محمد خالد زقل من كبار أمراء المهدية. ولد في دارفور (دار برقو) من أب عمل بالتجارة هناك. اقتفى محمد خالد زقل أثر والده وبدأ حياته تاجراً بسيطاً ولكنه حالما أصبح ثرياً من هذه المهنة وذلك لما كان يتمتع به من ذكاء وهيبة وفن في التعامل مع الآخرين ويقال بأن محمد خالد زقل قد وهبه الله هيبة المنصور وذكاء إياس. (2) لما فتحت دارفور بواسطة الزبير باشا عام 1876م وذلك بعد انتصاره على سلطان الفور ابراهيم قرض قام الزبير باشا وكما هو معلوم بتسليم دارفور إلى الحكم التركي المقيم سلطانه في الخرطوم. انخرط محمد خالد زقل في خدمة الإدارة التركية وتقلب بسرعة، وبحكم مواهبه المتعددة. في مناصب عدة حتى أصبح مديراً لمديرية شكا وعاصمتها دارة ومنح لقب بك من قبل السلطات التركية، ليس ذلك فحسب بل أن محمد خالد زقل قد ترقى وأصبح نائباً لسلاطين باشا مدير مديرية دارفور وعاصمتها الفاشر وكان يسمى قائماً بأعمال مديرية دارفور. (3) في ذلك الوقت سقطت الابيض في يد الإمام المهدي فأرسل سلاطين محمد خالد زقل لمعرفته بمواهبه المتعددة. الى الأبيض لاستطلاع الأمر وليأتيه بأخبار المهدي ولعلنا نذكر بأن الوثائق التاريخية تشير لصلة قربى لمحمد خالد زقل بالإمام المهدي وتقول انهم ابناء عمومة. لما ذهب محمد خالد زقل إلى الأبيض قابل الإمام المهدي بل بايعه على السمع والطاعة وعينه الإمام المهدي أميراً على كل دارفور وهنا انقلبت الموازين على سلاطين باشا. كان الخليفة عبد الله شاهداً على كل ما جرى أمام عينيه وأخذته الغيرة والخوف من ذلك الفتى القامة ابن عم الإمام المهدي، اميراً على كل دارفور ولا تنسى أن دارفور هي بلد الخليفة عبد الله فأصبح محمد خالد زقل دائماً في مرمى نظر الخليفة عبد الله. (4) بعد عودته من الأبيض إلى دارفور استطاع زقل أن يتسلم المديرية من سلاطين باشا ثم انخرط بكل عنفوانه في خدمة المهدية وابن عمه الامام المهدي واستطاع زقل أن يكون جيشاً قوياً ورث اساسه من الأتراك من مدافع وجبخانات وبارود كما توفرت عنده أموال طائلة ملأت كل خزائن الدولة. (5) عند حصار الخرطوم بقيادة الأمير عبد الرحمن النجومي، طلب الخليفة عبدالله في رسائل أرسلها للأمير محمد خالد زقل أن يدعم الحصار بإرسال السلاح والبارود والجنود من قواته وأسلحته بدارفور. استجاب زقل لكل طلبات الخليفة عبد الله وقد ساهم الأمير زقل مساهمة كبيرة في تشديد الحصار على الخرطوم ورفع الروح المعنوية لقوات المهدية المحاصرة للخرطوم (أنظر اناه) فأرسل السلاح والبارود والجنود بأسلحتهم من قوات الجهادية والبازنقر (جنود الزبير باشا) وكذلك جانباً من الخيول. لم يكتف الخليفة عبد الله بما ارسل اليه بل طلب إرسال جميع الأسلحة الموجودة عند زقل بالفاشر وحدد الخليفة لزقل سلاح الرمنقتون والجلل (انظرII أدناه) وفي رسالة أخرى لمحمد خالد زقل أوضح له الخليفة بأن القوات المحاصرة للخرطوم (أي قوات المهدية) تحتاج للمزيد من المدافع والجلل والبارود واقترح عليه الاستعانة بالإبل في نقل السلاح واستئجار الابل من عرب دارفور وان لا تقل الحمولة عن ألفي بعير وقد وصلت كل تلك الاسلحة في نوفمبر عام 1884م أي قبل سقوط الخرطوم. (6) بعد وفاة الإمام المهدي في منتصف عام 1885م وتسلم الخليفة عبد الله زمام السلطة في أم درمان، كان دائم الخوف من امكانيات زقل القيادية والعسكرية والمالية خاصة وقد استطاع زقل أن