** جيمس بندر، مؤلف كتاب الشخصية الجاذبة وأحد خبراء التنمية البشرية، يحكي.. فلاح ظل يزرع نوعاً من الذرة ذات الجودة العالية، ويحصد - بجانب المحصول - جائزتي أكثر وأجود إنتاج.. عاماً تلو الآخر، ينتج غزيراً ويفوز بالجائزتين.. ذهب إليه أحدهم- وسأله عن سر التفوق المتواصل، فأجاب: كنت أسافر بعيداً واستجلب البذور الجيدة وأوزعها على جيراني ليزرعوها في حقولهم، وبعد ذلك أزرع - بتلك البذور - حقلي، واهتم بالري والنظافة، وبهذا أنال جائزتي الإنتاج والجودة.. فيسأله السائل بدهشة: لماذا توزع بذورك الجيدة لجيرانك وأنت تعلم أنهم ينافسونك في نيل تلك الجائزة؟.. فيرد الفلاح بمنتهى الحكمة: أفعل ذلك لكي أضمن عدم انتقال لقاحات بذور رديئة من حقول جيراني إلى حقلي بواسطة الرياح..!! ** وهكذا يجب أن يكون حال أي ناجح في الحياة.. أي لينجح المرء في الحياة - أو ليحمي نجاحه - عليه أن يساعد الآخرين بحد المستطاع.. والفرد - مهما تعلم - غير جدير بأن يحمل لقب الناجح في المجتمع ما لم يؤثر إيجابياً على الآخرين، بحيث ينجحوا أيضاً.. ومن يفكر في النجاح بأنانية لا تساعد الآخرين على النجاح أيضاً، كمن يحلم بأن يكون سعيداً في عالم البؤساء.. علماً بأن نجاح من حولك - فرداً كان أو مجتمعاً - بفضل نجاحك، يحسب نجاحاً لك أيضاً.. ولو تأملت كل علوم الدنيا، تجد أن عالماً ناجحاً يقف وراء اكتشاف كل علم من تلك العلوم، ولايزال - وسيظل - اسمه موثقاً في كتب الحياة وذاكرة الناس رغم التطوير الذي أحدثته الأجيال في علمه.. على سبيل المثال، لو اكتشف علماء اليوم علاجاً يقضي على كل أمراض الناس، فإن هذا لا - ولن - يسقط الرازي من ذاكرة الناس والحياة، بل يعيدهم إلى سيرته ونجاحه لينسبوا له هذا الفضل أيضاً.. والمؤمن بأن نجاحه يجب أن يساهم في نجاح الآخرين، لا يحسد ولا يحقد..!! ** والمثال الراهن.. عندما كان النمساوي فيليكس باومغارتنر يصارع ضغط الغلاف الجوي على ارتفاع (39 كيلومتراً)، ليحطم الرقم القياسي للقفز، كان مدربه جوزيف كيتنيغر يصارع أمواج التوجس والقلق على الأرض، بل كان جوزيف أكثر توجساً وأعمق قلقاً من فيليكس، كحال أي مدرب أو أستاذ يشتهي الفوز للاعبه أو تلميذه.. ولكن جوزيف لم يكن مدرباً فحسب في تلك القفزة، بل كان من الناحين الذين يؤمنون بمساعدة الآخرين على النجاح أيضاً، حتى ولو تفوقوا عليهم.. بهذا الإيمان، ساعد جوزيف لاعبه فليكيس بالتدريب والنصائح والتشجيع ليحطم الرقم القياسي الذي حققه - جوزيف ذاته - في العام 1961، (31 كيلومتاً).. نعم، لم يحقد جوزيف على فيليكس بهذا التحطيم ولم يحسده، ولم يكن أنانياً، بحيث يبقى على ذاك الرقم القياسي القديم - 31 كم / 1961- مدى الحياة أو حيناً من الدهر، بل مد لفيليكس يد الخبرة ناصحاً ومشجعاً، حتى انتصر وحقق الرقم القياسي الجديد (39 كم/ 2012)، وتعانقا فرحاً بهذا النجاح الجديد..!! ** نجاح فيليكس في العام (2012)، لم - ولن - يسقط من ذاكرة التاريخ النجاح القياسي الذي حققه مدربه جوزيف في العام (1961).. وهكذا نجاح أي ناجح في الحياة كما قلت، إذ لا يسقط ولا يتلاشى مهما تكاثف نجاح الآخرين من حوله، بشرط أن يكون نجاحه مساهماً في نجاح هؤلاء الآخرين.. جوزيف، بمساعدته لفيليكس، أراد أن يقول للناس: قيمة المرء في الحياة تقاس بمقدار تأثير نجاحه على الآخر، حتى ينجح أيضاً.. وكذلك بيل غيتس، ثاني أغنى أغنياء العالم، لم يكن مخطئاً حين خاطب طلاب مدرسة ثانوية ذات يوم قائلاً: العالم لا يهتم بحبك لذاتك، بل ينتظر إنجازاتك حتى قبل أن تهنئ ذاتك.. والإنجاز المعني هنا هو التأثير الإيجابي لنجاحك على المجتمع.. فلنكافح الأنانية لنسعد جميعاً، وكذلك الحسد والحقد لينجح المجتمع ولتنهض البلد.. ورحم الله البروف عبدالله الطيب، قالها أو نسب إليه: هناك سبع قبائل عربية اشتهرت تاريخياً بالحسد، هاجرت خمس منها للسودان.. رحمه الله، لو عاش إلى يومنا هذا وبحث، لقال (عفواً، كلها جات هنا)..!!