كنت اول من تكهن بذلك، في الساعات الأولى من رحيل الإمام الصادق المهدى إلى الرفيق الأعلى.. تنبأت بالفصل بين الزعامة والإمامة.. فحين انتصف نهار ذلك اليوم الحزين، الذي شهد صباحه الإعلان عن وفاة الإمام – عليه الرحمة والمغفرة – كنت ضيفا على فضائية سودانية 24، في برنامج خاص عن الإمام.. وما بعده في تلك الساعات الباكرة؛ وحتى قبل مواراته الثرى، ربما كانت مغامرة كبيرة، أن نقبل تحدي الخوض في مآلات ما بعد رحيل الإمام.. ولكني وزميلي الصحافي المعروف، ورفيقي في البرنامج الأستاذ قرشي عوض قبلنا ذلك التحدي، يقودنا المذيع النابه والمتألق راشد نبا..! اختلفنا حينا، واتفقنا احيانا حول الإمام.. ولكن اتفاقا غير مكتوب كان يحكمنا أنا وقرشي ومضيفنا راشد طوال الحلقة، وهي أنها ليست حلقة لمحاكمة الإمام، ولا حتى لتقييم اعماله، التي غطت عقودا من الزمان، اكتشفت بعد وفاة الإمام بقدر ما كانت جلسة لتلمس إسهامات الرجل في مختلف المجالات، وقياس الفراغ الذي سيتركه برحيله، ثم كان السؤال الصعب، من يمكن أن يخلف الإمام..؟ رغم حديثي عن أن مؤسسات الحزب قادرة على تقديم قيادات بديلة، وعلينا أن نحترم خيار تلك المؤسسات، ثم رويت خلال البرنامج تفاصيل لقائي الموجز مع الإمام عشية رحيل الدكتور عبد النبي الأمين العام لحزب الأمة، حين سألت الإمام؛ من يخلف عبد النبي..؟ كان رد الإمام الذي لن أنساه، إن الحزب موجود، ومؤسساته موجودة وقادرة على تقديم البديل.. ولكن، استدرك الإمام يومها قائلا: "لا بد من الأخذ في الاعتبار، مقاربة البديل لبعض مواصفات الراحل"، وهو يعني الدكتور عبد النبي بالطبع.. كان الإمام دقيقا وهو يقول لي، بعض مواصفات الراحل، لا أن يتطابقا، حيث أن ذلك مستحيل، فما بالك إن كان هذا البحث عن بديل للإمام نفسه..؟! فما أشبه الليلة بالبارحة، فها نحن نستعير ذات عبارات الإمام.. ونحن نبحث في الإجابة عن سؤال من هو البديل.. ويزداد الأمر تعقيدا، حين يكون المطلوب، بديل للإمام نفسه، ولا أحد غيره.. فالمهمة تبدو عسيرة، رغم كل حديثنا عن المؤسسية والمؤسسات.. لذا وخلال ذلك البرنامج، كانت قناعتي التى حرصت على التعبير عنها، أن أي بديل لا يمكن أن يملأ فراغ الإمام.. ثم كنت اكثر دقة وأنا اقول، إن الإمام ينطبق عليه قول القائل، إنه اتعب من جاءوا بعده.. وقلت ايضا للتأكيد على ما ذهبت اليه، إن القوم لن يجدوا من يحل محل الإمام زعامة وإمامة.. ثم شرحت؛ اتوقع أن يتم الفصل، مرة أخرى؛ بين الإمامة والزعامة..! فلم تخيب الأحداث والوقائع ظني، تم الفصل بالفعل، فبعد رحيل الإمام، اصبح للحزب رئيس، وللكيان إمام.. ولأول مرة من خارج البيت المهدوي.. وسنخصص التحليل القادم لرئاسة الحزب.. أتدرون لماذا..؟ لأن الإمامة شأن يخص الكيان بالدرجة الأولى.. وهو يكاد يكون شأنا داخليا.. حتى أن الخوض فيه ربما لا يكون مرحبا به.. أما رئاسة الحزب؛ وحين يكون الحديث عن اكبر الأحزاب السودانية، فالأمر يهم كل السودانيين.. فدعونا ننظر غدا في أمر فضل الله برمة ناصر في انتقاله الثاني..!