الجزيرة عاشت أسوأ لياليها بعد أن أخذ لها القدر موعداً متجدداً مع الأحزان والأسى، في حادثين منفصلين على الطريق بين الخرطوم مدني: الأول كان بالقرب من منطقة الحصاحيصا بتصادم حافلة كانت تحمل معها الأفراح ببداية مراسم زواج أحد أبناء منطقة الجبيلية بالحصاحيصا، ولكن القدر حوَّل الفرح إلى مأتم بعد تصادم الحفلة بعربة لوري راح ضحيته (8) أشخاص. ولم تختلف فاجعة الجبيلية كثيراً عن حادث فداسي الحليماب المأساوي الذي راح ضحيته (41) شخصاً إثر انفجار ناقلة وقود أجنبية محملة بالبنزين في طريقها إلى دولة أجنبية مجاورة، لتُنصب سرادق العزاء بمنطقة فداسي، ويتواصل مسلسل حصد الأرواح على الطريق القومي بين الخرطوم ومدني (شارع الموت) باستنزاف أهم مورد للبلاد وهو المورد البشري. الفاجعة كبيرة حادث فداسي الحليماب مروع وفاجع وكارثي بكل العبارات، مشاهد تفحّم الجثث وغياب معالم 20 جثة من جملة 41 جثة. في مشرحة مستشفى ودمدني العديد من الجثث المتفحمة، والبعض في صورة مخيفة جداً لا تستطيع تحمل النظر إليه. الهلع لحظة الحادث كان أكبر في نفوس الأهالي الواقفين قرب النيران، كلٌّ يبحث عن ذويه، والبعض منهم اطمأن على أبنائه والبعض وجد فلذات أكباده التهمهم الحريق بالكامل. الجميع إلى مدني ملامح الوجوه اختفت حتى صعب التعرف عليهم، أشخاص لم يجدوا أبناءهم بين المحروقين وباتوا مفقودين.. الجميع تحرك نحو حوادث مدني، يحملون المحروقين آملين إيصالهم وعدم فقدانهم فالحروق كانت قاسية لأبعد الحدود. الحوادث امتلأت رغم أن البعض أدخل شرق النيل، والأطفال إلى حوادث الأطفال. القدر يكرر كلمته مرة أخرى بموت اثنين، ليسيطر الخوف على الجميع بعد أن أضحوا يفقدون واحداً تلو الآخر.. الجميع موجود داخل المستشفى ينتظرون أخباراً تطمئنهم على حال أولادهم، فالبعض حالته حرجة، بعد أن أحرقت النيران أجسامهم بالكامل والقليل منهم من تعرَّض لحروق طفيفة. صبيحة الحادث في المستشفى جولة (السوداني) صبيحة الحادث داخل مستشفى مدني للحوداث، كشفت عن نقل المصابين من الحوادث نسبة للعدد الكبير إلى موقع آخر داخل المستشفى في صالتين داخليتين. هناك قرب الصالتين أصوات البكاء والعويل تدل على الموقع، الجميع يقفون في ساحة كبيرة وبها أشجار قبالة الصالتين يصطدم بك البعض وهم على عجل يحملون أكياساً بها دربات يتحركون بسرعة، يتجهون نحو المصابين، كلما اقتربت منهم تسمع أنين البعض، وتنظر إلى النساء يقفن وأصوات النحيب والبكاء عالية؛ كل منهن تحتضن الأخرى يعزين بعضهن على فقدهن الجلل.. الرجال صامدون نوع ما يتلقون التعازي وسط الجميع بالمستشفى لأن البعض لديهم أكثر من شخص في الحادث. الأب الصابر أحد الآباء فقد ابنه أمس الأول ودفنه، وحضر إلى المستشفى باحثاً عن جثمان ابنه الآخر الذي اُعتبر مفقوداً بسبب تفحم الجثث، وأخيراً وجده بالمشرحة، ليقول: (ربنا أداني ليهم وربنا أخدهم.. ويخلي لي الباقين، ولا اعتراض على حكمك يا رب). التعرف على الجثث المستشفى سعى لأخذ عينات من دم الأسر التي فقدت أبناءها وتبحث عنهم وسط المصابين، لكي يتمكنوا من معرفتهم، في وقت كان فيه أبناء فداسي داخل الصالتين يقفون على الحالات ويقومون بدور الممرضين، وذلك لأن عدد المصابين كبير والكادر الطبي قليل. مكان لا يليق الصالة التي وضع فيها المصابون لا علاقة لها بصالة إسعافية، سقفها من الزنك ليست بها مراوح للتهوية، العساكر يقفون على الأبواب