بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    «الأولاد يسقطون في فخ العميد».. مصر تهزم جنوب أفريقيا    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر الشهيرة "ماما كوكي" تكشف عن اسم صديقتها "الجاسوسة" التي قامت بنقل أخبار منزلها لعدوها اللدود وتفتح النار عليها: (قبضوك في حضن رجل داخل الترام)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشتركات بين هنري لويس قيتس، عباس محمود العقاد والصحابي الجليل بلال بن رباح!
نشر في السوداني يوم 27 - 04 - 2020

هذه الرمضانية تحمل أسماءً ثلاثة ، الرابط بينها حديث يدور حول العنصرية والعنصرية تحديداً التي ظلت مصوبة نحو الإنسان الأسود .ابتدر الحديث علي المزروعي في مسلسله الهادف : (الأفارقة، التراث الثلاثي) بملاحظة ذكية مؤداها أن الأفارقة لم يفكروا في الخروج من قارتهم إلي غيرها ربما لأنها (جنة عدن) أو على شاكلتها على الأقل، ففيها كل ما يشتهون. وأورد معاكس العبارة الشائعة في الناس (الحاجة أم الاختراع) وهي أن ( الوفرة أم اللا فعل أو الخمول إن شئت). ولذات السبب ظلت القارة هي التي تستقبل
الغزاة من قديم ولا تزال بينهم لوردات الاسترقاق الذين اختطفوا الملايين إلى العالم الجديد.
أول الأسماء هو الأستاذ الجامعي بجامعة هارفارد هنري لويس قيتس الصغير وهو أمريكي ينحدر من
أصول إفريقية أصدر كتابا العام الفائت 2019 بعنوان : (الطريق الشائك بالحجارة: إعادة البناء، الاستعلاء
العرقي الأبيض وصعود قوانين جيم كرو). ونورد اسم الكتاب في لغته الأصلية التماساً للدقة ورفعا
للالتباس وتمكيناً لترجمة أدق وأوفي مما اقترحنا ولمن يلتمسه من مظانه: Stony The Road:
Reconstruction, White Supremacy, And The Rise OF Jim Crow ولعل البعض يذكر واقعة
عنصرية حدثت للرجل حيث عاد من سفر إلى بيته ولم يجد مفتاح الباب فعالج الباب للدخول فارتابت سيدة بيضاء وظنته سارقاً ( لسواد بشرته) فأبلغت الشرطة التي اعتقلته وأحدثت الحادثة ضجة تدخل فيها الرئيس أوباما بدعوة البروفيسور والشرطي الذي أهانه للتصافي في البيت الأبيض!
والكتاب عمل ورقي مصاحب لسلسلة وثائقية بثتها القناة الأمريكية العمومية تجدونها في يوتيوب.
وللمؤلف حلقات جد مفيدة عن حضارة النوبة بل ويعتقد أن أسلافه ربما انحدروا من هناك .
ونبدأ الشرح بالإشارة إلى تسمية الكتاب، وواضح فيها التعبير البلاغي، مأخوذة من أهزوجة مغناة كانت تتحدث في مطالع القرن الماضي عن معاناة السود وتصميمهم مع ذلك على مواصلة النضال والتفاؤل بتحقيق حريتهم، اعتمدتها من قِبلهم (المنظمة الوطنية لرفعة الملونين) لا حقاً، لتصبح بمثابة النشيد الوطني للأفارقة الأمريكيين. إعادة البناء في العنوان ترمز لخطة أبراهام لنكولن التي طبقت استناداً إلى
صدور إعلان تحريم الرق في عام 1863 وإدماج الأرقاء كمواطنين متساوي الحقوق مع البيض . وهي
فترة ذهبية في تأريخ العلاقات العرقية بين البيض والسود سمح فيها للسود بالترشح والانتخاب لأول مرة وتمكنوا من الحصول على ألفي وظيفة بالانتخاب تدرجت من وظيفة الشريف إلى عضوية مجلس الشيوخ .
