كان الشاعر العبقري الراحل عمر الدوش يناجي ضمير الأمة وينبوع الميراث الانساني والحضاري فينا ويحث معين القيم الراكز في الوجدان وهو يلفت النظر ويخلق الاندهاش ويوخذ الغافلين المتعجلين والقادمين في (زفة اللمة) الراقصين على صدى الطبول والمزمار لا يلوون على احد غير هذا الصخب والطرب الآسر الأخاذ بأن هناك (طفلة وسط اللمة منسية) ظل الدوش يناجيها ويعّول عليها في ترميم مزالق القصور والاهمال في مناخ عام لا يعير التفاتة للفرد فينا الا بسعة الكّم ونضارة الوجة وحساب التداول اليومي . هذه الخاطرة اثارتها في نفسي نبأ سعيد اخترق جدار الصمت وما يحيط بنا من احباط بطلته طفلة اسمها فاطمة احرزت المرتبة الاولى في امتحانات شهادة الاساس بولاية شمال كردفان جاءت فاطمة في الموعد المضروب كالومضة الشاردة من المزروب، جاءت رغم انف الحكومات المتعاقبة على هذا البلد والتي تجاهلت بعض اطراف الريف السوداني الحبيب وحرمته من الخدمات الاساسية وتركته للفقر والعوز والمسغبة، ورغم ذلك ظلت بعض مجتمعات الريف تتمرد على الوضع المزري وتكسر كل القيود المفروضة والتحديات الماثلة بجهود ذاتية وايمان لا يخالجة شك بحقها في العيش فوق هذه البسيطة بل التفوق احياناً على من يعيشون رغد العيش في المدن والحواضر، بل الاصرار العجيب والرغبة الاكيدة أن تأتي في صدر المحافل وبشريات الركب كما فعلت فاطمة بحصولها على (279) درجة في امتحانات الاساس هذا العام. وبقدر ما افرحتنا فاطمة بهذه النتيجة المشرفة لها ولأهلها ولاهل المزروب جميعاً، الا انها في ذات الوقت قذفت بالكرة في ملعبنا، مسئولين عن شأن التعليم بولاية شمال كردفان ومنظمات مجتمع مدني وكل التواقين للخير والجمال، هل هناك مدرسة ثانوية نموذجية في المزروب يمكن أن تستوعب هذه النابغة ام سنجدها بعد ثلاث سنوات اضطرت أن تختار المساق الادبي لأن اساتذة المواد العلمية (كيمياء – فيزياء – رياضيات) يفضلون التواجد في الابيض حيث الخدمات المتوفرة والدروس الخصوصية والمدارس الخاصة ويرفضون الذهاب للمزروب التي تحلم بالكهرباء والمياه النقية، والانتقال اليها يتم بشق الانفس، وكيف سيتم الاحتفال بالنابغة فاطمة في اروقة وزارة التربية بالابيض هل يعطونها ظرفاً فيه مبلغ قد لا يكفي ايجار العودة من الابيض الى المزروب؟ ام ستجعل الاحتفال بفاطمة سانحة بمراجعة اوضاع التعليم بالذات في ريفنا الحبيب الذي مازال يعاني من نقص المباني والمعلمين ؟ الاهل بالمزروب .. إن كنتم تنتظرون الحكومة في الخرطوم أن تقدم لكم خدمات فأنتم واهمون فالحكومة مشغولة بالترتيبات الأمنية وبعلاقة الدولة بالدين، بادروا بأنفسكم، تبنوا مبادرة بواسطة ابناء المزروب في الداخل والخارج لهذا الغرض الذي حددناه ببناء مدرسة ثانوية نموذجية بالمزروب تستوعب فاطمة ونديداتها ليكبر الحلم في احضانكم .