انتفضت الأسافير وقامت الدنيا ولم تقعد للدفاع عن نجم الثورة المحبوب، والذي أثبتت المَواقف بما لا يدع مجالاً للشك أنّه صاحب شعبيةٍ جارفةٍ وحضور طاغِ، فالقيادي بالمؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق عندما انتقد عبر هذه الصحيفة قبل أيام فكرة ترشيح التجمع الاتحادي للدكتور محمد ناجي الأصم للانتخابات المقبلة، وقال إنه لا مستقبل سياسي للرجل لا قريب ولا بعيد، وليس له من الكسب السِّياسي ما يُؤهِّله لقيادة المُستقبل، بل ذهب أبعد من ذلك دون أن يدري ويحتسب مختزلاً الأصم في أنه صورة جميلة أحبّها الناس، لأنّه راق لهم كمنظر وشكل وليس فكرة أو فهماً ولا حتى رؤية للمستقبل. المتابع لردود فعل حديث الشعبي عن الأصم يعرف أن "عبد الرازق"، نَالَ من "الهُجُوم" ما لم ينله رفاقه من "كيزان" العهد البائد منذ سُقُوط النظام إلى اليوم، فانبرى الناس للدفاع عن نجم الثورة الأبرز بصُورةٍ مُلفتةٍ شكلت استفتاءً حقيقياً لشعبية الرجل الذي يُفترض أن يكون وعى الدرس ويُواصل في مسيرته بثقةٍ وخُطىً ثابتةٍ لمُستقبل واعدٍ بإذن الله. البعض يعتبر أنّ هذا مكسب كبير للحزب الذي ينتمي إليه الأصم منذ وقتٍ طويلٍ – التجمع الاتحادي -، خَاصّةً أنّه لم يكن معروفاً ولم يُسمع به إلا مُؤخّراً، إن كان ذلك مقصوداً أو فرضته مُستجدات الواقع، فاستغلال تلك الفرصة من الحزب هو من الذكاء بمكان، خَاصّةً أنّ عُمُوم الأحزاب السِّياسيَّة في الأنظمة الديمقراطية نجدها تبحث عن مُرشحين من خارجها وليس داخلها، ونجد تحركات وتنقلات بين شخصيات من حزب لآخر، أو من قائمة لأخرى، وهو ما يؤكد أن قوة المرشح هي الأهم، وأن الأحزاب ليست إلا وكلاء في الحياة العامة يلجأ إليها المرشحون، تماماً مثل شركات الإنتاج في المجال السينمائي التي قد تصنع نجماً، لكنها في أغلب الأحيان تعتمد على نجوم موجودين بالفعل في الساحة. إذا افترضنا ترشيح حزب التجمع الاتحادي د. محمد ناجي الأصم للانتخابات المُقبلة، فسيكسب لا محالة فقد رسخ في أذهان الناس بأنّه الشاب المُناضل الذي ابتدر مع آخرين شرارة الثورة الأولى وذاق مرارات التضييق والاعتقال، وليست صورته وهو محمول على أعناق الثوار إبان سقوط النظام ببعيدةٍ عن الأذهان، فقد دخل السجن مؤمناً بقضيته رافعاً رأسه وخرج منه منتصراً ومحمولاً على أكتاف من أكملوا المسير بعده وحققوا الأهداف. القبول الكبير والاتفاق شبه الكامل الذي يتمتع بها الأصم في الأوساط الاجتماعية والسياسية، ليس سببه "الوسامة" كما ألمح القيادي بالحزب الشعبي، فالسودانيون لا تخدعهم المظاهر، فالرجل يتمتّع بقُدرات ومهارات شخصية كثيراً ما تكون سبباً في خلق مساحة من الرضاء بينه والناس، أهمها مهارات الخطابة والإقناع ودرجة من الثقافة العامة واطلاع وفير على الأوضاع المحلية، والقرب من قاع المُجتمعات والبُعد عن التمييز لكسب كل المُكوِّنات.