د. صلاح محمد إبراهيم: خلال الأيام الماضية انتقد د. سيد قنات مخاطبة وزير الصحة الولائي مأمون حميدة لوزيرة تنمية الموارد البشرية وحديثه مع وزير الدولة بوزارة تنمية الموارد البشرية في شأن يتعلق بمجلس التخصصات الطبية، ولست ملماً بدرجة متعمقة في الجدل الذي يدور حول أداء مجلس التخصصات الطبية، ولكني استغربت استنكار د. سيد قنات مخاطبة بروف مأمون لوزير اتحادي، وقال إنه ليس مخولاً لمخاطبة الوزراء الإتحاديين، وهي في اعتقادي غمزة أفقدت تساؤلاته نزاهتها، لم أجد قانوناً ولا بروتكولاً في حكومة السودان يمنع مثل هذا النوع من المخاطبات، وهي بدون قانون مقبولة في تقاليد العمل العام خاصة في السودان. أعتقد أن د. قنات تجاوز عدة حقائق في هذا الجانب وهي: 1/ تقوم مستشفيات الولاية بتدريب 85% من الأطباء، وهي مهمة قومية تقوم بها الولاية، وتؤكد التداخل بين المركز والولايات خاصة في العاصمة، كما ورد في دستور السودان الانتقالي وليس هناك بديل آخر لهذا الترتيب. 2/ في دستور السودان الانتقالي الباب السابع «جدول د» هناك اختصاصات مشتركة بين المركز والولايات، منها الصحة والتعليم في الكليات والمعاهد المهنية والبحث العلمي، ولم تحدد المادة كيفية المخاطبة بين المركز والولايات في هذا الشأن. 3/ وزراء ولاية الخرطوم هم وزراء خمس نجوم، لأنهم يديرون العاصمة الاتحادية ومسؤولون عن الأمن فيها وتأمين منشآتها والذين يعيشون فيها بما فيهم الوزراء الاتحاديون. 4/ منصب الوزير وظيفة سياسية وليست وظيفة خدمة مدنية تراعي التسلسل الهرمي في المخاطبة، ويمكن لأي مواطن عادي أن يخاطب الوزير الاتحادي ناهيك عن وزراء الولاية. 5/ تستحق وزارة تنمية الموارد البشرية أن تتلقى رأياً من شخص متخصص عمل في مجال تأهيل وتعليم وتدريب الأطباء حول مجلس التخصصات الطبية، ويمكن أن تقبل رأيه أو ترفضه. والحقيقة أن ولاية الخرطوم تستضيف الحكومة الاتحادية السودانية بمبانيها ووزاراتها ووزرائها من اتحاديين ووزراء دولة كلهم يحلون ضيوفاً عليها، فالوضع الاتحادي في السودان ليس مثل الوضع الاتحادي في الولاياتالمتحدة، حيث تنازلت ولايتا «ميريلاند وفرجينيا» عن أجزاء من أراضيهما لتقوم عليها العاصمة واشنطن، وأصبحت تعرف بمنطقة كولمبيا، والسلطة في هذه المنطقة للحكومة الاتحادية فقط، ومجلس الوزراء الاتحادي في السودان الآن يحتل في الواقع مبنى مديرية الخرطوم أو محافظة الخرطوم سابقاً وولاية الخرطوم حالياً. ولا أدري طبيعة الصفة التعاقدية التي تربط بين الحكومة الاتحادية وحكومة ولاية الخرطوم في هذا الجانب، هل هي تحل ضيفاً على الولاية؟ أم أن المبنى مستأجر منها؟ وبسبب هذا الغموض في هذه العلاقة لا أرى مانعاً دستورياً أو قانونياً يمنع السيد وزير الصحة بولاية الخرطوم أو أى من وزراء الولاية من مخاطبة الوزراء الاتحاديين في شأن عام، لأن هناك تداخلاً واضحاً في العاصمة القومية الخرطوم بين الشأن الاتحادي والشأن الولائي في العديد من الأمور والقضايا العامة، وعندما حدثت الغارة على مصنع اليرموك مثلاً بالرغم من أن الحادثة تمس الأمن القومي وهو شأن اتحادي، فإن ذلك لم يمنع والي الخرطوم من التعليق على الحادث أو الذهاب إلى موقع الحدث، وكان من أول الحاضرين. في الأسبوع الماضي صدر إعلان ربع صفحة عن اتحاد أطباء السودان في بعض