لكنها كانت فترة قصيرة جداً امتدت لنحو اثنتي عشرة عاما فقط لا غير (1865-1877). قتل خلالها أبراهام لنكولن. وكرت مسبحة الردة بعد ذلك. والمراد بالاستعلاء العرقي الأبيض انبعاث الشوفونية البيضاء للبيض ودعواهم أنهم أرفع من غيرهم قدراً في سلم الإنسانية ولا تجوز مساواتهم بغيرهم من الملونين. أما قوانين جيم كرو فهي الأداة التي حققت ذلك الاستعلاء قولاً وفعلاً عبر القوانين التي أقامت نظام الفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة بقيام مؤسسات الحكم البيضاء في الولايات الجنوبية بتصحيح أو بالإنابة والتوبة عن ما رأوه خطيئة وهو تحرير الأرقاء وإعادة البناء ، باسترجاع ما فقدوه من مزية التسخير المجاني للعمالة السوداء في مزارع القطن وذلك بالالتفاف على تعديلات الدستور
الأمريكي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر التي أدت لمساواة السود في الحقوق . لقد نتج عن ذلك الالتفاف حرمان السود من كل ما تحقق . وتمكنت الإدارات الولائية عبر المحاكم من اصدار قوانين (جيم كرو);( اسم لأغنية هزلية كانت تسخر من السود في ولاية كنتاكي)، تلك القوانين الجائرة والتي فتحت الباب لنشوء عصابات (الكوكلاس كلان) والتي كانت تروع السود بحرق بيوتهم وشنقهم على جذوع
الشجر وحرمانهم من حق التصويت إن أصروا على مقاومة تلك الردة عبر المحاكم وغيرها. أطلق المؤلف
على هذه الحقبة الرهيبة اسم (العبودية الثانية ). ويرى المؤلف أنه مثلما فجرت ملحمة ابراهام لنكولن لإعادة
بناء الدولة الأمريكية على أسس العدالة والمساواة بين الأمريكيين، براكين الشوفونية البيضاء ، فإن فوز
الأسود باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة ولدورتين قد أعاد الحياة لجماعات الاستعلاء العرقي البيضاء
التي أوصلت دونالد ترامب للبيت الأبيض!
والكتاب ظل يتربع على قمة مبيعات الكتب لأسابيع عديدة وهو بحق أفضل ما يمكن قراءته لمعرفة حقبة عصيبة عاشها الإنسان الأسود في أمريكا حتى بعد أن تحرر من ربقة الاستعباد عبر إلغاء الرق على يد لنكولن فظل يعاني ولمدة مائة عام كما أشار مارتن لوثر كينق جونير في خطبته في مسيرة واشنطن عام 1963 (لدي حلم) أمام النصب التذكاري لأبراهام لنكولن… (مائة عام مضت منذ أن وقّع الأمريكي
العظيم الذي نتفيأ ظلال تمثاله اليوم على إعلان تحرير الأرقاء ولا يزال الزنجي ليس حراً…. مائة عام مضت ولا تزال حياة الزنجي مكبلة بأغلال التمييز والتفرقة … مائة عام…..).
