة، فلم يجد أمامه هذه المرة سوى أن يلقي للدب بكل ما تبقى له من حصيلة صيده، علَّ الدب يفهم أنه لم يعد لدى الصياد ما يمكن أن يقدمه له فيتركه وشأنه. وفعلاً، قام الصياد بإلقاء كل ما تبقى له من صيد للدب، كما فك المقطورة التي كان يشحن عليها الصيد بكاملها، عن الزلاجة، كي يثبت للدب أنه لم يعد لديه ما يستحق عناء المطاردة. وأخذ الصياد نفساً عميقاً فرحاً بأنه قد تخلص من الدب نهائياً، ثم ألهب ظهور كلابه بالسياط كي تنطلق بأقصى سرعة فلم تعد هناك حمولة تعيقها. وبعد قليل سمع الصياد حركة أقوى وصوت خطوات أسرع تخب من خلفه، فالتفت ليجد الدب نفسه يرغي ويزبد ويتطاير من عينيه الشرر، وقد أصبح هذه المرة أقرب إليه من أية مرة مضت، كما أنه لم يعد بينه وبين الدب ساتر، بعد أن تخلص من المقطورة التي كان يجرها في المرة السابقة. وفكر الصياد بسرعة في ما عساه أن يفعل الآن، ولم يبق لديه شيء يقدمه للدب، ليتخلص من هذا المأزق الخطير، فلم يجد أمامه سوى أن يأخذ واحداً من كلابه التي تجر الزلاجة، ويلقيه للدب فداءً عظيماً، ليلتهم الدب الكلب دون أن يتوقف ودون أن يبطئ ذلك من سرعته، فيلقي له الصياد بكلب آخر، فيلتهمه وتزداد قوته وشراسته ودمويته، فيلقي له الصياد بكلب آخر.. وهكذا حتى رمى الصياد كل الكلاب وقضى الدب عليها جميعاً.. وانتهى الأمر بأن بقي الصياد وحيداً عارياً من كل صيده وكلابه.. ينتظر الدب.. وهنا أرجو من كل قارئ أن يختم القصة بالنهاية التي يراها تناسبها.