دعونا نبدأ الحديث عن هذا الطلب، طلب تقسيم السلطة والثروة والنظر الى طبيعته هذه، هل هو أصل أم حالة استثنائية دعت إليها ظروف بعد أن تعذر الأصل سواء كان ذلك في مجتمع من المجتمعات أو دولة من الدول أو حتى ولو على مستوى المجتمع الصغير لدرجة الأسرة الواحدة؟ دعونا أيضا نبدأ بالسؤال عما إذا كان هذا الطلب طلب القسمة وفض الشراكة إذا كان ممكنا ان يتم في ظل حالة طبيعية بين الشركاء الذين يجمعهم دم واحد أو وطن واحد ؟ أم هو أمر لا يفهم تصور حدوثه إلا بين شركاء لم يجمعهم شيء على تلك الشراكة غير المصلحة المشتركة ومتى ما تعذر الاستمرار في ذلك فض أولئك الشركاء شراكتهم التي ربما تحسبوا لها منذ البداية بتضمين طرق كيفية فضها على أسس قانونية متفق عليها داخل ما أبرم بينهم من عقد أنشئت به تلك الشراكة ولا غرابة بعدها في أن يستغل كل من أولئك الشركاء في عمل خاص به بل هي عودة الى الأصل وهي الحالة الطبيعية التي يشتغل فيها كل منهم في عمله الخاص لأن الشراكة مع آخرين معلوم انها مجرد أمر مؤقت مهما طالت فترته. هذا بخلاف من كانت شراكتهم بسبب آصرة دم كالإخوة الأشقاء في أسرة واحدة او أخوة في الوطن يجمعهم وطن واحد فهؤلاء لا يتصور ولا يفهم طلبهم للقسمة او فض لشراكة إلا في حال ظروف استثنائية غالبا ما يتعذر فيها الاستمرار بسبب الشعور بضيم أو ظلم ممن هو قائم على أمر تلك الشراكة مما يجعل البعض لأفراد هذه المجموعة التفكير في فض تلك الشراكة وطلب القسمة حتى يطمئن على وصول حقه اليه بالكامل وبالطبع هو أمر غالبا ما يتكلم عنه الآخرون كلاما سالبا بل بأسف شديد مثل ما حدث في كثير من حالات لانفصال أجزاء من دولة كانت موحدة او اسرة كانت متضامنة فشتتها الانقسام والتفرق بسبب الظلم والضيم الذي شعر به بعض مكوناتها مما يؤكد على أن طلب تقسيم السلطة والثروة لا يكتسب شرعيته من كونه أصلا وإنما لظرف استثنائي بسبب حدوث خلاف فضل فيه البديل عن الأصل فلا يتصور طلب لتقسيم او فض شراكة إلا بعد خلاف ومشاكسة. ولكن يلاحظ الآن أننا نقفز فوق كل هذا لنتحدث عن قضية تقسيم السلطة والثروة وكأن ذلك هو الأصل الذي لا طريق غيره في تحقيق العدل بين الناس وليس هو بديلا للأصل الذي تعذر بأسباب معروفة وهي ما وقع من ظلم على اولئك تمثل في تفويت كثير من حقوقهم في الثروة والسلطة. إن تحقيق القول المتفق عليه (المواطنة اساس الحقوق) لا يتحقق بتقسيم السلطة والثروة على النحو الذي ينادي به أو يسلكه البعض الآن وإنما يتم ويتحقق بإرساء العدل والقانون ووضع من هو مناسب على أمانات الناس ممن حكم البلاد (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وليس بتثبيت الخطأ وما أعني من تثبيت للخطأ هو اللجوء الى تقسيم للسلطة والثروة بناء على ثبوت فشل من هم كانوا على السلطة في إعطاء الحقوق لأهلها والاهتمام فقط بالمركز او الاهتمام بأقاليم معينة دون غيرها لأي سبب من الأسباب فلجأنا الى طريقة التقسيم تلك. الفشل لا يستسلم له باللجوء الى طرق بديلة استثنائية أملتها الضرورة مع إمكانية علاجه مهما طال زمن العلاج فهو أفضل من تطبيع تلك الفضائح والأخطاء وتجاوز علاجها بتقسيم السلطة والثروة والتنازع فيها ربما لدرجة الاقتتال والحروب. وإذا ما فهم تقسيم الثروة عمليا فلا ادري كيف يفهم تقسيم السلطة في ظل نظام يعتمد الطريق الديمقراطي الانتخابي لاختيار السلطة بكاملها عن طريق الاقتراع والانتخاب والناس كلهم للسودان لا أحد منهم يحمل سوى الجنسية السودانية. كما أني أسال ما المانع في أن تجد الغالبية لأفراد من قبيلة ما من قبائل السودان في مرفق ما من مرافق الدولة كان وجودهم هذا اتفاقا دون قصد وإنما فقط بسبب المؤهل والكفاءة الذي كانت شرطا في الوجود على هذه المؤسسة. أفهم تماما دواعي حمل السلاح بسبب ظلم طال كثيرا من الأقاليم السودانية في مسألة الثروة وتوزيعها توزيعا غير عادل وإعطاء كل ذي حق حقه، فالسودان كالجسد الواحد إذا شعر بألم في اي مكان تداعت له سائر الأقاليم بالسهر والحمى، فذلك الحمل للسلاح مفهومة عندى أسبابه ودواعيه ولكن لا أفهم ابدا تلك المناداة _ تقسيم الثروة والسلطة _ طريقا لأخذ الحقوق والتي تعمق كثيرا مما يحول بينا وبين وحدتنا الوطنية التي هي أساس القوة لهذا الوطن هذا في حين أن غيرها من طرق هو أفضل وأسلم وإن كان غير متوفر الآن نحن لسنا مطالبين بإعادة الحقوق كيفما اتفق بقدر ما نحن مطالبون بإرساء لقيم وأخلاق تعلي من شأن الإنسانية وتكريم الآدمية كما تفعل كثير من المجتمعات والشعوب من حولنا وبالتالي نحقق ما نصبو إليه. واذا تذرع البعض واحتج بضرورة اتباع ذلك ولا مناص، فلنعلم جميعا انه من الخطأ الفادح بل جريمة كبرى في حق هذا الوطن الركون الى ذلك وعدم الاعتقاد بضرورة العمل جاهدين لرجوع الحال الى نصابه بعيدا عن هذه الروح التي ستقضي يوما ما على كل ما من شأنه أن يوحد شعب هذه البلاد ويقويه السودان في حاجة لقادة رأي وسياسة ينامون ويصحون على عقيدة وفهم أن لا فرق بين اية مدينة في الشمال او في غرب البلاد او شرقه او جنوبه او وسطه فالبال دائما حسب الحاجة والضرورة وليس حسب القبيلة والأهل والناس شركاء في(الكلأ والماء والنار) مثل ما وصى رسولنا الكريم في الحديث الصحيح .