٭ منذ قديم الزمان عرفت مدينة الدامر كل فنون العسكرية، وأجاد أهلها الزراعة والتجارة، وكانت قبلة المعرفة في أمور الدين، وكان أهلها فطاحلة في كل المجالات، فهى اللوح والنار والشرافة والنور، وهى المجاذيب وتوفيق صالح.. الشيخ المجذوب- الشيخ قمر الدين.. والدامر هى عاصمة دار الابواب وتسمى دامر حمد ودامر المجذوب. وفي هذه المدينة ولد فتى من اب بجاوي وهو علي ابراهيم عكير، وعكير عند البجا تعني الخير، وفي حلة العشير شب الفتى، وفي خلاوي المجاذيب بدأت تتفتح مداركه، وحفظ القرآن بالروايات السبع، وواصل تعليمه الى ان تخرج في كلية غردون التذكارية واستوعب اللغة الانجليزية قراءة وترجمة. وعمل في بداية حياته العملية بالمحاسبة، إلا ان الوظيفة لم تستوعب ملكاته ومقدراته، فهو الفارس عاشق البادية والصيد والمطر عاشق الزرع والتراب- المهتم بالحيوان وخادمه، فقد كان صاحب أجمل وانظف حمار، فقد كان يهتم بنظافة حماره واكسسواراته، ويهتم بكلابه التي يربيها للصيد، ومن أشهرها شلاعة التي أهداها له ود الشامي الجزار، وقد كان أنيقاً في ملبسه سواء أكان سودانياً او افرنجياً، وصاحب الشارب الطويل حامل السيف والبندقية (الخرطوش) الشاعر والمترجم الذائع الصيت. فقد كتب أجمل الأشعار وأفصحها.. كتب عن المجتمع وحركته، فقد عرف المجتمع بتفاصيله من خلال عمله بالمحكمة الأهلية بالدامر «محكمة العمد»، وقد اشتغل كثيراً بالادارة الاهلية، وكان صاحب رأى ومشورة.. وقد كانت له علاقات ممتدة بامتداد الولاية الشمالية سابقاً من حجر العسل حتى وادي حلفا.. وبولاية نهر النيل لاحقاً من حجر العسل الى حجر الطير، وله أصدقاء كُثر منهم ود البى وهو زعيم منطقة الجعليين شندي، وكان صديقاً للعمدة طيفور محمد شريف بالعالياب، وكان أخاً وصديقاً لبابكر النور بالحسناب، فهو حواره في الشعر وحافظ أشعاره ومآثره. وعلي عكير صاحب القدم المعلى في أدب المسدار، وكان شاعراً كتب كثيراً عن الإمام عبد الرحمن المهدي، وقال له في العهد: عهدنا معاك كنداب حربه ما بتفلق وقال في موقف آخر للإمام عبد الرحمن المهدي: لو كان ايدينا من إيديك وكتين المسوك تتملخ باقي السما اليتكي وجلد النمل يتسلخ وكتب علي عكير عن صديقه ود البى بشندي رثاء له: على بيتك حرام المرقة لقدام صبح منظر بيوتك ساحة إعدام يا حوض لين الخضار الشالك الهدام عليك أسفي الطويل طول العمر ما دام وقد كتب قصيدة عند سفر الإمام عبد الرحمن المهدي للعلاج بلندن منها: ما بطير مكسور جناح وإن دندن والمركز في القيفة ما بعوم والحجار ما بيدن لو كان الأمر باليد تجيك صقور في لندن وقد كان علي عكير يتلألأ شعراً وألقاً في منظره ونظافته ولبسه الذي يتكون سروال وعراقي سكوبيس شديد البياض، وثوب وسديري أو جلابية ناصعة البياض، وإن تحدث فإنه يتلألأ حديثاً ومنطقاً وشعراً. وقد كتب كثيراً من المرثيات، وقد كان حاضر البديهة ويقوم بمجادعة الشعراء في سوق السبت بالدامر كأمثال ود شوراني ود ضحوية وود نافع، وله في ذلك مساجلات ومجادعات ورباعيات، وقد قال له عبد المنعم قدور اعترافاً بشاعريته: على زملائي شيطان شعري ما غراني الاول عكير والثاني ود شوراني الحبر ودشزيب فضل الله والنوراني ليهم احترام والآخرين حيراني ونجد علي عكير قد رثى خاله البدين، وقد كان البدين فارساً وضو قبيلة، وهو والد الممثل عبد الرحمن الشبلي، ومن مرثيته نقتطف: الرى انبهل فات البيملا يشيل انتقل الصمد صمد الندى البيكيل رحل فحل التقيلة الما بيكل ويمل يسألوا عن كرامتو وشالتو الغشاشة العذب الفرات الحالي بسراع جفَّ وقد كان علي عكير يجيد الكتابة في كل ضروب الشعر فلنقرأ له: يا مولاى آه من قُلبي من الناره حرقت قلبي الناس عيدت مرقت على أصحابه وأنا مرق على الجاهلة السمح ترحابا والقصيدة طويلة ومنها: أخضر ليه ضل فوقنا المحاسن شرن أدعج فاطرو برق السواري الكرن بتقسم مقاطع في المشي ويتحرن زى فرخ القطا الأماته ركن وفرن وقد امتدت حياة الشاعر علي عكير من اوائل العشرينيات الى منتصف التسعينيات، وكانت حياته تضج بالشعر والعلم والمعرفة والفراسة والصيد، وكان صاحب رؤية ومفردة كلها عطا وألق، وهو من أشعر شعراء العرب.. له الرحمة.