تألّمت جداً لحديث العالم والمُربي التربوي البروفيسور محمد الأمين التوم، في منبر صحيفة (التيار) مساء الخميس الماضي، وهو يكشف الحالة المُتردية التي وصل إليها التعليم في السودان!! أستاذ التوم، شخّص بأدوات القياس العلمية؛ الأمراض التي أصابت جسد التعليم طوال الثلاثين سنة الماضية. ولم يَكتفِ بذلك، فحشد خُبراء التربية والتعليم بالبلاد؛ لوضع خارطة طريق لمداواة جسد الأمة المعلول، فكل أمة لا تكون رايتها العِلم؛ فستكون رايتها دوماً منكسة. الخبراء وضعوا حلولاً إسعافية، أولها تغيير في المناهج لبعض الفصول، وتنقيح مناهج لفصول أخرى. وقُدِّرت ميزانية طباعة الكتب ب(15) مليون يورو. المُصيبة الكبرى، أنّ الدولة مُمثلةً في وزارة المالية، لم تفِ بالتزاماتها مع وزارة التربية في توفير المبلغ، وظلّ الوزير يُخاطب المالية، ومجلس الوزراء، وكانت الحصيلة فقط أن تطبع وزارة التربية منهج السنتين الأولى والسادسة. الدولة وضعت مجّانية التعليم وتوفير الوجبة المدرسية ضمن الأربعة أساسيات الأولى للمُوازنة. وللأسف لم توفِ بأي واحدةٍ منها. وبات جلياً أنّ عملية النهوض بالتعليم وتطويره يفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية. بل تضعها الدولة في ذيل قائمة أولوياتها. وزارة المالية لم تتوقّف مُفاجآتها الأليمة عند حد عدم الإيفاء بطباعة المنهج الجديد، وتوفير الوجبة للطلاب – الذين يتسرّب عشرات الآلاف منهم من مقاعد الدراسة بسبب الجوع والفقر – بل ظلّت تتعمّد في صمتٍ مُريبٍ عدم الاستجابة؛ لمطالبة وزارة التربية بفتح حساب بالعملة الأجنبية بالخارج؛ لاستقطاب دعم المغتربين في طباعة الكتاب المدرسي. إن كان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك؛ يعلم بتسويف وزارة المالية، فهذه مُصيبة. وإن كان لا يعلم فالمُصيبة أعظم!! ماذا يفعل كبير المستشارين بمجلس الوزراء، الشيخ الخضر؛ وهو القابض على جميع ملفات الوزارات؟. وكيف لم يرصد هذه الكارثة في حق أجيال مُستقبل السودان؟. هذا تقصيرٌ يجب ألا يمر مُرور الكرام، مثل ما مرّت العديد من الهَنّات التي كلّفت السودان غالياً، وليس آخرها إيقاف السعودية لصادر المواشي السودانية، بسبب أخطاء الوزير المكلف؛ التي كلّفت خزائن الدولة مئات الملايين من الدولارات. ومازال باقياً في كرسي الوزارة يُمارس ذات (الكفاوى)!! تقصير الدولة في أعلى الهرم وأسفله، جعلت وزير التربية والتعليم يطرق جميع الأبواب، فخاطب عبر وزارة الخارجية (4) دول – تشتهر بصناعة الورق – طلباً لدعم السودان بالورق، فوجد الترحيب من سفراء تلك الدول بالخرطوم، لكن كانت المحصلة صفراً كبيراً. فقط دفعت إحدى الدول مبلغ (30) ألف دولار، شكرهم عليها الوزير وأعادها لها. أقول لرئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ولرئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك: "ما حدث كارثة في الأمن القومي"، بكل ما تحمله الكلمة. فليس هناك أهم من مُستقبل أبنائنا، فهم الحاضر وكل المُستقبل. يجب عقد اجتماعٍ طارئ لمجلسي السيادة والوزراء، وحل هذه الكارثة. أولاً: عبر توفير مبلغ ال(15) مليون يورو فوراً. وتخصيص جميع مطابع الدولة التي كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات في السابق، لوزارة التربية والتعليم. ثانياً: تخصيص ميزانية الوجبة المدرسية؛ من حساب منظومة الصناعات الدفاعية، التي وعدت برفد خزينة الدولة سنوياً بما قيمته (2) مليار دولار من صادراتها. ثالثاً: يجب مُحاسبة وإقالة جميع المُقصِّرين في هذه الكارثة، فمن يتلكأ ويسوف في مستقبل أمتنا، يجب أن لا يكون له مكان في صناعة القرار وتسيير دولاب العمل بالدولة. (العلم يرفع بيتاً لا عماد له.. والجهل يهدم بيت العز والشرف).