الدبلوماسية والجاسوسية... خيط رفيع "الخرطوم – أوسلو" المعاملة بالمثل! هل ستتازم العلاقة بين السودان والنرويج؟ هنالك فرق حينما تطلب دولة مضيفة من دولة أخرى سحب أحد دبلوماسييها وبين أن تطرد تلك الدولة ذلك الدبلوماسي مباشرة.. التدخل في الشئون الداخلية، الإساءة للدولة المضيفة، التجسس عليها، أسباب تجعل الدولة تسارع بطرد الدبلوماسي، والأمر بلا شك يعقد العلاقة بين الدولتين لأقصى مدى، فللسفير مكانة خاصة لأنه أهم شخصية أجنبيه يقيم في الدولة.. لكن إن طلبت الدولة سحب الدبلوماسي فالأمر قد لا يشكل أزمة كبيرة لأنه لا يدخل في طائلة (الإهانة). هناك عشرات الحوادث التي وقعت خلال العقود الماضية بين السودان والدول الغربية فيما يتعلق بمسألة طرد السفراء والدبلوماسيين، والمعلوم أنه ما من حادثة وقعت على دبلوماسي سوداني في تلك الدول إلا وسارع السودان باتخاذ ذات الخطوة، والعكس صحيح. تقرير: لينا يعقوب قبيل يومين، وأثناء إجازة كانت تقضيها سفيرة السودان لدى النرويج، استدعت الخارجية النرويجية القائم بالأعمال أونور أحمد علي، تحدثت معه شفاهة وسلمته مذكرة مكتوبة تطلب منه أن يغادر المستشار (...) من الأراضي النرويجية لأنه يمارس أنشطة مشبوهة، حيث أوضح الناطق باسمها كيتيل أليزبوتانجن لوكالة رويترز أن المستشار الدبلوماسي المطرود يمارس أنشطة تتعارض مع وضعه كدبلوماسي وفقا لاتفاقية فينا وأن الخارجية طلبت منه مغادرة البلاد.. غير أن الناطق أوضح أمرا آخر حينما قال إن الخارجية النرويجية لم تعلن أن الدبلوماسي شخص غير مرغوب فيه رسميا ولكنها تتوقع مغادرته للبلاد. الأمر يشير إلى أن النرويج لم تطرد الدبلوماسي ولم تسمه ب (persona non grata) أي أنه شخص غير مرغوب فيه إنما طلبت سحبه وذلك عكس ما أشارت وسائل الإعلام. المعاملة بالمثل هذا المبدأ الدبلوماسي لا يقتصر فقط على حالات الطرد، إنما في كل الإجراءات المتعلقة بالعمل الدبلوماسي فإن تعرض سفير سوداني مثلا لتفتيش مشدد في مطار أي دولة، فإن السودان يسارع باتخاذ ذات الإجراء مع دبلوماسيي تلك الدولة.. الخرطوم سارعت لاتخاذ ذات الخطوة التي قامت بها أوسلو، حيث استدعت وزارة الخارجية أمس الأربعاء سفير النرويج المرشح لدى السودان وأبلغته طلب حكومة السودان لحكومة النرويج بسحب أحد الدبلوماسيين بالسفارة النرويجية بالخرطوم (مستشار) من البلاد، وذلك ردا على قيام حكومة النرويج أمس بطلب سحب المستشار في السفارة السودانية في أوسلو، ونقلت وزارة الخارجية للسفير النرويجي أملها في ألا تؤثر هذه الخطوة على علاقات البلدين المتنامية. تهمة التجسس هناك شعرة رفيعة بين سفير يمارس مهامه بصورة طبيعية وبين سفير يتجسس.. فالمعلوم أن مهام السفير في الدرجة الأولى تعتمد على جمع المعلومات من مصادر مختلفة وكتابة تقارير حول مواضيع معينة وإرسالها إلى دولته.. المعلومات التي تحصلت عليها (السوداني) أشارت إلى أن الدبلوماسي يجمع المعلومات بطرق مختلفة من خلال اللقاءات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية وحضور عدد من الأنشطة الثقافية والسياسية.. لذا يعتبر قسم الإعلام والعلاقات العامة من أهم