لعلها مجرد مصادفة أن ينتهى عهد الرئيس المصرى مرسي وعلى رأس سفارة الولاياتالمتحدة بالقاهرة سيدة أمريكية تشغل منصب السفير ، تماماً كما كان الحال فى بغداد قبل أن يغامر صدام حسين بغزو الكويت حين كانت سيدة أمريكية أخرى تتولى منصب السفير. لكن عدم المصادفة هو ما ذهب اليه بعض المحللين السياسيين فى أن كلا السفيرتين لعبتا دوراً استخبارياً فى تضليل الرئيسين عبر ايهامهما بأن أمريكا داعمة لهما ما ساقهما آخر الأمر الى الهاوية. ابريل جلاسبى كانت سفيرة الولاياتالمتحدة فى بغداد عشية غزو صدام حسين للكويت، وقد كشف موقع ويكيليكس الشهير عن وثيقة اللقاء الأخير الذى جمعها مع الرئيس العراقى الراحل صدام حسين فى قصره فى يوم 25 يوليو 1990، أى قبل الغزو العراقى للكويت بثمانية أيام فقط. وإمعاناً فى التضليل ونصب الفخاخ بدأت السفيرة حديثها مع الرئيس بالغزل السياسي حين ذكرته بمعارضة رئيسها جورج بوش الأب لقانون العقوبات على العراق كبادرة حسن نية منه وتأكيداً لعزمه على بناء صداقة مع بغداد، ومضت تؤكد أن مهمتها كسفيرة هى تعميق العلاقات مع العراق وأن واشنطن غير مسؤولة عن الإنتقادات التى توجهها الصحافة الأمريكية للعراق لأنها لا تسيطر على الإعلام. راح صدام فى هذا اللقاء يمهد لنواياه فى غزو الكويت شاكياً من أن الدعم الأمريكى للكويت والامارات زاد من غرورهما وأنانيتهما وأنهما ينتهجان سياسات مالية بخيلة تجاه العراق، واصفاً الدولتين برأس الحربة للسياسة الأمريكية فى الخليج ، ومذكراً أن بغداد هى التى حمت أصدقاء امريكا فى المنطقة عبر حربها مع ايران. وانتهى صدام فى حديثه محذراً من أن المهانة التى تعرض لها العراق من هاتين الدولتين قد تدفعه الى خطوة لا تعرف المنطق. وقد ابتلع صدام الطُعم حين انتشى فى هذا اللقاء بقول السفيرة: «إن الخلاف فى نظر أمريكا هو خلاف حول مناطق الثروات النفطية بين العراق والكويت، وأن امريكا لن تتدخل بهذا الشأن العربى الخاص» ... هذه العبارة كانت جرعة السم التى حقنتها السفيرة فى شرايين صدام وهو مبتهج ظاناً بأن أمريكا تقدم له الكويت على طبق من ذهب، واتضح لاحقاً أن رأسه هو الذى كان على ذاك الطبق. أما السفيرة الأمريكية الأخرى فهى آن باترسون سفيرة الولاياتالمتحدة الحالية بالقاهرة، التي أوهمت الرئيس المعزول مرسى بأن حكومتها تدعم شرعيته ولا تلتفت الى ما تنوى أن تنظمه المعارضة فى 30 يونيو، ما جعله هو واركان حزبه يصمون آذانهم عن هدير الشارع وتململ الجيش والقضاء، وهم يظنون كل الخير بأمريكا وسفيرتها، وراحوا يراهنون على أن الجيش المصري الذى تدعمه امريكا بعشرات المليارات سنوياً لن يتجرأ على مساندة الشارع طالما هذا رأي سفيرة الحكومة الأمريكية. ولعل موقف السفيرة الذى جرّ الأخوان المسلمين وشجعهم على المواجهة بدلاً عن الإنحناء للعاصفة يبدو واضحاً من خلال كلمة السفيرة فى جلسة بمركز بن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة قبل 30 يونيو تناولت فيها علاقة الحكومة الأمريكية بالأخوان المسلمين فمضت تقول فيها: «يقول البعض إن عمل الشارع فى مصر قد يأتى بنتائج أفضل من الإنتخابات، وكى أكون صادقة معكم فإن حكومتي وأنا شخصياً لدينا شك عميق فى هذا التوجه. نحن نتعامل مع هذه الحكومة التى قمتم بإنتخابها أنتم ورفاقكم المواطنون، وحتى إذا كنتم إنتخبتم آخرين فلا أظن أن هنالك جدلاً حول ما إذا كانت الحكومة حكومة منتخبة أم لا!». هكذا أتقنت السفيرتان فى بغداد ومصر لعبة الخداع الإستخباري وأمسكتا بخيوط الأزمة لتضعانها فى خدمة الاستراتيجية الأمريكية وساقتا الرئيسين الى حتفهما، وقد أضحكنى صديق مصرى مقيم بالخرطوم حين علق على هذا الأمر بقوله: «شغل نسوان بأه يا عم»!