المُتابع لأسواق مواد البناء يجد أنه حتى قبل ثلاثة أشهر من الآن كانت أسواق (السيخ والأسمنت) تعجُّ بالزبائن لكن فجأة تصاعدت الأسعار لدرجة أثَّرت في عملية البيع، حيث وصل طن سعر السيخ ماركة الأسعد (16،200) جنيه علماً بأن سعره قبل أقل من شهر كان في حدود ال(15) ألف جنيه، أما الأسمنت فقد وصل سعر الطن منه مبلغ (1950) جنيه ورغم أن المواطنين يلقون باللائمة دائما على التجار، إلا أن التجار قالوا إنهم أكبر مُتضرِّر من زيادة الأسعار لجهة أنه يؤثر سلباً على المبيعات، مؤكدين أنهم يضعون هامش ربح فقط على السلع، ويبرروا الزيادة في أسعار السيخ والأسمنت بالزيادات التي شهدها الدولار في الفترة الأخيرة، وسرعان ما انعكست على التجار من قِبَل أصحاب المصانع. انهيار الميزانية المواطن عمر إبراهيم – أم درمان- قال: إنني دخلتُ في ورطة كبيرة بسبب البناء رغم دخولي هذا المشروع باستعداد ودراسة جدوى، لكن ماذا أفعل مع سوق (مطلوق) يتعامل فيه التجار بمزاجهم فكل يوم سعر جديد للمواد، وليتها كانت الزيادة معقولة، مثلاً سعر طن السيخ عندما بدأتُ البناء كان في حدود ال(14) مليون بالقديم والآن يقترب سعره من ال(17) مليون جنيه، وعلى ذلك قس أسعار بقية المواد من أسمنت وطوب وخرسانة ومقاولين وووو إلخ.. وأضاف عمر إبراهيم أنه رغم أنه وضع ميزانية كاملة لإنشاء طابقين لكن قبل أن (يشطِّب) الطابق الأول نفدت ميزانيته، مما جعله يوقف البناء مضطراً، وتساءل عن الأسباب التي تجعل الزيادة في مواد البناء تمضي بسرعة الصاروخ رغم (توطين) صناعة الأسمنت وحديد التسليح وهي من أهم مواد البناء، وطالب في خاتمة حديثه الحكومة بأن (ترأف) بمواطنيها الذين يسعون لتأمين مأوىً لهم. الحكومة في قفص الاتهام ويقول محمد نور، تاجر أسمنت بالخرطوم بحري ل(السوداني ): إن السبب الرئيس وراء زيادة أسعار الأسمنت ليس ارتفاع سعر الدولار أو الموسم كما يزعم الكثيرون، بل السبب الحقيقي هو الحكومة نفسها وذلك من خلال زيادة الجبايات المفروضة بغير دراسة مما ينعكس على المواطن هذا علاوة على أنها – أي الحكومة- عجزت عن السيطرة على الدولار وهنالك سياسات بزيادة الأسعار، وأشار محمد نور إلى أن الحكومة تعتمد في ميزانيتها على جيب المواطن سواء كان مواطن عادياً أو موظفاً، موضحاً أن زيادة مواد البناء في الأصل غير مُبرَّرة ولا متوقعه لأنها كانت كبيرة جداً خلال فترة وجيزة، علماً بأن من أهم هذه المواد الأسمنت ويعتبر إنتاجاً محلياً وبالتالي، الزيادة فيها يُفترض تكون معقولة. أما التاجر كمال الدين عثمان – سوق السجانة- فقال إن عدم الرقابة على المصانع والمستوردين ترك الحبل على الغَارَب لهذا السوق الحيوي، مما أدى إلى زيادات مستمرة في الأسعار خصوصاً الأسمنت والسيخ، وقال: رغم تعدد مصانع الحديد بالسودان إلا أن السلعة في كثير من الأحيان تفتقر للمنافسة مما يخلق ندرة في بعض الأحايين، منوهاً إلى أن التجار لا يستطيعون إدخال حديد من الخارج حتى يتم تقليل السعر بسبب تكلفة الجمارك العالية. حالة ركود..!! ويبدو أن غلاء أسعار مواد البناء