يبسط نفوذه على كل دارفور منذ عام 1884 وكان الخليفة عبد الله يخشى من بسط زقل سيطرته على دارفور أن يحكمها منفرداً ويستقل بها عن حكم الخليفة في أم درمان كما كان أيضاً يخشى من زقل كونه أحد قادة الراية الحمراء (راية الخليفة شريف) في وقت بدأ فيه الخليفة تجريد قادة الراية الحمراء بعد ما تمرد عليه الخليفة شريف ومازال الخليفة عبد الله ينظر بعين الغيرة والخوف من الأمير محمد خالد زقل وابتدع اسلوباً جديداً في مواجهته فأرسل له رسالة يطلب منه الحضور إلى أم درمان لتجديد البيعة. أربك ذلك الطلب الأمير زقل وبدأ يستدرك ريبة الخليفة عبد الله في شخصه وأخذ منه ذلك الظن بعض الوقت قبل أن يرد على طلب الخليفة ولكن داهمته رسائل أخرى من الخليفة علي ود حلو والأمير عبد الرحمن النجومي – وذلك بإيعاز من الخليفة نفسه تأمره بالحضور إلى أم درمان. ثم رسالة أخرى من الخليفة نفسه تأمره للحضور إلى أم درمان بكامل سلاحه وقواته وأمواله. لم يجد زقل مفراً من التحرك صوب أم درمان وفي عام 1886م تحرك زقل بكامل قوته وسلاحه إلى أم درمان ولكن بدأ الهمس في أوساط الناس وبدأ الهامسون يشككون في الوجهة الحقيقية لزقل وقواته. أي وربما أراد زقل بذلك التحرك وبذلك التحرك وبذلك الجيش الضخم أن يدعم الإشراف في صراعهم مع الخليفة ولكن الخليفة احتاط لكل هذه الاحتمالات وكان يراسل سرياً حمدان أبو عنجة الموجود بالأبيض (III) حيث كان أبو عنجة من أكثر القادة قرباً من الخليفة. كانت خطة الإشراف أن يقوم زقل باحتلال إقليم الجزيرة بجيشه الكبير بعد أن يتحرك من الفاشر ولكن هذه الأخبار قد وصلت إلى الخليفة عبدالله فقام بتعيين ابن عمه يونس الدكيم أميراً على الجزيرة. أحس الأشراف بالخطر المحدق بمحمد خالد زقل وحاولوا الاتصال به ولكن الخليفة عبد الله قام بوضع رقابه صارمة على الرسائل الصادرة والواردة من وإلى أم درمان مما أفشل تنبيه زقل من قبل الإشراف. (7) ولتعجيل تجريد محمد خالد زقل من قواته وأمواله صدرت الأوامر إلى حمدان أبو عنجة في الأبيض وبصورة سرية من الخليفة وطلب من أبو عنجة أن يقوم بتجريد محمد خالد زقل من كل قواته وأسلحته وكذلك من قوات الجهادية التي معه وأن يقوم كذلك باستلام الأموال التي معه خاصة بعد أن وصلت الأخبار إلى الخليفة بأن محمد خالد زقل يحتفظ بالكثير من الأموال والذخائر والخيول لنفسه. (8) نجح حمدان أبو عنجة في تنفيذ تلك الخطة الجهنمية قبل وصول زقل إلى أم درمان وقام بتجريده في بارا يوم 9 أبريل عام 1886م وجرده من كل سلطته وأمواله وتم سجنه أولاً في الأبيض قبل أن يتم إرساله إلى ام درمان حيث تم سجنه فيها أيضاً. لم تثبت أي أدلة ضد زقل ولانعدام الدليل قام الخليفة بإطلاق سراحه من السجن ولكن أبقاه ملازماً للصلوات في المسجد. بقىي محمد خالد زقل ملازماً للخليفة في أم درمان حتى عفا عنه عام 1889م وقام بإرساله إلى شرق السودان لحل الخلاف الذي نشب بين أبو قرجة وعثمان دقنة. (9) في عام 1890 عينه الخليفة عبد الله أميراً على دنقلا حيث تواجد بها في ذلك الحين مساعد قيدوم وعربي دفع الله مع قواتهم من الجهادية، إلا أن مساعد قيدوم وعربي دفع الله قامابتدبير مؤامرة لقتله في دنقلا باءت بالفشل بعد فشل المؤامرة كان على الخليفة عبد الله أن يحل تلك الحلقة في دنقلا ويوزعها في أماكن أخرى فأرسل عربي دفع الله أميراً على الاستوائية وذلك عام 1890 