الحال بالنسبة لشوقي كان هو حال مئات الأسر السودانية، التي تجمَّعت مساء أمس، في محيط سجن كوبر الاتحادي بعد أن تنامى إلى مسامعها قرار السلطات الأمنية بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. وهو الخبر الذي تداولته وسائط التواصل الاجتماعي بين التصديق والتكذيب، وانتهى بتأكيد من وزارة الإعلام في تعميم صحفي مُقتضب حدَّدَتْ فيه الساعة السادسة مساءً موعداً للإفراج عن المعتقلين، قبل أن تدعو وسائل الإعلام المحلية والعالمية لتغطية الحدث. تأخير ومنع عند الساعة مساء، كانت البوابة الجنوبية لسجن كوبر تعج بوسائل الإعلام المحلية والعالمية، ولم يُحدِّثهم أحدٌ عن عدد المعتقلين الذين سيتم الإفراج عنهم ولا ظروف وملابسات القرار، وهل هو يرتبط فعلاً بعودة الفريق الأول صلاح قوش لإدارة جهاز الأمن أم هو قرار سياسي صادر من جهات أعلى مستوى؟ تحلَّقت أسر المعتقلين على مسافة بعيدة من أبواب السجن، وكان لافتاً تماماً حضور أطفال المعتقلين برفقة ذويهم، لكن مع تأخر عملية إطلاق سراح المعتقلين بدأت الأسر تدبُّ نحو البوابة الرئيسة التي فتحت أبوابها وسط تشديد مبالغ فيه لدخول الصحفيات والصحفيين، الذين دخل منهم من دخل ومنع منهم من منع. هتاف المشهد الأول خلف باب السجن مباشرة نصب مصورو القنوات التلفزيونية، كاميراتهم وجلس الصحفيون على الأرض انتظاراً للحدث، ومن الخارج بدأت الهتافات والزغاريد مسموعة لمن داخل السجن لدرجة أن الصحفيين شعروا بأنهم تركوا الحدث الفعلي بالخارج. عند نحو السابعة والنصف، أُحضر معتقلون غالبيتهم من الشباب والطلاب من مناطق اعتقال مختلفة، استقبلتهم النساء في الخارج بالزغاريد، لكنهم لم يعيروا الوجود الإعلامي اهتماماً. ثم جيء بالمعتقلات، وبمجرد دخولهن، أشعلن الموقف بذات الهتافات التي أدخلتهن المعتقل قبل شهر ويزيد لبعضهن. هتفت سارة نقد الله بهتاف الأنصار المعروف (الله أكبر ولله الحمد)، قبل ترديدها من داخل السجن (دولة الظلم زائلة)، استمر هتاف المعتقلات كثيراً دون أن يعترض له أحد، سوى رجاءات من بعض رجالات الأمن لهن بالهدوء حتى ينتهي كل شيء بخروجهن. دموع الساعة الثامنة وتزيد قليلاً، خرج المعتقل اللواء فضل الله برمة ناصر في قائمة مجموعة شملت كذلك صديق الصادق المهدي وآخرين، فالتقى المفرج عنهم رجالاً ونساءً وعلت أصوات الزغاريد والنشيج والهتاف السياسي. فجأة ظهر مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي، متحدثاً في إفادات صحفية مكتوبة كعادته، قال فيها إن القرار بإطلاق سراح المعتقلين من النساء والطلاب، تم بتوجيه مباشر من الرئيس عمر البشير. القلق يعود ما إن تواصل حديث نجل المهدي إلا وعاد القلق من جديد على مُحيَّا الحضور، لجهة تأكيده بأن الجهد سوف يستمر لإطلاق سراح بقية المعتقلين. هنا بدأ الغضب والقلق في ملامح بعض الوجوه، خصوصاً أن إطلاق السراح لم يشمل شخصيات من الوزن الثقيل مثل سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب ولا رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير ولا محمد عبد الله الدومة نائب رئيس حزب الأمة. وأضاف مساعد الرئيس، أن مبادرتهم - التي لم يوضحها أكثر - تسعى لمعالجة المرض لا العرض، وذلك بحوار بين القوى السودانية يجيب عن أسئلة المستقبل. عدد المفرج عنهم وفي رده على سؤال عن عدد المفرج عنهم، قال إنهم نحو 80 معتقلاً ثم مضى إلى حال سبيله تلاحقه هتافات المفرج عنهن، قبل أن ينتهي به المطاف عند سارة نقد الله الأمين العام لحزب الأمة المفرج عنها التي استقبلته على عكس رفيقاتها بالترحاب والبشاشة و(المقالدة). بمجرد انتهاء المؤتمر الصحفي، خرج المعتقلون، وفي الخارج قابلتهم أسرهم، وأنصار المعارضة، بهتافات قوية استمرت ساعات أمام بوابة السجن، واختلطت المشاعر الإنسانية مع هتافات التحدي، وأصيبت أسر عدَّة بالإحباط لأنها لم تجد أبناءها ضمن قائمة المفرج عنهم، فيما رفضت كريمتا إبراهيم الشيخ، الخروج من سجن كوبر وفضلتا البقاء فيه، ما لم يُطلق سراح شخص آخر، إلا أن المفاوضات قادت إلى خروجهن، واستُقبلن استقبالاً حاراً من الجموع.