كان المسلمون في أيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا يفطرون إلا على أذان بلال، ويمتنعون عن الطعام بعد أذان ابن أم مكتوم. ٭ روي عن عائشة رضى الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام :( كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر). ٭ وممن اشتهروا بالتسحير، الزمزمي في مكة، وابن نقطة في بغداد. كان الأول يتولى التسحير في صومعته بأعلى المسجد ومعه طفلان صغيران يرددان معه: أيها النوام قوموا للفلاح واذكروا الذي أجرى الرياح/ إن حديث الليل قد ولى وراح/ اشربوا عجلى فقد لاح الصباح. ٭ وفي كل مرة ينادي بهذا النداء، ثم يرخي طرفي حبل جمعه في يده، فينخفض فيتدلى منه قنديلان كبيران معلقان في أعلى الصومعة، فمن لم يسمع نداء التسحير يبصر نور القنديلين، فإذا لم يبصرهما علم أن وقت السحور قد فات. ٭ أما ابن نقطة فقد كان يوقظ الخليفة الناصر في بغداد، وقد عرف ما يقال في التسحير أيامه ( بالقوما) من قوله (قوما اتسحر قوما). فلما مات ابن نقطة ذهب ابنه وكان له صوت رقيق ووقف تحت قصر الخليفة وانشد: (يا ابن السادات، لك في الكرام آيات، أنا ابن نقطة تعيش أنت أبويا مات). ولم يعرف عن ابن أبي نقطة أنه سحر أو أنشد بعد ذلك. ٭ وقيل إن أول من صاح في مصر بالتسحير في طرقاتها، هو والي مصر عنتبة بن إسحق عام 238 ه، وكان يخرج بنفسه ويسير على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاس إلى جامع عمرو، وكان ينادي (عباد الله تسحروا ففي السحور بركة). ٭ وقيل إن أهل القاهرة أول من سحر على (الطبلة). وكان أهل الإسكندرية يسحرون بدق الأبواب بالنبابيت، أما أهل الشام فكانوا يسحرون بالعزف على العيدان والطنابير والصفافير، وكانوا يرددن الأهازيج مثل: (رب قدرنا الصوم، واحفظ إيماننا بين القوم وارزقنا اللحم المفروم، عبدك ما عندو أسنان). ٭ ومن أشهر الذين كتبوا في التسحير الشيخ محمد النجار وبيرم التونسي وأحمد مخيمير وعمر عسل. ولا تزال كلماتهم تتردد ويشدو بها المسحراتية في كثير من البلدان العربية. ٭ ودأبت بعض المحطات التلفزيونية العربية على تقديم فقرة المسحراتي، ضمن برامجها خلال شهر رمضان. ٭ وفي قريتنا (مقاشي) كان «ودبايو» مسحر القرية يزرع شوارعها بالتنبيه من (الطندباي إلى الحلب)، وفي مدينة أتبرا كان لمشجعي (الأمل) فرقة تجوب شوارع المدينة بالنوبة، وكانت في (مصر الجديدة) في عقد الثمانينيات تسحرنا امرأة، في زي نسائي أبيض وفي يدها طبلة. ٭ التسحير تاريخ وتراث وطقس جميل، نرجو له الاستمرار والديمومة. ٭ ما أجمل شوارع المدينة وهي تحتفي وتتزين بالمسحراتي لكنه رحل.