تسبب في حالة ركود عمَّت هذا السوق حسبما أشار إلى ذلك التاجر محمد الأمين - مُورِّد أسمنت بشارع الإنقاذ ببحري- والذي قال ل(السوداني): إن الزيادات التي حدثت في أسعار السيخ والأسمنت غير منطقية لأنه لم تكن هنالك أسباب حقيقية وراءها، مما انعكس على السوق بحالة ركود كبيرة وجعلت المصانع تقلل الأسعار رغم تكلفة التشغيل، وتوقع الأمين تراجع الأسعار، وقال إن القرار الأمريكي يُفترض أن تكون له آثار مباشرة في تراجع أسعار مواد البناء، وفيما يخص الأسمنت قال إن الشاحنة كانت تحمل (70) طناً من الأسمنت مما يدل على حركة البيع في الأسواق لكن في الآونة الأخيرة انخفضت الكمية إلى (35) طن للشاحنة وهذا دليل على الركود الذي ضرب سوق مواد البناء. زيادة عالمية ولأنَّ بعض التجار ألقوا باللائمة على أصحاب مصانع الحديد والصلب لجهة أنهم يتسببون في زيادة أسعار الأسمنت، كان من الضرورة أن نلتقي بصاحب مصنع حديد الأسعد للحديد والصلب حيث يقول جورج ل(السوداني): إن الزيادة التي طرأت على أسعار السيخ بكل أنواعه ومقاساته في السودان تعود في الأصل إلى زيادة عالمية في أسعار المواد الخام، ولا دخل لأصحاب المصانع في هذه الزيادة، وأشار جورج إلى أن هنالك بالفعل موسم يزيد فيه سعر الحديد وهو الشتاء لصعوبة استخلاص هذا المعدن عكس فصل الصيف، موضحاً أن هنالك بعض المصانع يوجد لديها حديد (الكسر) لكن مصنع الأسعد ليس من بينها. حماية المُستهلك ويشير المهندس محمد عبدالرحمن من الجمعية السودانية لحماية المستهلك، إلى أن الحديد والأسمنت سلعتان محليتان لكن مدخلات الإنتاج مستوردة، وزاد: إن السودان ما زال يستورد الجاز والحديد الخام ويتم تشكيلة محليا، وقال: إن ارتفاع أسعار الأسمنت والسيخ يعود للزيادات الكبيرة في رسوم الجمارك والضرائب، منوِّهاً إلى أن وزارة المالية صوتها أعلى ولا تترك مساحة لتدخل وزارة أخرى، علماً بأن وزارة الصناعة ينبغي عليها تشجيع قطاع التشييد وأن تستوعب عمالة تسهم في تقليل تكلفة البناء، وقال المهندس محمد: إن الاحتكار والتخزين لا يتسببان في زيادة مواد البناء، بل حتى التجار لا يحبذون زيادة الأسعار لأنها تُقلِّل المبيعات، وبالتالي، يجب على الدولة أن تقلل تكلفة مواد البناء وتصنفها من ضمن السلع الاستراتيجية في نمو اقتصاد الدولة غير السلع البذخية وأن تقلل من ضرائب الإنتاج. تحليل اقتصادي الخبير الاقتصادي د. محمد الناير قال ل(السوداني): إن ارتفاع وانخفاض أسعار مواد البناء والسلع الاستهلاكية تعود أسبابها إلى الدولة نفسها، وأن زيادة الأسعار لا علاقة لها برفع العقوبات الأمريكية عن السودان كما يدَّعي الكثيرون، منوِّهاً إلى أن الدولة يجب أن تحافظ على الأثر الإيجابي من رفع العقوبات بتحفيز المغتربين وتعديل سياسات تصدير الذهب، حتى ترتفع قيمة العُملة المحلية (الجنيه) وبالتالي، تنخفض أسعار مواد البناء وغيرها من الأشياء التي يحتاجها المواطن السوداني، واستدرك د. الناير بقوله: لكن الدولة لم تفعل ذلك ولذا عاودت الأسعار (رحلة الارتفاع) بأكثر مما كانت عليه قبل رفع الحظر.