(أ. م) فتاة تكسو ملامح وجهها نظرات بريئة تعكس ما بداخلها، تعيش مع أسرتها بإحدى الولايات وتمارس حياتها الطبيعية، ترتاد المدرسة كل يوم وتمرح مع صديقاتها، فجأةً توفيت والدتها وتغيّر مسار حياتها، تزوج والدها بأخرى استوطنت واستحوذت على ممتلكات والدتها لتصبح في وضع لا تحسد عليه، لذا قررت أن تتخلص من هذا بالذهاب والعيش مع أهل والدتها، بقيت معهم لفترة ولكنها أحسّت بعدم الاحتواء، بالرغم من انّ الجميع يرى أنّ أسرة الأم يمكن أن تكون خير (معوض)، لذا قررت التوجه لمدينة الخرطوم بقلب يحمل في طياته خيبات وحزناً، وبعض الأمل في وجود مأوى بالمدينة التي يمّمت شطر وجهها نحوها، وصلت العاصمة وأول شخص جلست بقربه كانت بائعة شاي وافقت على مُساعدتها بعد أن علمت بظروفها وقرّرت أن تمنحها فرصة للعمل معها، مرّت الأيام، وتعرّفت (أ) على شاب جامعي تعيش أسرته خارج البلاد ويُقيم هو في شقة لوحده، عرض عليها السكن معه، فوافقت بسُرعة، وبات الاثنان يعيشان كزوج وزوجة لقرابة ال (4) أشهر، لكن شاءت الأقدار لها أن تحمل جنيناً في أحشائها، ذلك الشيء الذي دفع بالشاب لطردها من المنزل مُردِّداً عبارة: (يمكن ما مني)!! فجأةً وجدت (أ) نفسها بالشارع، فاضطرت للعيش وسط المُتشردين حتى صادفتها حملة لشرطة أمن المجتمع والذين قاموا بأخذها وتحويلها لدار للمتشردين والتي أكملت فيها أيام حملها، فيما تكفلت الدار بأخذها شهرياً للمُتابعة، وحين موعد الولادة قال الطبيب إنها صغيرة ولا يمكنها الوضوع طبيعياً لذلك يجب أن يكون وضوعها قيصرياً، وبالفعل جاء موعد الوضوع وأنجبت ولداً أطلقت عليه اسم (محمود) وهو يَعيش معها الآن بالدار ويبلغ من العُمر أشهر فيما تبلغ هي الآن 16 عاماً!! (1) القِصّة أعلاه حَقيقيّة، وتعكس وبوضوح تلك المَأساة التي تعيشها عشرات الفتيات المتشردات يومياً والهائمات على وجوههن في الشارع، وهي حكاية فتيات داخل عالمٍ مُخيفٍ تحكمه مجموعات لا تتأثر بنظرة مُجتمع ولا عادات وتقاليد، تعيش داخل عالمها بمُنتهى الحُرية، ويمارس أفرادها كل شيء في خاطرهم دون تردد، زواج بدون طقوس أو عقد قران، والأدهى من ذلك أنّ بعض أولئك الفتيات ينجبن أطفالاً نتيجة لتلك الزيجات غير الشرعية، بعضهن يتمسكن بالجنين وأخريات يتركنه حيث وضع ولا يكترثن للأمر لأنها ربما لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة..! (2) (ع. ن) شخصية مرحَة جداً وصاحبة ابتسامة دائمة من مدينة (...) قامت يتيمة أم وأب، عاشت مع أقاربها وبعد بلغ عمرها (13) عاماً خرجت منهم وتشرّدت في شوارع (...) إلى أن جاءت الخرطوم ووجدت مجموعة من المُتشردين انضمت لهم وأصبحت فرداً منهم، وكان بينهم شابٌ عرض عليها أن يتزوجا الزواج المُتعارف عليه بين المُتشردين - وهو ذلك الزواج الذي سنتعرّف على طبيعته لاحقاً في سياق هذا التحقيق - وبالفعل تزوّجا وعاشا كزوجيْن لأشهر عديدة قبيل أن يتم ضبطهما في حملة ويتم أخذها هي إلى دار المُتشرِّدات ليتم اكتشاف حملها الذي دخل في شهره الثالث، لتكمل فترة الحمل وتضع بنتاً أسمتها حياة، الشيء اللافت في هذه القصة أنّ الطَبّاخ الذي يعمل بالدار طلب الزواج منها وبالفعل تمّ الزواج لكنه لم يدم طويلاً، وكانت هي