الأقسام في السفارات لأنه يقوم بأدوار كبيرة، ورغم ذلك يكشف أحد السفراء في حديثه ل(السوداني) أن حركة الدبلوماسي تظل محدودة لأنها تكون مراقبة من قبل الدولة المضيفة، وأشار إلى أن التركيز يكون على سفراء الدول ذوي العلاقة المتوترة مع الدولة المضيفة، وأكد السفير أن جمع المعلومات هي مهمة السفراء بالإضافة إلى تحسين علاقات الدول مع بعضها. الناطق باسم الخارجية العبيد أحمد مروح اكتفى بالقول في حديثه ل(السوداني) إن جمع المعلومات بالحد المعقول مسموح به في العمل الدبلوماسي ويعمل به، وتجاوز المساحة المتاحة يكون أقرب إلى التجسس. ويتردد كثيرا أن اللقب الآخر الذي يُسمى به السفير هو "الجاسوس المفتوح" بمعنى أنه يتجسس علنا وليس سراً.. حينما ترفع الحصانة بمجرد أن يطرد السفير أو الدبلوماسي من الدول المضيفة تسقط عنه الحصانة، فدبلوماسيا يعرف أن السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي ومساعديهم يتمتعون ب"الحصانة الدبلوماسية" بحيث لا يمكن تقديمهم للمحاكمة بالدولة التي يعيشون فيها، كما أن مقر السفارة وبيوت أعضاء السلك الدبلوماسي لا يمكن للشرطة المحلية أن تقتحمها على الإطلاق. وتعتبر أيضاً من أهم مقتضيات العمل الدبلوماسي المعاصر، التي تشمل مختلف الحصانات والامتيازات الدبلوماسية من حصانة قضائية والامتيازات المالية.. وأشار أحد الدبلوماسيين ل(السوداني) أن العضو الدبلوماسي يمكن أن يتنازل طوعا عن هذه الحصانات خاصة في المسائل القضائية (كالشهادة مثلاً) فلا يمكن إرغامه على المثول أمام المحكمة، لأنه يتمتع بحصانة مطلقة في عدم المثول أمام أي محكمة لأي غرض سواء كان متهما أم شاهداً، "لكن طوعاً يمكن أن يفعل ذلك".. وأوضح أنه في حالة حدوث جرائم جنائية أو مخالفات فإن الدولة المضيفة تطلب من رئيس البعثة أو المنظمة رفع الحصانة عن العضو لتمكين العدالة من أخذ مجراها.. ولفت إلى أنه في أغلب الأحيان لا تخضع البعثات الدبلوماسية لهذه المطالب سواء في السودان أو خارجه من قبل الدول المضيفة، وقال: "في هذه الحالات يتم الأخذ بالمبدأ الآخر الخاص بالإبعاد بإعلان الشخص أنه غير مرغوب فيه، وهو ما يعرف ب (persona non grata) لأن أغلب الدول لا تقبل برفع الحصانة عن دبلوماسييها، وهو الذي يعطي الحق للدول المضيفة في إبعاده". علاقة كانت متينة النرويج من الدول المهمة للسودان والداعمة لاتفاقية السلام الشامل، وما حدث بلا شك سيؤزم العلاقة بين الدولتين رغم نفي كليهما للأمر.. فقبل بضعة أسابيع التقى رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر بالسفير النرويجي وبحث معه خصوصية العلاقات السودانية النرويجية، مؤكداً متانة العلاقات البرلمانية بين البلدين، وأكد للسفير أن زيارته لأوسلو كانت مهمة مثمنا دور النرويج وإسهامها في عملية السلام بالبلاد ودورها في توصيل رسالة السودان للعديد من الدول الأخرى، مشيراً إلى أهمية السلام في السودان باعتباره ركيزة للسلام في المنطقة كافة. الأمر يشير إلى أن العلاقة لم تكن فقط على المستوى الرسمي إنما تعدتها إلى أبعد من ذلك.. غير أن مصدر رسمي اكتفى بالقول: "الموضوع سيقف عند هذا الحد".