نداء لم يعد طاغياً كما كان ولكنه لم يتلاشى تماماً، كان نداء «نصلّح سراير» الذي اشتهر به بعض أهلنا الحلب أو «الحلبة» في رواية أخرى ممن كانوا يجيدون أعمال الحدادة التي برعوا فيها متحالفاً مع النداء الآخر «نجلّد عناقريب» الذي إختص به بعض أهلنا من عربان السودان ممن إختصوا بنسج العناقريب المصنوعة من جذوع الاشجار، كان هذان النداءان يعبِّران عن حقبة من التميز والمهارة في الاعمال اليدوية والصناعات الصغيرة والمصنوعات الشعبية «Handicraft» وغيرها من أعمال الخراطة والسباكة والكهرباء والميكانيكا والمباني والنقاشة وصيانة الاجهزة الكهربائية وصيانة الالكترونيات المطروحة في الاسواق والمتداولة بين الناس وقتذاك، وكان كلما ظهر كشف جديد وُجد من يجيد التعامل معه فكاً وتركيباً وصيانة، ولكن للاسف بدأت هذه الايدي الماهرة والمقدرات الفنية الوسيطة تتناقص وتتضاءل رويداً رويداً إلى أن أطل علينا يوم إمتلأت فيه الاسواق ليس بالبضائع «المضروبة» فحسب بل وبالصنايعية والفنيين «المواسير» حتى أصبحت عملية بسيطة وصغيرة مثل إصلاح صنبور ماء عسيرة تتطلب الجهد والوقت وربما أحوجتك إلى استدعاء كونسلتو من السباكين، إذ أضحى من العادي أن لا ينجح أول من تلجأ إليه في التحديد الدقيق والصحيح لعلة آلتك المعطوبة وبالضرورة لن ينجح في إصلاحها هذا إن لم يزدها عطباً على عطب لتجد نفسك غارقاً في دوامة من البحث إلى أن يبعث الله لك من يحل كربتك أو «تنكرب» فتستبدل المعطوب بآخر جديد لتعود للدوران مجدداً في ذات الدائرة إذا لا قدر الله تعطل الجديد، وقد تعرضت شخصياً لتجربة مماثلة خلال الايام الماضية حين إحتجت لتعريب هاتف جوال أهدانيه صديق قادم من لندن، هي لم تكن التجربة الأولى فقد سبقتها الكثير من التجارب المريرة مع صنايعية وفنيين الأنكى أنهم ليسوا فاشلين فقط بل ومدعين كذلك، ولا شك أنكم أعزاؤنا القراء قد مررتم بتجارب مماثلة، المهم أن ذلك الهاتف الجوال قد «داخ» بين خمسة من فنيي صيانة الموبايلات عجزوا جميعهم من إصلاحه حين تسبب سادسهم الذي كان قد «نجح» في البداية في تعريبه بعد لأيٍ وجهد جهيد ولكن بعد أن أورثه عاهة أحالته إلى أعمى وأصم وأبكم، وكان كل فني يضيف إليه داءً جديداً بسبب التشخيص الخاطئ إلى أن دخل هذا الموبايل المسكين في غيبوبة كاملة لم يفق منها إلا عندما هيأ لي الله الفني السابع المقتدر الذي ردّ إليه سمعه وبصره، ومرة حكى زميلنا المحقق الصحفي بله علي عمر حين ساقته أقدار العمل الصحفي إلى دخول مقر قطاع الشاحنات وكان أول ما لفت نظره الوجود الكثيف للعمالة الاجنبية بهذا القطاع، قال فسألت عن السبب وتساءلت عن ندرة وجود السودانيين بين هذه الكثافة، قيل له لقد قررنا توظيف العمالة الاجنبية والفنيين الاجانب لأن آلياتنا هذه كبيرة وغالية الثمن ولا يمكن أن نجازف بها ونضعها بين أيدي سودانيين غير مؤهلين، والحكاوى تطول والألم متطاول يكفينا منه ما جاء عاليه والأفضل من مواصلة سرد التجارب المريرة التي لا تنقضي أن نسأل ثم ماذا بعد... الآن ومع التشكيلة الوزارية الجديدة برزت وزارة جديدة لا تزال تحت التشكيل معنية بتنمية الموارد البشرية ومن أهم مهامها النهوض بالمهارات المهنية والحرفية والتقنية والفنية والتقانية لرفد سوق العمل بالكوادر المدربة والمؤهلة الوسيطة، وحسناً فعلت هذه الوزارة الوليدة حين جعلت هذا الهم على رأس أولوياتها فقد طال ليل الكوادر الوسيطة في مختلف المجالات بما لقيته من إهمال ولا مبالاة أوردها هذا المورد من الضعف والهوان حتى هانت على المستخدمين فأصبحوا يستجلبون هذه الكوادر من الخارج، وآن لها الآن بظهور الوزارة الجديدة أن تُبعث ثم تنهض من جديد وهذا هو أول وأهم تحدٍ أمام كمال عبد اللطيف، فليسم الله وليقل يا لطيف عله لعثرات هذا القطاع الحيوي يقيل...