الخبر المفجع والصادم حول إقدام اثنين من «الشماشة» على قتل ثالثهما بسبب الشجار العنيف الذي دار بين ثلاثتهم حول بقايا طعام «كرتة» حصلوا عليه من إحدى المزابل، يعيد إلى الأذهان الحال المؤسف الذي صار إليه المجتمع بعد الانقسام الاقتصادي والاجتماعي الحاد الذي قضى أولاً ضربة لازب على الطبقة الوسطى فمحاها من الوجود والحق أفرادها بطبقة المسحوقين والكادحين الذين يكدحون ليلهم ونهارهم من أجل توفير لقمة تقيم الأود وتقي من الجوع ليس أكثر، بينما انفردت طبقة صغيرة وفئة محدودة بالمغانم فتوحشت ثراءً ولم تترك للغلبة الغالبة إلا وحشة الليالي وآلام العنت والمرض وضنك العيش، وما يزيد من فجاعة الخبر أن سوء الحال بلغ مبلغاً من السوء دفع حتى الشماشة للتقاتل حد ازهاق الروح على فتات الأطعمة والبقايا التي ينقبون عنها وينتقونها من بين ركام الأوساخ والنتانة، وهو ما لم يكن عليه حالهم قبلاً، إذ عُرف عن مجتمع الشماشة انه مجتمع متماسك متعاضد ومتكافل يقتسم أفراده ما يتحصله الواحد منهم من الكوش ومقالب القمامة، وهم إذ يفعلون ذلك إنما يفعلونه بادراك فطري جعلهم يدركون أن المصائب تجمع المصابينا وتوحدهم وأن لا سبيل لهم كي يعيشوا ويبقوا على قيد الحياة غير أن يصنعوا بأنفسهم ولأنفسهم نظامهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقانوني ويتعاهدوا على احترامه وصيانته، ولهذا لم نسمع قط انهم تعاركوا من قبل على كرتة عراكاً دامياً أفضى إلى الموت، بل نظن أن سجلات الشرطة لم تدون عليهم بلاغاً كالذي سجلته بالأمس على اثنين منهم قضيا على زميلهما ضرباً بالعصا فارق على اثره الحياة، فما الذي جرى يا ترى لمجتمع الشماسة، هل تناقص حجم الكرتة وتقلصت كميات الفتات والبقايا الملقاة داخل آنية الأوساخ وأوعيتها للدرجة التي تجعلهم يتقاتلون عليها مثل هذا القتال المميت، أم ترى أن نسيجهم هو الآخر قد ضربته الزلزلة وهدت على رؤوسهم كل أعرافهم المرعية ونظامهم المجتمعي الذي أنشأوه وسيروا حياتهم عليه، هذا أو هذا لا يبدو أن في الأمر عجباً، فمجتمع الشماشة لن يكون جزيرة معزولة من المجتمع العريض من حوله ولن يكون بدعاً عنه، فما يحدث للأول سيلقى بالضرورة بظلاله وآثاره على الثاني وربما بشكل أسوأ.... ما يشهد عليه خبر قتل الشماشة لزميلهما، أن المشهد الاقتصادي والاجتماعي قد أفرز بشكل واضح فئتين، فئة «كرت كرتونة» وهي الفئة المرفهة المنعمة التي تلبس الحلل الزاهية الجديدة وتسكن الفاخر الجديد من الڤلل والعمائر وتمتطي الفاره الجديد من آخر موديلات السيارات وتأكل الطازج من الطعام والثمار والفاكهة، وفئة «كرتونة كرتة» التي منها من ينتظر تفضل الحكومة عليه من فضول أموالها، ومنها من ينتظر فضلات الأثرياء وبقاياهم...