أما الأستاذ عباس محمود العقاد فقد كتب كتاباً مهماً في حق الصحابي الجليل سيدنا بلال بن رباح رضي
الله عنه . وليس ما حوى الكتاب من مناقب (بلال بن رباح: داعي السماء ومؤذن الرسول) كما جاء في عنوان الكتاب هو وحده ما حفزني على كتابة هذه المقالة فكتب التراجم والسير حافلة بمناقب بلال رضي الله عنه وعنها أخذ العقاد . وبلال شكل أول دعوة في تأريخ البشرية للمساواة المطلقة بين البشر بلا مواربة فالصيحة المدوية كانت( كلكم لآدم وآدم من تراب ) وأن التفاضل بين الناس يقوم على مخافة الله والرأفة
بمخلوقاته وبجليل الأعمال . لاحظوا لكي يتأكد إبراهام لنكلن ذلك القائد العظيم من إقرار الكونغرس لإعلان
تحرير الأرقاء ليصبح قانوناً ، أكد أنه يعني مساواة السود في الحقوق المدنية فقط أي لا المساواة في الكمال الإنساني فذلك لم يكن ليحظى بإجماع الأكثرية ( وقتئذٍ ! لكن حفزني أكثر المرافعة القوية للعقاد ضد كل أشكال التمييز بين البشر إذ أنفق نحواً من 69 صفحة في كتاب لا يتجاوز متنه 114 صفحة، للحديث عن
العنصرية في الثقافات المختلفة في العالم بحجج قوية ومنطق دامغ في وقت كانت فيه العنصرية البغيضة تحصد ملايين الأرواح في أوروبا في العام الذي كتب فيه الكتاب عام 1945 على أيدي النازيين والفاشيين منطلقاً من قناعة إسلامية راسخة بتفوق الإسلام على النظم والحضارات بتأكيد حقيقة المساواة بين البشر وإن لم يتمكن من إلغاء ممارسة الاسترقاق التي كانت فاشية على نطاق المعمورة وأن تحريمها من قبل المسلمين وحدهم يغري ويزري بهم دون غيرهم .ويمكن الاستدلال على ذلك بأن دعوات صدرت ونداءات أطلقت في أوقات مختلفة في العصر الحديث لم تكن كافية للقضاء على الممارسة بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 . والقرن العشرون هو أبشع القرون التي أزهقت فيها الأرواح
بضروب مختلفة من آفات التمييز. جعل العقاد ذلك الغوص العميق في بطون الكتب للإلمام بجذور التمييز في الثقافات المختلفة كمدخل للحديث عن رجل مسترق أصبح سيداً ووجيهاً بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم هو بلال بن رباح، مبدياً استغرابه من إبطاء الحضارة الغربية في إقرار مبدأ المساواة الإنسانية بين البشر. قال ( وإبطاء الحضارة الغربية كل هذا الإبطاء في تقرير مبدأ الإنصاف – فضلا عن تنفيذه- هو المقياس الصادق لسبق الشريعة الإسلامية في هذا المضمار المتوعِّر المهجور من قديم الدهور فإنها قد خلصت إلى أدب الإنصاف والمساواة بين بني الإنسان منذ أربعة عشر قرناً بغير ما حافز من المصالح الاقتصادية أو من عادات العرف والأخلاق بل خلصت إليه على كره من تلك المصالح وعلى الرغم من تلك العادات واجترأت على سلطان المادة الطاغية بسلطان الروح الرفيع، ولا يحسب الدين ديناً ما لم يكن له سلطان يغلبه على طغيان المصالح والشهوات). (ص47).
استوقفني كذلك الشبه بين حال بلال الرمز الذي تمتع بحقوق الإنسان الحر الكامل في عهد النبوة فأصبح من وجهاء الصحابة وخازنا لأموال الدولة الوليدة وقاضياً يستجوب قائدا عظيماً مثل خالد بن الوليد وكذلك عدداً من أمثاله من الأرقاء في عهد الراشدين كما أورد العقاد صاروا وزراء وحكاماً على الأمصار أمثال عمار بن ياسر ثم عادت دعوى الجاهلية إبان الملك العضوض ففاضلت بنو أمية حتى بين العرب الأقحاح أنفسهم فقيسية ثم يمانية وهلمجرا! ، وحال ما حاق بخطة إعادة البناء لنكولن والتي لم تدم طويلاً كأنما تبدو حركة التأريخ حركة دائرية لا تحكمها الحتميات ولكن يحكمها السلوك الإنساني فترتقي وقت ارتقاء القيم
وتجور بفعل الأهواء والرغائب.