الصحف الصادرة يوم الأربعاء 3 يوليو عن ندوة مهنية كبرى عنوانها «تدريب نواب الاختصاصيين في مجلس التخصصات الطبية بين الماضي والحاضر»، وتزامن الإعلان مع الجدل الذي يدور حول مجلس التخصصات الطبية ودوره في تدريب الأطباء، ويبدو أن هناك فعلاً قضية تتعلق بمجلس التخصصات الطبية وقانونه. والحديث الذي أدلى به بروفيسور مأمون حميدة حول مجلس التخصصات الطبية وخطابه إلى وزارة تنمية الموارد البشرية الذي أثار الكثير من الجدل وقابله بالرد من الجانب الآخر برأى مخالف من د. سيد عبد القادر قنات ونشر بصحيفة «الجريدة» ومن خلال متابعتي للصحف، يبدو أن د. قنات من معارضي سياسة الوزير حميدة على طول الخط لكل سياسات الوزير، وآرائه حول أداء الوزير فيها دائماً نبرة تحامل ظاهر وباطن، وهذا أمر غريب لأن جون ملتون رائد فكرة الحرية لم يعارض ملوك إنجلترا السلطويين على طول الخط، وكان يهادنهم في بعض الأوقات ويتفق معهم أحياناً، وحتى السيد الإمام الصادق المهدي الذي يعتبر معارضاً للحكومة يتهم من قبل البعض بأنه يهادنها، وكان من الممكن أن نتأمل منطق د. قنات لو أنه كان يقول أحسن الوزير حميدة في كذا وأخطأ في كذا، وعلى كل لولا اختلاف الآراء لبارت السلع، غير أن حديث البروف حميدة أعاد إلى ذاكرتي سلسلة المقالات التي كتبتها عن المجلس الهندسي وقانونه الذي ذكرت أنه يمنح المجلس سلطة التدخل المباشر في عمل الجامعات، إذ توجد في قانون المجلس مثلاً بنود تتحدث عن تدخل المجلس في مراجعة الممتحنين الخارجيين وتحديد سنوات الدراسة بالجامعات وغير ذلك من الشؤون الأكاديمية البحتة، ووصل إلى درجة عدم منح الرقم الهندسي وعدم الاعتراف بدرجة جامعية معتمدة من وزارة التعليم العالي. ومن حديث بروف حميدة مقارنة بما كتبته عن المجلس الهندسي، يبدو أن هناك فعلاً مشكلة في قوانين المجالس المهنية المتخصصة، فالقوانين في هذا البلد في كثير من الأحيان يتم تفصيلها على مقاس الذين وضعوها وليس لتحقيق منافع مجتمعية ومهنية، فالبروف حميدة يقول إن جامعة الخرطوم كانت قد اعترضت على قانون مجلس التخصصات الطبية، ويبدو أن رأي جامعة الخرطوم لم يؤخذ به في ذلك الوقت، وهذا أمر عجب، وعندما نقول جامعة الخرطوم نعني مؤسسة جامعة الخرطوم التي بها واحدة من أعرق كليات الطب في القارة الإفريقية، وهي من الكليات الرئدة في العالم العربي، فإذا لم يتم الأخذ برأى هذه المؤسسة العريقة عند وضع القانون، فكيف صدر مثل هذا القانون ؟ البروف حميدة يقول إن مجلس التخصصات الطبية هو السبب في تدهور الخدمات، وإن قانون المجلس لعام 2004م تجاوزه دستور 2005م. وهذا حديث خطير يجب التوقف عنده، والقضية هنا ليست مخاطبة وزير ولائي لوزير اتحادي، ولكن القضية تتعلق بتأهيل كوادر مهنية في تخصص حيوي يمس حياة المواطنين، وإذا ما كان القانون يحتاج إلى مراجعة فعلى أجهزة الدولة أن تستعجل ذلك وتقوم بواجبها في هذا الشأن. ومعظم ما نقرأه عن الانتقادات التي توجه للرؤى والسياسات التي تطرحها وزارة الصحة بولاية الخرطوم تحمل أسئلة مبهمة مشككة في الإنجازات، ولكنها لا تطرح حلولاً عملية أو ترسم خريطة طريق واضحة بديلة، ويتم تناولها من رؤى ضيقة تفوح منها رائحة الخلافات الشخصية والمذهبية، وشغلت الناس دون فائدة، ولم تركز على الجدوى الحقيقية من وراء السياسات الجديدة.