شهد الحقل الطبي خلال الأيام السابقة توتراً بسبب الإضراب الجزئي الذي نفذه أطباء في بعض المستشفيات ممثلاً في عدم استقبال الحالات الباردة، وجاء قرار الأطباء بالإضراب مستنداً على قضايا مطلبية ومستغلاً حالات الاعتداء على أطباء من قبل ذوي المرضى (المرافقون)، الأمر الذي دفع وزارة العدل للقيام بعدد من الإجراءت والتي شملت إصدار قانون جديد يتعلق بالمسؤولية الطبية بمبادرة من وزير العدل و يضمن القانون حماية إضافية للأطباء، بجانب إلغاء أورنيك (8) لضمان عدم المسؤولية الجنائية للأطباء. وحاولت ما تُسمَّى بلجنة أطباء السودان المركزية التدخل في الأمر واستغلال إضراب الأطباء في نشر عدد من المطالب مقابل رفع الإضراب الجزئي. لكن مطالب الأطباء لم تكن سياسية وانحصرت في تحسين بيئة العمل في المستشفيات الحكومية وتحسين شروط التدريب للكادر المتدرب التابع لوزارة الصحة وغيرها، وعلى الرغم من أن قانون وزارة الصحة الذي كفل للطبيب حقوق فإنه جعل عليه واجبات في مقدمتها عدم امتناعه عن تقديم الخدمة للمريض باعتبار أن الطب مهنة أخلاقية وإنسانية لا تقبل المزايدات. وأوضح مولانا صلاح الدين عبد الله المدعي العام أن قانون الصحة العامة لسنة 2008م أعطى متلقي الخدمة الطبية حقوقاً كما أنه شمل التزامات للجهة المقدمة للخدمة الطبية، وأنه وازن بين هذه الحقوق والواجبات. وحول مطالب لجنة الأطباء المركزية بحماية الأطباء أوضح المدعي العام أن القانون الجنائي تشريع عام يوفر الحماية لأي شخص مبيناً أن الأطباء شأنهم شأن الآخرين إذا تم الاعتداء عليهم فيمكنهم اللجوء إلى القضاء لينال المعتدي العقاب حسب الجرم المرتكب. وفي الوقت الذي أكد فيه الأطباء أن الإضراب نابع من حاجتهم لتوفير الاحتياجات الأساسية للمريض وأنه من أجل المصلحة العامة، قابل المواطنون ذلك بالاستنكار معتبرين إضراب الطبيب عمل غير أخلاقي مهما كانت الدوافع والأسباب، خاصة وأن مهنة الطب تعتبر إنسانية في المقام الأول، وطالبوا الأطباء بالاستمرار في العمل بما هو متوفر في المستشفيات، مستنكرين أن يضرب الأطباء جزئياً لجهة أن إهمال الحالات الباردة قد يجعلها طارئة إذا تم إهمال علاجها مع الإقرار بعدم توفير احتياجات المستشفيات بشكل كامل. الإضراب كان محدوداً إلا أن بعض الأحزاب المعارضة قد وجدت ضالتها في قضايا الأطباء وحاولت أن تخرج القضية من الحقل الصحي إلى الساحة السياسية خاصة وأن الإضراب جاء متزامناً مع قيام المؤتمر العام للحوار الوطني الذي احتوت مخرجاته ضمنياً على توصيات دعت لضرورة تحسين الوضع الصحي بالبلاد. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها بعض الجهات لتسييس قضية الأطباء، إلا أن عزيمة اتحاد الأطباء قد فاقت التوقعات؛ حيث شكل بروفيسور عبد اللطيف عشميق رئيس اتحاد الأطباء لجنة لتوحيد المبادرات الساعية لرفع الإضراب والتوصل لحلول مرضية تم بموجبها رفع الإضراب الجزئي، وقد قامت اللجنة بصياغة مذكرة شملت جميع المحاور لمعالجة قطاع الصحة في السودان، حسب المبادرات المقدمة ووضع تصور لضمان تنفيذ المحاور واستمراريتها، وكانت عدد من الجهات قد تقدمت بمبادرات لحل القضية شملت اتحاد المهن الطبية، والجمعية الطبية السودانية، وعدد من كبار الاستشاريين ولم يؤثر الإضراب الجزئي حيث أنه شمل مستشفيات محدودة بالعاصمة والولايات. العاملون في الحقل الطبي والصحي يرون أن الأطباء قد فطنوا إلى محاولة استغلال قضيتهم ومحاولة الزج بها في الصراعات السياسية من قبل بعض الكيانات. وقالت نقابة المهن الطبية أن الإضراب تم تنفيذه في نطاق محدود ولم يُحدِث أثراً على متلقى العلاج بالمرافق والمستشفيات الحكومية، خاصة في ظل استمرار العمل في جميع أقسام الطوارئ والحوداث بالمستشفيات في جميع أنحاء البلاد. وأوضح رئيس نقابة المهن الطبية ياسر أحمد إبراهيم أن غالبية الأطباء عند شعورهم باستغلال قضية الإضراب لصالح جهات سياسية انخرطوا في عملهم المعتاد بالمستشفيات في وقت أعرب فيه عن ثقتهم في التزامات الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية بإجراء معالجات شاملة للأوضاع الصحية بالبلاد خلال الفترة المقبلة بالتعاون مع النقابة واتحاد الأطباء كأجسام ممثلة للعاملين بالقطاع الطبي والصحي. يبدو أن الإضراب الجزئي للأطباء مثل فرصة سانحة لبعض القوى السياسية المعارضة التي تبنت فكرة الإضراب وحاولت توسعيها وعكسها عبر وسائل الإعلام بأنها قضية سياسية، لكن اهتمام رئاسة الجمهورية والتعاطي الإيجابي من قبل وزارة الصحة الاتحادية حال دون ذلك.