يتحسر الكثيرون على المجتمع السوداني بعد التحولات الكبيرة والمتسارعة التي يشهدها وتراجع بعض القيم والأعراف الحميدة وظهور جرائم واحداث غريبة بين الحين والآخر ويعتبرون ذلك نهاية للمجتمع الذي صوره الشاعر الكبير إسماعيل حسن في رائعته (بلادي انا) وصحيح أن مجتمعنا تغير كثيراً بفعل جملة من المؤثرات أبرزها الظروف الإقتصادية والأمنية والغزو الثقافي الذي يشكل أيضاً وسيطاً لنقل عدوى أمراض مجتمعية خطيرة لكن الاصل هو أن هذا المجتمع مازال يتمسك بكل تلك القيم والخصال الجميلة المحشودة في (بلادي أنا) والصورة الشائهة التي ترسمها الاحداث والجرائم الغريبة هي الاستثناء والادلة كثيرة منها قصة سلوى، وسلوى أم لأربعة أطفال قُصَّر والدهم غائب منذ أكثر من عام ونصف كافحت سلوى طوال تلك الفترة لتأمين الاحتياجات اليومية لأطفالها وإيجار المنزل الذي يسكنونه لكنها مع إرتفاع الاسعار عجزت ووقفت هي وأبناؤها على بعد (24) ساعة فقط من التشرد في ملابسات روينا تفاصيلها في وقت سابق. في النهاية ناشدت سلوى أهل الخير عبر (السوداني) فوجد نداءها إستجابة كبيرة وتلقى هاتف الصحيفة عشرات المكالمات والرسائل المحملة بالدعم المادي والمعنوي من داخل البلاد وخارجها وإنهمرت المساعدات على الأسرة التي إبتعدت عن خطر التشريد بعد تسليم صاحب العقار متأخرات الإيجار وأمنت من الجوع بتوفير مشروع إنتاج صغير للأم. (هبّة الخير) هذه ليست الأولى فقد كانت (معكم) الصفحة المعنية بالحالات الإنسانية وسيطاً بين المساكين والمحسنين وحلت الكثير الكثير من الإشكالات وآخرها قصة (سلوى وأطفالها) التي حوت الكثير من التفاصيل منها تنوع قائمة المحسنين من مغتربين إلى أثرياء وجمهور غفير من عامة الناس قدم كل منهم ما إستطاع ومن هؤلاء عامل اليومية الذي هاتف مستفسراً عن الطريقة التي يمكن أن يوصل بها مساهمته فطلبنا منه الحضور إلى مقر الصحيفة فإعتذر وقال أنه لن يُسمح له بمغادرة موقع العمل في النهاية إتفقنا على أن يرسلها (رصيد) وأضاف (أنا خاتي مية جنيه في البيت ولمان أرجع بعدين برسل ليك رصيد وبضرب ليك تاني) وبالفعل في حوالي الثامنة مساءا عاود الاتصال وقال أنه أرسل مساهمته في رسالة من الرقم (000) وعندما قرأت الرسالة تفاجأت بأنه أرسل كل مدخراته مئة جنيه (صُرَّة في خيط) في تجسيد رائع لفضيلة الإيثار ومجتمع مازال به أمثال هؤلاء مازال بخير ولا خوف عليه مهما أحاطت به المهددات. .