لم تكد صورة الجدل الدائر في الأيام الماضية الذي توجهت على اثره انظار الساسة ورجال الاقتصاد والاعلام والمهتمين واصحاب المصالح تلقاء مدينة الفاشر في قضية لم يكن ما ورائها صراع مسلح كما اعتاد الناس من نقل اخبار دارفور، وانما صراع اقتصادي واستثمار في عقول مجهدة في ما سمي ب «سوق المواسير» الذي مازال الحديث عنه له بقايا. لم تكد صورة الجدل تزول، حتى برزت الى السطح مسألة التسويق الشبكي، مع انه قبل اعوام مضت قد اصدر مجمع الفقة الاسلامي فتوى بتحريم التعامل معه، باعتبار ان ذلك قمار، ولكنه وضع بعض الضوابط لتلك الشركات لمواصلة عملها بما يتوافق مع التعاليم الإسلامية.. ولكن عدم انضباط هذه الشركات اعاد المجمع الى فتواه الاولى بتحريم التعامل معها. لتعلن نيابة الثراء الحرام عن بلاغات من قبل المتضررين ممن يطالبون بحقوهم. وحذَّر خبير اقتصادي في حديث له مع «الصحافة» من أن انتشار مثل هذه الشركات قد يؤدي الى بروز «سوق مواسير» من نوع آخر يصعب تداركه، في حين يرى بعض المشتركين خلوها من شبهة الثراء الحرام، وأنه نظام تسويقي تجاري واقتصادي عالمي. والتسويق الشبكي في الأصل هو نظام تسويقي يقوم على مبدأ تجميع اشتراكات من افراد يديرون شركات ويدفع فيها الأشخاص الذين هم في اسفل الهرم حوافز من سبقهم في أعلاه، اضافة لعمولة الشركة، وهو نظام تسويق متعارف عالمياً يقوم على مبدأ بيع وتسويق السلع اعتماداً على شبكة الانترنت في العرض والتسويق والشراء. ودرجت العادة فيه على ادخال الوكلاء في دورات تدريبية لتعريفهم بطرق طرح المنتجات والتعرف بالشركة ونظام تحقيق الارباح واقناع العملاء بالاشتراك والانضمام للشركة، ومع كل عميل ينضم للشركة ترتفع اسهم المشترك الاول بزيادة اعداد المنضوين تحت قاعدته الهرمية. ولكن وجود ست شركات تتعامل بنظام التسويق الشبكي بالسودان ليس بالشيء الهين، خاصة أن عدد المشتركين فيه ارتفع إلى اكثر من «40.000» مشترك يزداد فيه العدد كل يوم. وبناءً على البلاغات المدونة من قبل المتضررين أعلنت نيابة الثراء الحرام والمشبوه عن اتساع ظاهرة التسويق الشبكي بالبلاد عبر شبكات متخصصة متخذة من شبكة المعلومات والانترنت وسيلة للوصول إلى المواطن وإرغامه على الاشتراك، وقال عماد الدين محجوب رئيس نيابة الثراء الحرام والمشبوه في تصريح للمركز السوداني للخدمات الصحفية، إن أكثر من ست شركات تتعامل بالتسوق الشبكي في ولاية الخرطوم، وأن عدداً من الفتاوى حرمت هذه المعاملة في السوق، وأن هناك عدداً من البلاغات دونت من قبل المتضررين في هذا الاتجاه، وأن الظاهرة لها عواقبها على الاقتصاد بالبلاد. وفي فبراير من عام 2008م كان مجمع الفقة الإسلامي قد أصدر فتوى بحرمة التعامل مع نظام شركة كويست نت بالسودان، لكون ذلك قماراً يُحرِّمه الدين الاسلامي، ولكن حوارات الدائرة الاقتصادية مع مندوبي شركات التسويق الشبكي هدفت لتطهير نظام التسويق الشبكي من صفة القمار. والتسويق الشبكي كما جاء في حيثيات فتوى المجمع، يتكون من حلقات قمار متداخلة، فمال القمار فيه مضمن في السلعة ومدسوس في ثمنها، والرابح فيه هو السابق في الشبكة، والمخاطر فيه دوماً قاعدة الهرم المتعلقة بالأمل في الصعود، ومن ثمَّ كان إلغاء شرط شراء المنتج للاستفادة من حوافز التسويق الشبكي أمراً جوهرياً وأساسياً لنفي صفة القمار عند المعاملة للرابحين، بحيث لا تترتب أية خسارة على المسوِّقين في حال فشلهم لبلوغ القمة. مع أن اعتماد حافز مباشر لكل من سوَّق منتجاً لا ينفي صفة القمار عن الشركة، لأن المأخذ الأساسي على شركات التسويق