اِعتدنا في السودان القديم على أصوات سَارينات موكب الرئيس أو أحد المسؤولين لافتتاح مَشروعٍ ما أو صَرحٍ، وأحياناً إعادة ترميم أو تَوسعة فقط، حيث كانت تأتي السّيّارات الفارهة تباعاً تتقدّمها سَيّارة لشرطة المرور وعدد من المواتر ليجد الموكب في انتظاره عدداً من جموع المُواطنين المُنتمين في الغالب لذات الواجهة السِّياسيَّة باختلاف أماكن عَملهم الرَّسمية والحُرّة، فَضْلاً عن السَّادة جُمُوع المُؤسّسة أو الهيئة مَوضع الحدث. لا شكّ أنّ هذه المَراسيم والبروتوكولات (المعتوهة) كانت تُثير حفيظة الكثيرين نسبةً لتوقُّف العمل في عددٍ من المُؤسّسات خلال ساعات العمل الرسمية، وأيضاً للصرف البذخي الذي يُصاحب الاِفتتاح من احتفالٍ وضيافةٍ تَتَنَافَس إدارات العِلاقات العامّة في فخامتها وتَئِنُ إدارات الحسابات والمَاليّة من ألم ثقلها لتثكلها ميزانية الدولة وتشق لها جُيُوب المُواطن الكادح. كل هذا وأكثر كان كابوساً مُزعِجاً واقع الحُدُوث، ومُتكرِّراً في سُودان مَا قبل ثورة ديسمبر المجيدة وذهب مع المُفسدين المرائين، ليحل مَحَلّه حُلم الدولة المَدنية ذات الطابع الأوروبي، فَقد ضَجّت الأسافير بتداوُل صور المسؤولين في بلدان العم سام يستقلون المُواصلات العَامّة غير آبهٍ بهم الشعب وحالهم كَحَالِ أيِّ مُواطنٍ بالدولة، الأمر الذي يُبرِّر غَضب الشعب السُّوداني من إعطاء سيّارات "إنفينتي" لأعضاءٍ بمجلس السِّيادة ليُوضِّح مُحمّد الفكي سليمان في بيانٍ له أنّ هذه السّيّارات تتبع لرئاسة الجمهورية وتمّ شراؤها في عهد النظام المُباد، وكذلك كان الاِمتعاط مِن تَعليق لافتة تُرحِّب بوزير الطاقة والتعدين ليزول الاِمتعاط بعد تَوجيهاتِه بخصم تََكلفتها مِن رَاتب من أمر بها. ويُمكن الحد من ظواهر المَراسيم (المَعتوهة) بوضع قَوانين للحَد من أكثرها ووضع سَقفٍ مُحَدّدٍ لضَرورة بعضها، فالثورة لم تقم إلاّ على تلك المُمَارسات اللعِينة، والجيِّد في الأمر أنّ الشّارع شَاخِصٌ بأبصاره، يترصّد السلوكيات التي تُخالف أهداف الثورة ليضغط المسؤولين من أجل تصحيحها، و(دي المدنية الدايرنها)..!