هل جربت يوماً أن تذهب الى ( قهوة العمال والصنايعية ) حين يداهمك عُطل طارىء فى منزلك كأعطال مواسير المياه أو الكهرباء أو أعمال البناء ؟ لا أنصحك بذلك ...فالذى يضع أمامه معدات السباكة من المفاتيح الانجليزية وغيرها ما هو بسباك . والذين تعج شنطهم بالمفكات ولمبات البيان لا علاقة لهم بأعمال الكهرباء ، كذلك الذى يروج لنفسه بالمنشار والفارة والكماشة هو ليس من أهل النجارة . وإذا داهم سيارتك عطل طارىء فإياك أن تظن بأن كل من لبس ( الاوفرول ) الملطخ بالزيت سيعالج العطل الذى أصاب سيارتك . كل هذا الجيش من ( الحرفيين بلا حرفة ) اللهم إلا فئة قليلة ، هم أُناس أخرجهم الفقر وضيق الحال من بيوتهم لينتحلوا مهناً لم يحذقوا أبسط أولوياتها ، فهم يعتمدون على منهج ( التجربة والخطأ ) فى التصدى لمشكلاتك . والغريب أنهم حين ينجحون فى إصلاح العطل ، وهذا نادراً ما يحدث فالأصل أنهم يفاقمون العطل بدلاً من إصلاحه ، فإنهم يطالبونك بأجرة ساعات العمل الطويلة التى أضاعوها وهم ( يكابسون ويعافرون ) لإكتشاف العلة الأساسية وفق منهج ( التجربة والخطأ ) ، وبسبب نقص الخبرة والتأهيل تجدهم كمن يتعلم الحلاقة على رؤوس الأيتام ! إن البيت السودانى العادى أصبح ينفق على هذا الاحتياج المهنى الهام والعاجل أكثر مما ينفق على الأكل والشراب ، وقد زاد الأمر وبالاً أن أرفف ( المغالق ) تزدحم فقط بنفايات الصناعة الآسيوية التالفة التى تُستورد بأبخس الاثمان لتباع للناس بسعر البضاعة الجيدة . هذا الحصاد المر من ( الحرفيين بلا حرفة ) سببه أننا أهملنا وربما أغلقنا كافة مؤسسات التعليم المهنى الوسيط مثل التدريب المهنى ومعهد القرش والمعهد الالمانى وغيرها ، والتى كانت ترفد سوق العمل بكوادر مؤهلة تشكل عصب التنمية والنماء . كل دول العالم التى شهدت طفرات تنموية وإقتصادية هائلة مثل النمور الآسيوية ( كوريا الجنوبية وأندونيسيا والفلبين وماليزيا وتايوان وغيرها ) كان قوام نهضتها هؤلاء الحرفيين المؤهلين من (الأسطوات ) وليس المهندسين أو حملة الشهادات الجامعية ، وقد كتبت فى عمود سابق أن أحد المسئولين الكوريين الجنوبيين صرح بأنهم إستفادوا أيما فائدة فى نهضتهم الصناعية والاقتصادية من تقرير مودع بإحدى وكالات الاممالمتحدة أعده المهندس الراحل السيد / ميرغنى حمزة فى الخمسينيات يركز على أهمية هذه الكوادر ، وكانت ثمرة هذا التقرير يومها قيام المعهد الفنى بالسودان . للأسف الشديد أننا أهملنا هذا المساق التعليمى الحيوى ورحنا نستثمر فى فتح الجامعات التى تخرّج لنا أجيالاً من الافندية الشباب الذين لا يملكون بأساً مهنياً يرد عنهم شبح العطالة ، وكل هذا جرياً وراء وجاهة إجتماعية كاذبة قد يمنحها لقب الطبيب أو المهندس أو المحامى وغيرها من المهن التى ما عادت تملأ جيباً أو تقيم أوداً أو تفتح بيتاً . ما أحوج هذا الوطن الى كوادر مهنية وسيطة وحرفيين حقيقيين يملكون حرفاً حقيقية .