الشبكي هو الحافز الشبكي المتضمن للمخاطرة المفضية للقمار وليس الحافز المباشر، بناءً على هذا رأى المجمع أن عمل شركة كويست نت بالسودان في خطتيها القديمة والجديدة، لا يجوز العمل به لكونه قماراً حرَّمه الشرع، وبسبب مخالفتهم الصريحة لفتوى المجمع في ذلك، وحملت الفتوى توقيع الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بروفيسور أحمد خالد بابكر. وأصدر مجمع الفقة الإسلامي في الشهر الجاري فتوى قضى فيها بتحريم التعامل عبر التسويق الشبكي بالسودان. وفي حديث مدير ادارة الاعلام بالمجمع سيد قطب للمركز السوداني للخدمات الصحفية، كان قد قال فيه إن الفتوى جاءت بعد اجراء دراسات متأنية ومقابلات عديدة قامت بها دائرة الشؤون الاقتصادية والمالية بالمجمع مع المعنيين بالتسويق الشبكي والخبراء داخل وخارج السودان، اعتبر بعدها المجمع ان التعامل عبر التسويق الشبكي لا يجوز لكونه قمارا حرمه الله. إذن ما هي التأثيرات المتوقعة لمثل هذا النشاط على حركة النشاط الاقتصادي الكلي بحساب ما يستقطبه من أفراد المجتمع، خاصة أن الانتشار الشبكي يمكن أن يتمدد الى الولايات مع توسع الشبكة.. تساؤلات عدة قمنا بطرحها في اتصال هاتفي مع الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير، لمعرفة المردود والمتوقع، حيث قال: من المؤكد أن وجود ظاهرة الشركات التي تعمل بنظام التسويق الشبكي بالسودان هي ظاهرة خطيرة تؤثر على الاقتصاد السوداني بشكل كبير، خاصة أن هذه الشركات قد بلغت حوالي ست او سبع شركات عاملة بالسودان، ومن مخاطر هذه الشركات انها تعمل في الخفاء، اي ليس لديها مقر ثابت ودائم يتعامل معه الجمهور الراغب في شراء السلع، بل دائما ما يكون الوسيط الذي يتعرض للمسؤولية القانونية اذا ما تم الابقاء بين الطرفين في عملية الشراء، لأن نظام البيع عبر التسويق الشبكي يعتمد على الاستهداف، اي شخص يتمتع بمهارات تسويقية ولديه القدرة على الاقناع ومؤهل أكاديميا في دراساته التخصصية، ولديه دراية بكل فنون العمل التسويقي من التعامل مع الزبون وطرح المنتج بأفضل صور العرض المطلوبة، وبالتالي تكون لدية القدرة على اقناع عملائه او زبائنه، ومن هنا تبدأ عملية التسويق الشبكي، حيث يطلب من هذا الشخص أن يقنع عشرة افراد او اكثر بالاشتراك وشراء سلع بحد أدنى لكل عميل، على أمل أن يأخذ نسبة من مبيعات كل عميل من العملاء الجدد، ويطلب من كل شخص من العشرة الجدد أن يأتي بعشرة آخرين تكون عمولة الشخص الاول فيهم مستمرة، فاذا ما كان المنتج الذي تسوق له الشركة به اضرار او غير مطابق للمواصفات لا يرجع للشركة مثلا، لأنه تسويق يعتمد على نظام الوسطاء المتعددين، اضف الى ذلك ان هذه الطريقة لا تتوافق مع طبيعة الشعب السوداني لأنها غير ملائمة، فقد تعود على أن ينزل الاسواق ويختار سلعته بعد ان يقلبها من كل الجهات ويتحسسها، لذا لا اتوقع أن تحقق نجاحاً في السودان، فلو كانت هذه الشركات متأكدة وواثقة من نشاطها لسوَّقت منتجاتها عبر معارض بيع معروفة، ولو كانت سلعاً لها طلب عالٍ وفائدة لتم بيعها بدون الاحتياج للتسويق الشبكي، فبضائعهم كاسدة، فاذا ترك لهذه الشركات فرصة التمدد في الاقتصاد السوداني وانتشرت بالمركز والولايات، فمن المؤكد أننا سنجد أنفسنا أمام «سوق مواسير» من نوع آخر، ونجده قد استفحل تماما وبدون معالجة بالنسبة لعدد الضحايا الذين لم يحصلوا على منتجاتهم. وسبق في الجانب الشرعي أن صدرت فتوى، ولكن يظل هذا العمل به شبهة، ويجب أن تكون سياسة الدولة واضحة تجاه هذه الشركات حتى يتم إيقاف هذا الأمر قبل فوات الأوان.