بخطوات تبدو متسقة مع إيقاع الخرطوم المحموم لقطرة فرح بعد طول حرب وانتظار، استقبل الرئيس البشير مضيفيه من رؤساء وزعماء الدول المشاركة في فعاليات ختام مؤتمر الحوار الوطني بقاعة الصداقة أمس، قبل أن يلقي بخطابه الذي جاء في 1422 كلمة، وألقاه الرئيس في حوالي ال15 دقيقة كاملة، لم يتخللها سوى مقاطعة هتافية مرة واحدة لأحد أنصاره.. الملاحظ في خطاب البشير أمس، أنه جاء كمن خلع العباءة السياسية ذات اللون الأخضر التي يتخذها حزبه المؤتمر الوطني شعاراً مميزاً، لصالح العباءة الوطنية التي تكررت في خطابه مقترنة بمفردة الوثيقة 13 مرة، فيما خلا الخطاب تماماً من اسم الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، نافس تلك العبارة من حيث الكثافة عبارة الحوار التي تكررت حوالي 16 مرة، وربما لأنها تمثل موضوع الفعالية كما أنها تمثل الهدف والوسيلة كمخرج للبلاد من أزمتها.. الدولة في تفكير الرئيس وخطابه بدت مقدمة على ما عداها من مؤسسات ففي الوقت الذي وردت مفردة الحزب مرة واحدة، في المقابل كانت الدولة تتكرر 10 مرات، ما يعزز الاتجاه القومي في خطاب الرئيس على حساب الخطاب الحزبي. كذلك كرر الرئيس عبارة بلادنا 7 مرات فيما وردت مفردة السودان 4 مرات.. كذلك بدا الرئيس البشير مهموماً بمخرجات الحوار الذي بدأ في يناير 2014م فيما يعرف بخطاب الوثبة، وربما أراد البشير أن يحفز ذاكرة الحضور إلى عمليات الجدل والنقاش التي دارت حول الحوار وما تخلله من شد وجذب، فحرص على ربط الوثبة بمفردة مشروع، وكرر مشروع الوثبة في خطابه 5 مرات كثاني أكثر عبارة تم اتستخدامها في خطاب الأمس.. لا يبدو أن إيراد مفردة مشروع تقف عند حدود التذكير بقدر ما تتيح التفكير في إمكانية التراجع والمراجعة لجهة أن الوثيقة الوطنية نفسها خلاصة لعدة مشاريع تم دمجها.. الاتفاق المبني على تقارب وجهات النظر لا التطابق الأحادي، بدا أمراً لا مفر منه في سياق الحالة السودانية المبنية على التعدد، فتكررت مفردة التوافق ثلاث مرات بالإضافة إلى مفردة الاستقرار السياسي مرتين.. البشير كرر أيضاً في سياق خطابه مفردة الإصلاح 3 مرات، وهو ما يعد مؤشراً على استصحاب البشير لموجهات الدولة الأخيرة في وثيقة الإصلاح وتبنيها منهج إصلاح الدولة بعد قرابة ال4 أعوام على إعلانه انتهاء عهد التمكين لصالح الإسلاميين في الدولة ومؤسساتها.. برزت أيضاً مفردات القوى السياسية الديمقراطية، كالديمقراطية مرة، والتدوال السلمي مرة والحريات، بالإضافة إلى عبارات التي تشير للانتماء كالهوية الوطنية والوحدة الوطنية والانتماء الوطني.. أبرز المعطيات والمؤشرات في خطاب البشير غياب عبارات الآيديلوجيا التي تميز خطابات الإسلاميين فيما حلت العبارت الانتماء القومي كبديل يعزز من توجهات القصر تجاه الانفتاح..