السبب لأنها لم تستطع البقاء بالدار بعد الوضوع وكانت تهرب منها للبحث عن والد ابنتها، فيما يذهب زوجها للبحث عنها للعودة بها للدار، ولكن عندما تكرّر الأمر أكثر من مرة قام بتطليقها وهي الآن تعيش مع طفلتها..! (3) في حوار سابق بهذه الصحيفة قال الممبي مُحمّد مُحمّد صالح - الخبير الوطني والأمين العام لمنظمة نبع الخيرية - إن الزواج عند المُتشردين عالم آخر بحاله، فلديهم طريقتان للزواج، الأولى خاصة بهم واسمها (اللقوية) بمعنى أنه يُقابلها ويتفق معها ويقدم ليها هدية ويتزوّجها بدون عقد أو مَأذون وكل المجموعة تكون مُدركة لهذا الأمر، بينما يصبح عيباً على الفتاة مُمارسة الجنس مع رجل آخر بخلاف ذلك الشّخص، أما (العريس) فهو مُلزمٌ بتوفير أشياء ضرورية لعروسته وفي مقدمتها (اليس) - وتعني بقايا الأطعمة - والسلسيون، أما حفل الزواج فيتم عبر (تقطيع الدلاقين) وإغراقها بالسلسيون وتوزيعها على أفراد المجموعة، فيما تمتلك المجموعة فنانين خاصين بها يجيدون (الدّق) وإشعال الحفل من خلال الأهازيج والأغنيات التي تردد بتلك المُناسبة السعيدة. (4) (س. أ) حالة تتعرّض لها الكثير من الفتيات اللائي يُعانين من خلل عقلي، (س) كانت تعيش داخل دار المتشردات وقبيل مدة ظهرت عليها علامات الحمل، فقامت إدارة الدار بأخذها للطبيب ووجدت بأنها حامل في شهرها الثاني، وعندما تمّ سؤالها عن الحمل قالت إنه صاحب الركشة - وهو صاحب علاقة جيدة بالدار - لتقوم إدارة الدار برفع خطاب للوزارة وتقريراً بحالتها، لكنّ صاحب الركشة أنكر، فيما أصرت هي على أقوالها، لذلك قامت الإدارة بعمل أورنيك 8 والانتظار بعد الوضوع حتى تتم الإجراءات الجنائية وعمل فحص ال (دي أن آى) لإثبات الأمر..! (5) الباحثة الاجتماعية حنان الجاك أرجعت الأمر للنزوح والحُروب والفقر، وقالت ل (كوكتيل) إنّ السودان أصبح قبلةً للكثيرين وأثّر ذلك على النسيج الاجتماعي السوداني، والسودانية سريعة التأثر والمواكبة وهذه المُشكلة، وأضافت أن تشرد الفتيات صار تجارة رائجة للكثيرين نتيجةً لترهل النسيج الاجتماعي السوداني وغياب الرقابة الأسرية وانشغال الكثير من الأمهات بالجانب الاقتصادي، ممّا أثّر على الجانب السلوكي لهؤلاء المُتشردات، وأصبحن مثل السلع تتحكم فيهم الكثير من العصابات، وتواصل أن الفتيات أحياناً يقعنّ في الفخ بدوافع أسرية لجلب المال والذي يعني لهن الاستقلال الكامل..! (6) عزيزة حامد عبد الله مديرة دار بشائر للفتيات قالت ل (كوكتيل): (كانت بشائر داراً لتحفيظ القرآن الكريم ومن ثم أصبحت داراً لاستقبال المُتشردين من الجنسين، وبعد فترة تم فصل البنين إلى دار الرشاد بسوبا)، وأضافت: (نوفر لهن الرعاية الأسرية والكساء والدواء، ونُقدِّم لهن برامج داخليّة وخارجيّة، وهناك مُشرفات بالدار يَقمن بالتدريس)، وعن طرق الاستلام، أضافت عزيزة بأنّ الاستلام يتم بواسطة شرطة أمن المُجتمع وحماية الأسرة والطفل، وواصلت: (نستقبل على حسب الحملات، فالبنين يتم أخذهم إلى مركز دار الرشاد للتصنيف، وطبعاً هنالك شروط لاستقبال الفتيات بالدار فنحن نقبل الفتيات من (7 - 18) سنة، شريطة ألا تكون مُختلة عقلياً أو ارتكبت أيّة جريمة، بالإضافة لعدم حملها لأيِّ أمراض معدية.