كثيرا ما كان يردد أستاذنا الهرم الصحفي محجوب عروة على مسامعنا مقولة الشاعر والأديب الراحل "التجاني يوسف بشير" حول "الصحافة"، والتي يقول فيها: (الصحافة يا بنت السماء ونزيلة الأرض... ويا سر التقدم الإنساني... ويا موقظة الأمم من سبات الغفلة والجمود).. الكلمة هي امانة ومسؤولية... فكلمة واحدة إذا ما خرجت تشعل النعرات القبلية... وكلمة واحدة إذا ما خرجت تسيل انهار من الدماء... وكلمة واحدة إذا ما خرجت تنير العقول تشرح القلوب والصدور... فالمولى عز وجل تنزل على رسله وانبيائه بالكلمة... وجبريل عليه السلام انزل "القرآن الكريم" معجزة الإسلام من السماوات العلى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالكلمة... لكن للأسف الشديد اصبحت "الكلمة" تلقى هذه الأيام من البعض، وتسود في بعض الصحف الرياضية بتهور، تكرس للكراهية والبغضاء، وتشحن الجماهير ضد بعضها البعض... وانتقلت هذه العدوى لبعض الصحف السياسية... ونسوا وتناسوا أن الرياضة تقوم على التنافس الشريف... الأقلام تجاوزت المستطيل الأخضر، وصارت تسب وتشتم وتلعن اللاعبين والاداريين، في شخصهم، وأسرهم... وتعتقد تلك الأقلام أن هذا المنهج كفيل بتلميع اسمائهم واكسابهم الرقي والشهرة... الرياضة في الاساس تعضد من الروابط الانسانية والاجتماعية، ونسيجنا السوداني ضاربة جذوره في هذه القيم التي ترتوي بالحب والإخاء... اعطيكم نموذجاً لمحاولة ضرب معاني الود النقي، في مقتل، عبر الصحافة... طه علي البشير (علم على رأسه نار)، رجل لا يحتاج لكثير تعريف، ترك بصمته الواضحة في الأوساط الرياضية والاجتماعية والسياسية... كتب تهنئة بمقدم (محمد) نجل رئيس نادي المريخ جمال الوالي، بحكم علاقات أسرية مع أسرة آل الوالي الكبيرة، والاسرتان تضمهما أرض جزيرة الخير... كاتبة المقال اعابت على طه التهنئة وادرجتها ضمن الانبراشة والمواقف المهزوزة المخجلة، التي تقلل من تاريخ نادي الهلال، لانه مدح ابن رئيس نادي المريخ، وعرجت على آل الوالي للنيل منهم، وهم الذين عرفوا بمكارم الاخلاق والتدين والعلم والسمعة الطيبة... ما ذنب هاتين الاسرتين الكريمتين للاساءة لهما؟... هل اختلاف الانتماء لفريق يعني وأد الإخاء والمودة بين الناس؟... هل مهمتنا في الصحافة اغتيال شرفاء الناس والتهكم عليهم؟... بالله عليكم ماذا يمكن أن نسمي مثل هذه الافعال؟... نموذج آخر اورده لكم... ما حدث يوم الخميس الماضي في مباراة الهلال والمريخ على منافسة الدوري الممتاز، يعتبر كارثة بكل المقاييس، ولولا لطف الله وعنايته لتكررت مذبحة بورسعيد التي حدث بمصر في استاد المريخ... الخطر الكبير هذه المرة أن التخريب تم بطريقة مخططة وممنهجة... والمحرض الرئيس فيها بعض الصحف والكتابات الرياضية، التي عملت على شحن الجمهور وإثارته، فامتلأت المنتديات الالكترونية الرياضية بعشرات الدعوات التي تنادي بالتخريب: تحت شعار... (كل مشجع يخرج بكرسي من الاستاد)... (ما تكونوا رجال لو ما رجعتوا كراسيكم)... (كل من لم يخرج بكرسي ليس منا)... (يلا يا رجالة كرسي يفوت ولا حد يموت) الخ... فحدث ما حدث، واشتبك جمهور الازرق والاحمر مع بعضهما، واطلقت الشرطة البمبان لتفريق الاشتباكات... واصيب البعض وجرح وسالت دماؤهم دون ذنب... كل المؤشرات والدلائل، كانت تشير إلى أن الاجواء مشحونة ومتوترة، وأن ثمة كارثة ستحدث... إلا أن الاحتياطات الشرطية والامنية للمباراة كانت تدعو للحيرة... فالتواجد الشرطي كان حول المستطيل بكثافة، ولكنه (شبه انعدم) وسط الجمهور، الذي مارس التخريب منذ منتصف الشوط الأول وحتى بعد نهاية المباراة، دون اي تدخل واضح او احتواء للتداعيات من قبل الشرطة، بل أن بعض العساكر كان يحتفل بهدفي المباراة كمشجعين... من هنا نوجه رسالة إلى المدير العام لقوات الشرطة سعادة الفريق أول هاشم عثمان الحسين.. "نعرف انك رجل ضبط وربط، حازم لا تأخذك في الله لومة لائم، يجب مراجعة شرطة ولاية الخرطوم في الترتيبات الامنية المتبعة في المباريات، لان بها الكثير من الثغرات، وحتى لا يحدث، وتستغل في المستقبل لمحاولات تخريبية اكبر من قبل اعداء والمتربصين"... رسالة اخرى نوجهها إلى مجلس الصحافة.. "يجب حسم كل الكتابات المتفلتة، وردعها بالقانون، حتى لا تصبح الصحافة مدعاة لتأجيج نيران الفتنة بين الناس"... إلى معشر الزملاء والزميلات الصحفيين والكتاب اذكركم بقول الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)، صدق الله العظيم. غفر الله لنا ولكم.