تناول العقاد في ذلك الوقت الذي كان قريباً من عقود انبرت فيها بعض الدوائر العلمية لمسايرة شعبويات مناهضة للمساواة لترسخ لمفاهيم العنصرية والتفاضل بين البشر ليدحض بحجج قوية وبسلاح العلوم نفسه ليؤكد الحقيقة التي جاء بها الإسلام باكراً ( كلكم لآدم وآدم من تراب!) وفند بمنطق قوي كل الحجج التي حاولت دمغ الأسود بالتخلف. قال عن خرافة التميز الآري : ( من دواعي الشك في العنصرية الآرية أن العنصر الآري المزعوم لم يكن له وجود قط كأنه سلالة من السلالات الوراثية على النحو الذي تخيلوه وإنما
كان جامعة لغوية يشترك فيها أقوام مختلفون لا يتأتى ردهم اليوم إلى جنس واحد ولا يتشابهون في الخصائص العنصرية إلا كما يتشابه الأقوام الذين يتكلمون لغة واحدة على تباين المواطن والألوان.) (ص 17) ويورد تفنيد جوليان هكسلي لمقولة إن النورمانديين والآريين سلالة واحدة بأن ذلك ليس صحيحاً.
وكتب علم الإنسان المعاصرة تؤكد اختلاط السلالات البشرية بما يتعذر معه جدا الحديث عن نقاء عرقي.
وكمقدمة عن بلال بن رباح تحدث عن بلاد القارة التي انحدر منها بلال ، بلاد السود ، قارة إفريقيا فقال مثلما قال المزروعي إن نمط الحياة السهلة الميسرة في قارة غنية بأسباب الحياة كالقارة الإفريقية جعل جهد الإفريقي أن يكيف حياته وفق ذلك ولو أن البيض أو الصفر أو سواهم من الأجناس كانوا فيها لفعلوا ذات الشيء ولما أجهدوا أنفسهم بلا ضرورة لبذل الجهد وإهدار الطاقة. الأمر إذن لا يكمن في قلة ذكاء أو في
كسل مطبوع، فالأوربيون كما قال المزروعي ،لم يخترعوا لباس الملابس والأحذية لفضيلة الستر كما أنهم لم
يبتنوا القصور من أجل الوجاهات بل كانت تلك لوازم العيش في مناخ بارد وشديد البرودة في بعض أجزائه يفرض ذلك عليهم فرضاً.
ثم يعدد فضائل السود ويقول إنها قد جلبت عليهم جناية الاسترقاق أكثر مما يعاب عليهم: ( ولعل فضائل هذا
الجنس- وفي مقدمتها الوفاء والصبر والقناعة- كانت أسرع من نقائصهم في الجناية عليهم.)
يحدثنا بعد ذلك عن صفات بلال الخَلقية فيقول،( اتفقت الأقوال على أن بلالاً كان من الحبشة المولدين وجاء في وصفه رضي الله عنه أنه كان ) آدم شديد الأدمة نحيفاً طوالا-أي فيه انحناء- كثيف الشعر حفيف العارضين. وهي صفات تعهد في سلالة المولدين من السود والساميين وقد كانوا كثيرين بين الحبشة
واليمن من قديم الزمن، فليست أوصافه المتفق عليها أوصاف الزنج ولا أوصاف أبناء سام وسواده وكثرة
شعره مع خلوصه من فطس الأنف وتقبض الشعر تدل على أنه مولد من سلالتين.)
ثم يتحدث عن إيمان بلال وانخراطه في الدعوة الجديدة بعقد مقارنة جميلة بين الإيمان والمصلحة ويقول إن بلالا لم يدفعه لقبول الإسلام سوى حبه للحق لأنه لم تكن بعد هناك دالة واحدة على أن الأرقاء سيحصلون على المساواة مع الأحرار فالأمر في مبدئه وبعضهم موقن على الهلاك تحت التعذيب .إنه الإيمان بالغيب. لقد ( كانت الوحدانية هي الكلمة الواحدة التي لخص بها فضل الدين الجديد على الدين المهجور.)
