قامت شرطة أمن المجتمع بولاية القضارف بحملة يقودها ضابط برتبة ملازم مساء أمس الأول بأسواق ومواقف المركبات العامة للمدينة، استهدفت الفتيات تحت ستار الزي الفاضح، حيث ألقت القبض على ما يقارب العشرين من الفتيات من بينهن طالبات من جامعة القضارف وكلية العلوم الصحية للتمريض، وسط استنكار واستهجان من قبل فئات المجتمع المختلفة ورجال الدين، ولم تطلق الشرطة سراح الفتيات إلا بعد تدخل كرم الله عباس الشيخ والي القضارف بعد اتصال هاتفي تلقاه الوالي من رئيس اتحاد طلاب جامعة القضارف، وصب عدد من رموز المجتمع وقيادات الولاية ورجال الدين جام غضبهم على هذه الحملة التي نفذت دون علم وزارة الرعاية الاجتماعية والجهات المختصة، واعتبرت هذه الجهات في حديث ل «الصحافة» مثل هذه الحملات بأنها تسئ لسمعة الولاية والمجتمع، باعتبار ان مثل هذه الحملات تحتاج لتوعية مسبقة عبر منابر المساجد ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني فضلاً عن دور الأسر، حيث أكد الضو محمد الماحي وزير الرعاية الاجتماعية والناطق الرسمي باسم حكومة الولاية أن الوزارة ليس لديها علم بالحملة التي نفذت عصر أمس الأول، كما لم يتم إخطارها، مضيفا أن قانون تزكية المجتمع المناط به ترقية الذوق العام ومحاربة الظواهر السالبة والعادات الضارة وضبط سلوك المجتمع لم تكوَّن له آلية موحدة لإنفاذه. وقال إن وزارته تعمل على خلق أرضية دعوية لتنفيذه عبر الأئمة والدعاة والمساجد للتوعية بأهمية السلوك، لكنه أضاف أن هذه القوانين من اختصاص معتمدي المحليات وليس شرطة أمن المجتمع. وفي الوقت ذاته استهجن رئيس اتحاد طلاب جامعة القضارف عبد العاطي حوى النبي الخطوة التي أقدمت عليها شرطة أمن المجتمع بالحجز على طالبات يحملن بطاقات الجامعة، بعد أن ابلغ بهذا القرار من قبل احد الطلاب. وقال إنه جادل شرطة أمن المجتمع حول الآلية التي استندت عليها في تحديد معايير الزي الفاضح من غيره، كما ذكر أنه ابلغ الوالي هاتفياً بهذا القرار الذي قام بدوره بتوجيه معاونيه بإطلاق سراح كل الفتيات المحتجزات بشرطة القسم الجنوبي. وفي ذات الوقت لم يحبذ رجال الدين بالمدينة الذين استنطقتهم الصحيفة مسألة الكشات العشوائية، وطالبوا بأن تكون مثل هذه الحملات لضبط المظهر العام عبر آلية ورجال على قدر من الوعي، وان تسبق هذه الحملات إنذارات وبرامج توعوية مجتمعية عريضة، لأن القانون لوحده لا يمكن أن يضبط الشارع العام. ولفت احد رجال الدين الى أهمية ان يعي رب الأسرة دوره في تربية ومراقبة الفتيات في مسألة الزي المحتشم، حتى لا تكون الفتاة عرضة لمثل هذه الإشكالات، فالضابط الأساسي في مسألة الزي يرجع للإيمان الكامل. فيما أشارت عضو بارز في اتحاد المرأة بالولاية لإكرام المرأة، لأن النساء شقائق الرجال، ما أهانهن إلا لئيم وما أكرمهن إلا كريم. وطالبت شرطة أمن المجتمع بإشراك اتحاد المرأة في التوعية بمثل هذه القضايا