مأساة سوق المواسير التي فقد فيها العشرات أموالا ضخمة، جاءت نتيجة لإفرازات السياسات الاقتصادية التي بدأت بسياسات التحرير وعرابها عبد الرحيم حمدي والتي عظمت من الميل الاستهلاكي Propensity To Consume لدى المستهلكين الذين أصبحوا يرون كل شيء أمامهم متوفرا ولكنهم لا يستطيعون إليه سبيلا، بسبب انخفاض الدخول الذي لا يتيح لهم إشباع رغباتهم!! تلك السياسات التي جعلت «09%» من الشعب السوداني فقراء حسب الإحصاءات الحكومية، من هذه الفجوة الهائلة بين الرغبات والدخول الضعيفة جعلت العديد من المواطنين يسلكون شتى السبل للحصول على دخول اضافية دون تبصر او وعي لانه من غير المعقول أن يصدق أحد بأن أمواله ستتضاعف خلال فترة قصيرة دون ان يسأل عن الطرق والاساليب التي ستتبع، كما ان التحكم الزائد في الكتلة النقدية بهدف تخفيض نسبة التضخم الى ادنى حد ممكن من «051%» إلى «01%» دفع الكثيرين للبحث عن تمويل خارج مظلة النظام النقدي المعترف به.. استغلت جماعات هذا المناخ الملائم للحصول على مكاسب غير مشروعة.. «ضخ الكتلة النقدية في الاقتصاد لها آليات لا تعمل بها الحكومة!». لذلك فإن مأساة سوق المواسير بالفاشر ليست الاولى.. فالعمليات التي كانت تتم في الكرين وعمليات الكسر هي جزء من افرازات العقلية الاستهلاكية حيث سعى المسؤولون الى تعظيم الايرادات بدلاً عن تعظيم الانتاج وتركوا للناس حرية فعل اي شيء طالما يأتي للحكومة في النهاية بايرادات وطالما أصبح الربط هو الرباط المقدس الذي يربط الحكومة بمواطنيها!! وإلا أين دور السلطات المالية والنقدية وهي ترى أسواقا موازية في كل شيء من العملات إلى السلع وهي لا تحرك ساكناً! مسؤولية حكومة شمال كردفان او واليها بالتحديد ان لم يكن الضلوع المباشر كما يقول البعض وهذا جائز وممكن ولكن غير الجائز والممكن ان تقف حكومة ولاية شمال كردفان تتفرج على جماعات ادخلت اموالا لا يستهان بها خلال فترة قصيرة وفتحت ثلاثين معرضاً للسيارات في منطقة محدودة التمدد الرأسمالي والاستهلاكي دون ان تسأل هؤلاء كيف تم لهم ذلك، وما تبع ذلك من ممارسات تجعل كل عاقل يفكر ملياً قبل الدخول في مخاطرات من هذا النوع.. لذلك فالمسؤولية متعددة ومتشابكة وتتوزع على أطراف عديدة، ولكن هذا بالطبع لا يعفي المسؤولين مباشرة عن هذا الاجرام والقاء القبض عليهم كما فعلت وزارة العدل. إن الهالة والزخم الاعلامي الذي أحاط بمأساة سوق المواسير هو جزء مما هو حادث منذ سنوات في العاصمة بالذات.. ولكن لأن الحادث كان بشكل جماعي وقد اضاع في فترة قصيرة أموال اعداد كبيرة من المواطنين وحدوثه ثانياً خارج العاصمة في مدينة كالفاشر هو الذي اعطى الحدث مثل هذا التفرد! الحكومة في الفاشر ليست ملزمة بتعويض المتضررين لأنهم غامروا باموالهم خارج المظلة الرسمية! ولكن هذا لا يعفيها من مسؤوليتها من ناحية «امن اقتصادي: حيث إن مهمته الاساسية واقصد الامن حماية المواطنين من مثل هذه التصرفات التي تسبقها النية السيئة ويشوبها الإجرام الذي يقضي على أحلام مواطنين بسطاء، لا ذنب لهم غير الحاجة الشديدة للمال التي دفعتهم لتصديق كل شيء! نحن نأمل أن تسعى وزارة العدل الى تجميع ما وضعت يدها عليه من اموال تخض اولئك الضالعين في الامر وتوزيعها حسب ما اسهم به كل شخص في هذه الاموال وان تعمل جهدها لتعويضات جانبية للاكثر ضرراً من الفئات رقيقة الحال التي فقدت كل شيء! وهذه مسؤولية الراعي والرعية وهي حماية المواطنين من الاضرار حتى ولو من أنفسهم! نحن لا نريد أن نتدخل حالياً في عمل وزارة العدل وتشكيلها للجان تحقيق لا شك انها ستطال كل من له ضلع وتساؤلات تحتاج الى اجابة كدفاتر الشيكات التي بلغت الآلاف.. وأخيراً أتفق مع أخي وصديقي عبد الماجد في كلمته بصحيفة «الوطن» بضرورة إعادة النظر في المادة «97» والخاصة بالشيكات التي لم تعد ترهب أحدا كما كان الحال في الماضي واستغلها الآن (المارقين للربا والتلاف) في تحقيق مآربهم الدنيئة والنصب على آلاف الابرياء والبسطاء.