يقول في تفسير استماتة بعض من لا يؤمنون بالغيب ولا بالبعث بعد الممات وصمودهم لحد التضحية بحيواتهم فيما يعتقدون من عقائد،( ليس بالمعقول أن يفقد الإنسان الحياة ، لأنه يطمح إلى الطعام الهنيء والعيش الرغيد وليس بالمعقول من باب أولى أن يفقد الحياة ليأتي بعده من ينعم بالطعام الهنيء والعيش الرغيد وهو تحت التراب. فإذا أقدم هو على فقد الحياة فالمسألة عنده ليست مسألة حساب وموازنة أو
مصلحة كبيرة بإزاء مصلحة صغيرة ولكنه إنما يفعل ذلك لأنه بإزاء قوة تمضي به حيث شاءت ولا يمضي
بها حيث شاء أو لأنه في حالة نفسية غير حالة الحساب والموازنة ووضع الأرقام بإزاء الأرقام.)
يقول لقد سمع بلال؛( رجلا ينادي بأن الناس أمة واحدة وأن المؤمنين إخوة وهو في الذؤابة من بني هاشم
(يعني محمد صلي الله عليه وسلم) أو في الذؤابة العليا من قبائل العرب أجمعين، فكان هذا سبب التصديق
وكانت دعوة الرجل الحسيب النسيب التي لا مصلحة له فيها هي البرهان الأول على صدق العقيدة، ولولا
انعدام المصلحة في دعوة ذلك الرجل الحسيب النسيب لما أسرع بلال إلى تصديقه والجنوح إليه.)
ويحدثنا العقاد أن بلالا قد لقي من ألوان العذاب صنوفاً عديدة ليست فقط هي تلك الصخرة الضخمة التي توضع على صدره في صيف مكة القائظ لكنهم ألبسوه دروع الحديد ولما تعبوا من تعذيبه أوكلوه للصبيان يضربونه ويطوفون به أحياء مكة تحت التعذيب والإهانات. قال: حسبنا أن نعلم أن رفقاء بلال جميعاً قبلوا ما سامهم المشركون أن يسبوا الدين الجديد ومنهم عمار بن ياسر ( إلا هو) لنعلم أنه كان عذاباً يفوق طاقة الإنسان. إن عماراً لم يكن يهاب الموت في هرمه ولكنه ضاق في صباه بذلك العذاب الأليم. فقد كان يجاهد
مع علي وقد أناف عن التسعين.)
ولما مات النبي لم يستطع بلال من فرط حبه له أن يرفع الأذان بعد ذلك لأنه كان يجهش بالبكاء إذا جاء على ذكر النبي في كلماته فخرج مجاهداً إلى الشام. ولما جاء عمر لدمشق ألح عليه الصحابة أن يسمع الفاروق أذانه بعد انقطاع وعندما فعل( بكى عمر وبكى معه الشيوخ الأجلاء حتى أخضلت اللحي البيض.
ولو بدا لهم أنهم يستمعون لصوت آدمي ينطلق من حنجرة من اللحم والدم لما اختلجوا تلك الخلجة ولا تولاهم ما تولاهم يومئذ من الوجد والرهبة، لكنهم أنصتوا لوحي الغيب حين أصغوا إليه وقام في أفئدتهم أنه صوت جدير بمحضر النبي عليه السلام يسمعه كما سمعوه معه آونة من الزمان).
رحم الله بلالاً ورضي عنه ورحم العقاد وجزاه خير الجزاء.
حاشية
ناشر هذا الكتاب: دار اليقين للنشر والتوزيع، المنصورة مصر
الطبعة الأولى عام 2015
تجدون في آخر هذه الطبعة ترجمة رصينة للعقاد من اللغة الإنجليزية لكلمة جميلة للأديب القصصي
الأمريكي فكاديو هيرن عن بلال بعنوان (المؤذن الأول)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.