كأنما شَعر الصحفي السوداني المعروف «زاهر الكندري» بدنو أجله وهو يودع الحياة بأعمال طيبات كانت بمثابة حُسن خاتمة لحياته. بدأها بآخر منشور له قبل ساعات من وفاته ختم به آخر أحرفه على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والذي جاء فيه: « أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وعلى ملّة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. اللّهمّ عافني في بدني، اللّهمّ عافني في سمعي، اللّهمّ عافني في بصري، لا إله إلاّ أنت. اللّهمّ إنّي أعوذبك من الكفر، والفقر، وأعوذبك من عذاب القبر، لا إله إلاّ أنت. أعوذ بكلمات اللّه التّامّات من شرّ ما خلق. اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد عليه افضل الصلوات والتسليم». وحكى أحد مُقربيه ل(السوداني) بعين دامعة آخر لحظات الفقيد قُبيل وفاته، قائلاً أن الفقيد كان يشكو من دوار وبعد الفحوصات تبين بأن هناك زيادة في نسبة الدم، أخذ بعض الأدوية وعاد إلى المنزل في أحسن حال. بعدها همَّ بالاستحمام صباح اليوم، وفي طريقه إلى الحمام حاملاً مَنشفِه انتابته الدوخة فجأة، نطق على الفور بالشهادة قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله مُحمدا رسول الله، وأضاف «تمت خلاص» مخاطبا لمن كان بجانبه. وبينما كان الآخر يُطمئن فيه، طلب منه الفقيد أن يتركه لينهي آخر حياته بكلمات طيبات. وطلب الفقيد بعدها العفو من الجميع قائلاً: « قول للجماعة كلهم يعفو مني»، وأسلم روحه إلى الله. عُرف الفقيد "الكندري" بين أهله وأصدقائه ومعارفه بنقاء سريرته لايحمل حقدا او غلاً لأحد، يمسي معاتبك ويصبح قلبه طفلاً غريرا تجاه كل من عرفه. نعاه الأستاذ «ضياء الدين بلال» رئيس تحرير صحيفة السوداني قائلاً : رحمة الله ومغفرته لأخي وزميلي العزيز زاهر الكندري ،الرجل الخلوق طيب القلب سمح السجايا الذي غادر دنيانا الفانية اليوم إثر ذبحة قلبية. وقال «ضياء» منذ معرفتي به قبل أكثر من عشرين عاماً، وجدته رجلاً هادئاً وهميما في خدمة أهله، عاشقا لأغاني الطمبور قائما على حوائج الناس عف اللسان طاهر اليد، أسكنه الله واسع رحمته مع الصديقين والشهداء، إنا لله وإنا اليه راجعون. فيما نعاه الأستاذ الشهير «محمد النصري» قائلاً: لم نستفق بعد من فاجعة فقد أخونا الغالي إبن القرير البار عمر الجاك فأصبحنا بفاجعة أسود من لون المداد أنعي اليكم ركناً ركيناً من شمالنا الحبيب لم يكن شخصاً عادياً فقد رهن وقته وعمره لخدمة السلطة الرابعة فكان قلمه رمزاً للقيم الرفيعة والمبادئ الناصعة. مضيفاً: صاغ هذا الرجل نموذجاً للجد والإصرار فخرج بنا من ضيق المنطقة الي رحاب القومية بفخر وإعزاز، سطر إسمه بأحرف مضيئة في صفحات كل من عرفه مثالاً للطيبة والتهذيب والإحترام والأخاء النبيل وترك الآن إرثاً تاريخياً و قضية أكثر إتساعاً من أن نقوي علي حملها خلفه. وزاد : اليوم فقدت تنقسي والشمال والوطن الكبير وقبيلة الصحافة والإعلام رمزاً قومياً كان له السبق في وضع تصور للمشهد الثقافي والحضاري والإنساني وعلي يديه نشأ جيل من الأقلام الواعدة المعطاءة استفاد من تجربته وخبرته الممتدة. وتابع «النصري»: أعزي اليوم نفسي في فقده الشاسع أعزي الأحبه والأصدقاء، أعزي الصحافة والإعلام وأخص بالعزاء صحيفة الوفاق وقبيلة الفن والوطن الصغير تنقسي والوطن الكبير .. أعزي كل من عرف زاهر الإنسان يوماً. وختم النصري داعياً: اللهم تغمد أخي زاهر الكندري برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إننا نشهد بأنه صاحب فضل وبر وإحسان وخير وأنت تعلم السر وأخفى وأنت بصير بالعباد لا نزكي عليك أحداً أنت حسيبه وحسيبنا. وكان «الكندري» قد توفي يوم الخميس، بالخرطوم إثر ذبحة قلبية مفاجئة لم تمهله طويلاً. ينحدر الفقيد من منطقة تنقسي الجزيرة شمالي السودان، تخرج في كلية الآداب قسم الصحافة، بجامعة امدرمان الأهلية، عمل الفقيد بعدة صحف سودانية منها السودان الحديث، والوفاق، وآخر لحظة، و الشاهد وغيرها. عُرف الفقيد بصفحته الشهيرة ذائعة الصيت «نفحات الريف» التي كان يحررها بصحيفة «الوفاق» واستمرت لسنوات طويلة حتى وفاته، والتي جمعت مابين الفن والأدب والثقافة وجمال الريف، سقاها بذائقته الأدبية الرائعة و حُبه المرهف وتعلقه بالجذور. يرتبط الفقيد بعلاقات وطيدة بجميع فناني وشعراء الطمبور في السودان، وظل كالنحلة ينقل ابداعاتهم ويهتم باخبارهم بمنصاته الاعلامية.