أول أمس وخلال أمسية رمضانية جميلة تخللتها رشقات المطر جلست الى جهاز الحاسوب لأنجز بعض الأوراق الأكاديمية المتعلقة بدراستى فوق الجامعية . كانت الأوراق عصية بعض الشئ فقد تراوحت مواضيعها بين « مكونات الدين الأفريقى التقليدى» و «النزاع بين نمور التاميل وحكومة سيرلانكا» و«السياسة والاقتصاد فى إقليم الشرق الأوسط» ، لذا قررت وأنا جالس الى جهاز الحاسوب أن أستعين بما فى الجهاز من موسيقى وأصوات ندية علها تكسر غلظة المادة الاكاديمية التى أنا مقبل على إنجازها . تخيرت «الطير المهاجر» رائعة صلاح أحمد ابراهيم ووردى ، وهى لدي فى الجهاز بتسجيل رائع حديث وأخاذ فتدفقت الموسيقى كنهر من الفضة يغسل القلب ويريح الأعصاب ، ومن بعدها جاءنى الصوت الساحر لوردى : غريب وحيد في غربتو .. حيران يكفكف دمعتو .. حزنان يغالب لوعتو .. ويتمنى بس لى أوبتو .. طال بيهو الحنين .. فاض بيهو الشجن .. واقف يردد من زمن . الله .. الله .. ما بقي في عقل أهبه لمكونات الدين الأفريقى التقليدى ، وما عادت تلك النمور التاميلية فى لحظة الشجن والإرتواء تعنينى ، فليفجروا رئيستهم باندرانايكا ولينسفوا رئيس الوزراء الهندى راجيف غاندى ، أما الشرق الأوسط فيكفى ما أصبت من سياسته واقتصاده ، ورحت «أطير بى سراع» مع الطير المهاجر وصلاح المبدع ينفخ فى أجنحته : بالله يا الطير المهاجر للوطن .. زمن الخريف .. تطير بى سراع ما تضيع زمن .. أوعك تقيف .. وتواصل الليل للصباح .. تحت المطر .. وسط الرياح .. وكان تعب منك جناح .. فى السرعة زيد .. فى بلادنا ترتاح .. ضل الدليب أريح سكن . وراحت أصابعى وأنا أخط هذه الأحرف تمضى على ال «كيبورد» بذات الإيقاع الراقص الجميل للأغنية المجيدة ، وأنا أتخيل «صلاح» يقتله الشوق فى المنافى الباردة الى ذاك الوطن الجميل الذى يلمع نيله كسيف مجوهر بالنجوم من غير نظام ، وطن كلما بعدنا عنه نموت - كما صلاح - شوقاً إليه : فوت بلاد .. وسيب بلاد .. وإن جيت بلاد .. تلقى فيها النيل بيلمع فى الظلام .. زى سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام .. تنزل هناك وتحيى يا طير باحترام .. وتقول سلام .. وتعيد سلام .. على نيل بلادنا سلام .. وشباب بلادنا سلام .. ونخيل بلادنا سلام . سلام عليك أنت يا وردى.. سلام عليك يا صلاح وأنت تحمّل الطير المهاجر الى الشموس الإستوائية كل ذاك الحب العارم والوفاء والحب لذاك البيت الأمدرمانى القابع فى «العباسية» ، حيث الأم الحبيبة تشتغل منديل حرير للإبن الذى غيبه الصقيع فى المنافى الباردة : بالله ياطير قبل ما تشرب تمر على بيت صغير .. من بابه .. ومن شباكه بلمع ألف نور .. تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد .. تقيف لديها .. وتبوس إيديها .. وأنقل إليها .. وفاى ليها .. وحبى الأكيد . الله على هذا الرواء الذى يغسل القلب ، ويجعل النفس كفراشة مجنحة على ضفاف المقرن الجميل .. أو كنوّارة مفتحة ترقد تحت ذهب الأصيل . الله على وطن نهاجر إليه ونحن فيه .