وأصبح عربي دفع الله بحكم وظيفته الجديدة مشرفاً على السجناء في جبل الرجاف. خافت قيادات الجهادية في دنقلا من أن يقوم زقل انتقاماً على تآمرهم ضده مع مساعد قيدوم وعربي دفع الله بتجريدهم من أسلحتهم فكانوا أسرع منه حيث اتصلوا بالخليفة عبد الله وأبلغوه بأن زقل على اتصال بالحكومة المصرية وينوي تسليم دنقلا للقوات المصرية القادمة من الشمال بقيادة كتشنر. نجحت المؤامرة الثانية ضد زقل وقام الخليفة بعزله واستدعائه إلى أم درمان وإرساله سجيناً في الرجاف. هناك التقى زقل صديقه أبو قرجة الذي توطدت العلاقة معه حينما أرسله الخليفة إلى الشرق لتسوية الخلاف بين أبو قرجة وعثمان دقنة وكان أبو قرجة قد أرسل إلى الإستوائية أميراً عليها ولكن ذلك من باب التمويه وسرعان ما تم تجريده بواسطة عربي دفع الله والزج به سجيناً في الرجاف وذلك في عام 1893. مكث أبو قرجة وزقل سجناء في الرجاف حتى انهيار دولة المهدية ودخول كتشنر إلى أم درمان عام 1898 وحينها فتحت السجون وخرج الاثنان زقل وأبو قرجة وذهبا مشياً على الأقدام حتى بحر الغزال ومنها إلى دارفور. (11) مكثا بعض الوقت سجناء في دارفور والتي كانت تحت إمرة السلطان علي دينار ولكن بعد إطلاق سراحهما تم اغتيال محمد خالد زقل وتشير أصابع الاتهام إلى السلطان علي دينار. وواصل أبو قرجة مسيرته منفرداً حتى عاد إلى قريته ام غنيم بالقرب من الكوة على النيل الأبيض ثم انتقل بعد ذلك إلى منزله في أم درمان حي بيت المال المعروف بحوش أبوقرجة وحتى داهمه المرض وتوفي عام 1916 وانتهت بذلك قصة الرجلين الأمير محمد خالد زقل والأمير الحاج محمد عثمان أبو قرجة. (12) أخيراً وليس آخراً سؤال هام. هل كان لمحمد خالد زقل أن يعصي أوامر الخليفة عبد الله بالحضور إلى أم درمان ويستقل بحكم دارفور وهل كان للخليفة شريف وأعوانه من الأشراف أن يهربوا إلى دارفور للحاق بالأمير زقل ويكونوا سداً منيعاً ضد الخليفة عبد الله ويقيموا دولتهم هناك تحت راية المهدية الثانية ؟ تفسير: 1 . كانت الروح المعنوية لقوات المهدية متدنية في ذلك الوقت نتيجة لهزيمة القائد موسى ود حلو في معركة أبو طليح التي استعمل فيها العدو سلاح المكسيم الجديد. وكان قرار مجلس المهدي هو العودة إلى قدير ماعدا الأمير أحمد عبد الكريم الذي رفض العودة إلى قدير واقترح تقديم مواعيد تحرير الخرطوم وقد كان أن استجاب له الجميع وتم تحرير الخرطوم في يناير 1985م قبل وصول قوات إنقاذ غردون. 2 . الجلل ومفردها جلة وكانت واحدة من مقذوفات المدافع في ذلك الوقت وقد قال شاعر الحقيبة محمد ود الرضي متغزلاً/ قصدي شبالك وراضي بي جلة. وفي رواية أخرى: قصدي بس شوفتك وإن شاء الله بي جلة. كما تغنت إحدى بنات الجعليين مادحة شقيقها مختار تحت عنوان الموفشار قائلة: عرش دود مراقد السار وسمحة القدلة فوق مختار اقدل مثل ابوك يا دود واحسب لي ثمانية جدود وضربك جلة مو بارود يا الفايت الرجال بي عود 3 . أرسل حمدان أبو قرجة إلى الأبيض لإخماد تمرد الجهادية الذين توجهوا من الابيض إلى جبال النوبة. وكان زقل قد اعتقل أبو عنجة عندما كان مديراً لشيكان وكان أبو عنجة وقتها يعمل ضمن قوات الزبير باشا. 4 . كان بشير العبادي هو المسئول عن البريد في ذلك الوقت. 5 . كان الكاتب الخاص للخليفة هو المدثر إبراهيم. 6 . ربما كانت هناك ترسبات قديمة يضمرها له الفور حينما كان أميراً على دارفور.