٭ وسط حالة احباط شديدة جلست لأعمر هذا اللقاء اليومي معكم، اللقاء الذي يجعلني افرغ شحنات القلق والتوتر التي تدخلني الى عالمها حالة البلد عامة.. حالتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. امسكت القلم.. لكنه حرن حراناً شديداً وعنيداً.. ساقني الى تقليب ملفاتي وارشيفي.. استوقفني عنوان ل «صدى» كتبته في اواخر عام 1002م بصحيفة «الحرية» بين البكاء الصامت والخجل الخفي.. قرأته قالت لي نفسي لم يتغير شيء فليقرأه معك ثانية قراء صدى في «الصحافة».. وانا انفذ ما قالته نفسي.. ٭ عندما اقترب من تقاطع النفق بشارع الجيش تزداد ضربات قلبي وتتجاذبني مشاعر غريبة وامنيات اغرب.. اتمنى ان اجد شارة المرور خضراء وان لا اجد ذلك الكسيح الذي يتسول وهو يزحف بين العربات ولا مجموعة الاطفال اصحاب الاجساد الهزيلة والايدي الممدودة في انكسار. ٭ مشاعر واماني جبانة ان أجد الضوء اخضر واعبر بسرعة انه هروب يولد احتقاراً خفياً لموقفي وخجلا دفينا من مشاعري وامنياتي.. ولكن ماذا سيحدث ان اعطيت ذاك الكسيح.. ألف.. ألفين.. ثلاثة من الجنيهات وان فعلت ذات الشيء مع الاطفال.. لا يحدث شيء لم يتغير حالهم ولا وضعهم انها مشكلة اكبر مني.. اكبر مننا كلنا.. انها مشكلة الدولة مهمة ولاة الامر فينا مهمتهم ان يطاردوا الفقر والعوز والبؤس. ٭ مشاعري غريبة لكن مبعثها خاطرة انسانية تثيرها شهوة عارمة لاصلاح الحال في السودان.. عندما اجد شارة المرور حمراء اقف وأتأمل الكسيح والاطفال والمرأة العجوز ويسحقني بكاي الصامت وألعن الفقر والجوع والظلم والعطالة والتشرد وسياسة التحرير والخصخصة والنظام العالمي الجديد والعولمة.. الخ.. وتزدحم مقدمة ذاكرتي بصور متباينة صور اطفال سعداء يمرحون ويلعبون في حدائق غناء وبالعاب من مختلف انحاء المعمورة وصور اطفال يتسولون في نهارات وليالي الصيف ونهارات وليالي الشتاء. ٭ تذكرت خبرا بصحيفة «الخرطوم» يقول في الساعة الواحدة من ظهر الاثنين 82/5/1002م باحدى العمارات في وسط الخرطوم فوجيء الجميع بامرأة في منتصف العقد الثاني من عمرها تصرخ وهي تعرض وليدها البالغ من العمر ثلاث سنوات للبيع وعندما تجمهر الناس حول المرأة وسألوها عن السبب افادت بان زوجها هجرها ولم تستطع توفير الحياة الكريمة لطفلها وطلبت ان تعمل في بيع الشاي. ٭ ارادت الام ان تبيع طفلها لتضمن له الطعام والمأوى وتأخذ ثمنه لتتفرغ لبيع الشاي ومقاومة الكشات. ٭ تذكرت حادثة المواطن الهندي التي طالعتنا بها صحف ثمانينيات القرن الماضي كان الاب عاطلاً ماتت زوجته بفعل الجوع وظل يتابع غول الجوع وهو يزحف على حياة اطفاله الاربعة.. ولكن في لحظة جنون جائعة حمل السكين وقتل اطفاله الاربعة وقتل نفسه. ٭ وعندما فاحت الرائحة الكريهة فتحوا الكوخ وجدوا المسكين مشنوقاً وفي عينيه تجمدت دموع غليظة وبالقرب منه كانت اربعة رؤوس صغيرة مفصولة تماما عن اجسادها. ٭ هكذا تعامل الاب العاطل الذي قتل الجوع زوجته مع غول الجوع اراد ان لا يمكنه من ان يذهب بصغاره كما ذهب بامهم.. فعلها وكأنه يقول بيدي لا بانيابك القذرة. ٭ صورتان تأملتهما امامي وانا اتساءل ايهما عبر بصورة معتدلة وصادقة الام التي ارادت ان تبيع طفلها وسط الخرطوم حتى تنقذه من الجوع ام الاب الذي اخذ اطفاله الاربعة معه وترك الدنيا بحالها للجوع والفقر وظلم الانسان لاخيه الانسان؟ ٭ مأساة والمأساة الكبرى هي عجزنا واكتفاؤنا بالبكاء الصامت والتحسر الاخرس او الخجل الخفي. هذا مع تحياتي وشكري