يمنعون أي شخص من الدخول، ولكن الأهل لا يحفلون بهم بل، يقفون دون حراك ينظرون لأبنائهم من بعيد، البعض يرى أن حالات أولادهم متأخرة ولا بد من أخذهم إلى مستشفيات العاصمة ليتلقوا إسعافات أفضل، لكن الأطباء منعوهم بمبرر أن الأجسام لن تحتمل وأن عليهم البقاء هنا وتحركهم يمثل خطورة عليهم، لينتقل اثنان آخران إلى الرفيق الأعلى. الأحياء المصابون عمل المسعفون على فتح فتحات بأجسامهم لكي ينقل لهم الدم لأن تضرر جلودهم كبير جداً، المصابون بدورهم يصرخون من الألم من شدة الحروق، المخاوف تتزايد من حدوث انتكاسات تقود إلى الوفاة، أحد المصابين تحدث قائلاً "لم أكن بالقرب من المكان النار وصلتني في مكاني". الأم المتيقنة فيما نقل الحاضرون عن والدة مصاب كانت معه بالحوادث حديثاً بين الأم وابنها وأنه قال لها (أسمع كلامك ولكن لا أستطيع رؤيتك)، لتطلب منه ترديد (يا نار كوني برداً وسلاماً علي)، وقامت بتلقينه الشهادة ليتوفى بعدها الابن.. المرأة أخذت تسأل الله أن يجمعها بابنها الثاني. المعتمد يتحدث قال معتمد محلية مدني الكبرى عبد الله أحمد قسم السيد إن انفجار التنكر كان بعد مسافة من لحظة الانفجار الكبرى، ما أدى إلى تدافع وتجمهر المواطنين وأصحاب الركشات، بعضهم تجمع لمعرفة الحدث، والبعض الآخر لأخذ بنزين من المقطورة وحدث الانفجار، مبيناً أن البنزين شرارة وبالشرارة يحدث انفجار، وفعلاً بشرارة لم يتم التعرف على مصدرها حدث دوي الانفجار واشتعال ألسنة اللهب وإصابة عدد كبير من المواطنين بالجروح منهم 15 طفلاً أعمارهم دون العاشرة كانوا بعدين عن موقع الحدث، ولكن ألسنة اللهب وصلتهم في مكانهم البعيد وتم نقلهم إلى مستشفى جراحة الأطفال وتوفى منهم طفلان أمس وثلاثة أطفال حالتهم مستقرة قد يخرجون من المستشفى اليوم، و10 أطفال قد تمتد فترتهم العلاجية إلى7 أيام بحسب حديث الطبيب المعالج لحالتهم. وأشار المعتمد إلى تنسيق تم ما بين وزارة الصحة ووزارة المالية بالولاية والمحلية مؤكداً توفير الأدوية والأغذية للأطفال، ولفت إلى تكوين غرفة منذ أمس الأول للتنسيق مع الدواء الدوار، وتم توفير كل الأدوية حتى الأدوية غير المتوفرة لدى الدواء الدوار تم شراؤها من الشركات الخاصة، مؤكداً تجاوز مرحلة الخطر لعدد كبير من المصابين، وتم نقلهم إلى العنابر لمواصلة العلاج. وأضاف "هناك عدد كبير من الجثامين بالمشرحة متفحمة تماماً"، إلا أنه أشار إلى عدم تحصلهم على الإحصائية الكلية للموتى والجرحى. المشرحة رصدت (السوداني) أمس تجمهر عدد كبير من مواطني المنطقة بمشرحة مستشفى ودمدني بعضهم لديهم مفقودون لم يتم التعرف عليهم بالمشرحة بسبب التفحم التام للجثث، وظلوا في حالة انتظار وترقب لوصول وفد المباحث المركزية من الخرطوم لعمل فحص للجينات (DNA) ومن ثم تسليم الجثامين إلى ذويها. مصدر بالمشرحة قال ل (السوداني) عدد القتلى في اليوم الأول نتيجة لانفجار التانكر كان 34 حالة وفاة بالمشرحة بينهم أطفال ونساء وشباب، مبيناً أن وصول 26 حالة وفاة في الحال إلى المشرحة ومن ثم وصول 8 حالات وفاة لاحقاً متأثرة بإصاباتها نتيجة الحريق بمستشفى حوادث مدني ومستشفى جراحة الأطفال. بينما قالت مصادر طبية إن 7 أشخاص توفوا بالأمس، ليصبح الرقم الكلي 41. في الانتظار وظلت (السوداني) في حالة ترقب وانتظار للحصول على المعلومة الكاملة لعدد المصابين والمفقودين من المصادر الرسمية إلا أن الجهات لم تعلن عنها.