التي تتعلق بالمرأة ومكانتها. فيما يرى المحامي والناشط في حقوق الإنسان محمد علي بابكر «ود القوم» أن يكون هنالك أمر بالمعروف يبدأ بتوعية المجتمع من خطورة الظهور بالزي الفاضح، وذلك عبر إذاعة وتلفزيون القضارف، والنداء عبر المنابر في المساجد، ومخاطبة أولياء الأمور.. ثم بعد ذلك تقام مثل هذه الكشات، خصوصاً أن معظم اللائي تم القبض عليهن في دور العلم بأشكاله المختلفة، وأن مثل هذه الكشات تجلب العار والسمعة السيئة للأسر، وأن فتح البلاغات والقبض على الفتيات ووضعهن في الحبس يقلل من مكانتهن في المجتمع وبين أقرانهن، وهو ما يقيد حرية الأفراد وحقوق الإنسان، وان الطريقة المثلى للتعامل مع هذه القضايا لا تكون بالزج بهن في الحراسات وخصوصاً إنهن على أعتاب سن الزواج. فيما يرى المواطن رأفت إسماعيل احد رموز المدينة، بأنه يجب على الشرطة ان تهيئ المجتمع عبر وسائل الإعلام والمساجد، وتبصيره بالإعلام الجماهيري، وإشراك فئات المجتمع المدني، بدلاً من إنفاذ هذه الحملات بطريقة فجائية. وقال نحن مع ضبط الشارع والمظهر العام، لكننا ضد الإجراءات التعسفية التي تسئ للأسر وتهضم حقوق المرأة. وقال إن ظاهرة الزي غير المحتشم تفشت لفترة طويلة وسط فتيات الولاية مع انتشارها في الأسواق، ومن الصعب محاربتها بمثل هذه الكيفية. وقال احد طلاب جامعة القضارف إن هذا القرار غير سليم ومشين للولاية، وتم اتخاذه دون سابق إنذار. وقال إن هنالك بعض القبائل ترتدي الأزياء حسب ثقافاتها ومكنوناتها المتعددة، ووصف الخطوة التي أقدمت عليها شرطة أمن المجتمع بالقبض على طالبات جامعية بأنها مسيئة للأسر قبل الفتيات، وكان من المنتظر ان تنسق شرطة أمن المجتمع مع اتحاد طلاب الجامعة قبل إنفاذ هذه الحملات. وكانت مسألة إلقاء القبض على الفتيات على قارعة الطريق وفي بعض مواقف المركبات العامة مساء أمس الأول، قد أثارت حفيظة الرأي العام، وظلت حديث مجتمع المدينة بين مستهجن ومستنكر وراضٍ، خاصة بعد الأسلوب الذي اتبعته الشرطة في القبض على الفتيات، حيث أفاد شهود عيان بان إحداهن اقتيدت وهي تتحدث عبر الهاتف الجوال في الشارع العام، وأخرى دفعت دفعاً لاعتلاء عربة الشرطة، فيما وصف البعض عربة الشرطة بأنها لا تليق بالفتيات، وخصصت فقط لنقل معتادي الإجرام، وطالب ذات المصدر الشرطة بأن تقوم بتوعية وإرشاد الفتيات قبل القبض والحجز. وهناك تساؤلات تدور حول الخطوة التي أقدمت عليها شرطة أمن المجتمع دون رؤية وموافقة حكومة الولاية، مما يعد خرقاً وتغولاً على المشورة السياسية والتنفيذية، بعد أن تركت هذه الحملة آثاراً سالبة وسط مجتمع الولاية وجامعة القضارف، بعد إحجام الطالبات عن ارتياد الأسواق لشراء حاجياتهن، خاصة في ظل انعدام الخدمات الضرورية داخل حرم الجامعة، فهل تتدخل حكومة الولاية عبر قائدها كرم الله عباس الشيخ بخبرته التراكمية في التشريع وسن القوانين، أم يُترك الحبل على الغارب.