حبايبك نحن زدنا قليل حنان العمر زادت غلاوتو معاك وصالحني الزمان الكلمات أعلاها لشاعرنا الكبير إسحاق الحلنقي اتخذتها مدخلاً للكتابة عنه، وكيف لحرفي أن يكتبه وحروفه من درر وماس، فالمتأمل في قصيدة (أعز الناس) يجد كلمات نقية تتكئ على ساعد الحب الشفيف وتنساب نغماً: (لقيتك بين ضلوعي شموع.. وغنيتك نغم). ولد إسحاق الحنلقي في كسلا أرض الشعر، نشأ بها وأظله شجر (الدوم).. شرب من مياه (توتيل)، وجلس على ضفاف نهر القاش يتأمل (صوت السواقي الحاني) ينتخب مفردات الحب (حبيت عشانك كسلا.. خليت دياري عشانا). كتب الحلنقي أول أعماله الشعرية (الأبيض ضميرك) وغناها الفنان الرائع الطيب عبد الله، ولاقت الأغنية رواجاً كثيفاً، وتبادلها العشاق في مابينهم للدلالة على نقاء دواخل المحبوب: إنت يا الأبيض ضميرك.. صافي زي قلب الرضيع في كلامك وفي ابتسامك.. أحلى من زهر الربيع إسحق الحلنقي شاعر ينثر الحروف يصيغها ويطوعها على لسانه وعلى قوالب روحه الشفافة كما يريد، فكانت (نجمة نجمة الليل نعدو) التي تغنى بها الفنان الطروب إبراهيم حسين، إذ أظهر فيها الحلنقي بلاغة في التعبير وبراعة في التصوير: الريدة الكتيرة ياحنين شقاوة كل مانزيد حنان إنت تزيد غلاوة الزهرة الجميلة بتشيلك نداوة عاش الحلنقي سنوات من عمره خارج البلاد، شكلت الغربة وجدانه وشحذت مشاعره، جمعته(غربة وشوق) بالقامة محمد الأمين: (جيناكم يا حبايبنا بعد غربة وشوق نغالب فيه ويغالبنا)، سنين الغربة جعلته محملاً بالأشواق، يحمل حنين دافق وأشواق لا تعبر عنها الكلمات: (ووصف البهجة بالكلمات محال يتقال حلاوة العودة غنيناها في موال) ما يميز الحلنقي أسلوبه السلس، صوره الشعرية الحسية الحية، لغته الانسيابية، ومفرداته التي يمس فيها الحب شغاف القلب غازياً: متين عرف الهوى قلبك متين صابك بآهاته متين سهر عيونك ليل طويلة طويلة ساعاته الحلنقي صاحب يراع جميل وإحساس مرهف، قصائده قريبة إلي ومن القلب، شدتني كلمات (الحب الدافئ) التي غناها التاج مكي: فايت مروح وين.. ما لسة الزمان بدري خليك شوية معاي عشان جنبك يطول عمري ولأن الشعراء دوماً يرتبطون بالأماكن لم تغب كسلا عن قصائد الحلنقي:(دار الفرح والبريد تلقاني من أهلها ومين اللي ما بعرف.. طيب شباب كسلا)، بالتأكيد نعرف طيب قولك وجمال حرفك. ومن ضمن الأغنيات التي غناها التاج مكي للحلنقي أغنية (اسأل العنبة الرامية فوق بيتنا) تلك الأغنية التي لم نكن نمل من ترديدها حينما كنا صغاراً. إذ يقول فيها: رحت خليتنا.. وتأني ماجيتنا لو مغالطتنا.. ما مصدقنا اسأل العنبة الرامية فوق بيتنا الحلنقي نبع الشعر الذي لا ينضب عطاؤه، كتب لخوجلي عثمان أغنية (أسمعنا مرة)، الأغنية التي عمت شهرتها الآفاق وحفظها الصغار والكبار وظلت حاضرة في حفلات المناسبات: أسمعنا مرة وحاتنا عندك الدنيا تبقى مافيها مرة والكون يلالي بهجة ومسرة الحلنقي شاعر الحب ورئيس جمهوريته، المتحدث الرسمي باسم العشق، أهدى صالح الضي كلمات (عيش معاي الحب .. عيش معاي حناني)، وكتب لصلاح مصطفى: (مشي أمرك ياقدر انت أحكامك مطاعة). شكل الحلنقي ثنائية متألقة مع الفنان الكبير محمد وردي، بداية من (أعز الناس) إلى (هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو) مروراً ب (أقابلك في زمن ماشي وزمن جاي وزمن لسة) و (الدموع دايماً حبايبي وإنت أفراحك حبايبك). هذه الأغنيات جمعت مابين الحلنقي ومحمد وردي، وشكلت نسيجًا فنيًا ووحدة إبداعية مترابطة ومتمازجة، قدمها (الامبراطور) بصوته العذب الحساس ولاقت شهرة وحضوراً وإعجاباً. يعتبر الحلنقي مدرسة شعرية متفردة، تعامل مع كل الأجيال الغنائية، كتب لسيف الجامعة (اعذريني الدمعة دي حتبقى آخر دمعة ليا)، ولجمال فرفور (بساط الريح بجيني متين أغمض عين وأفتح عين)، واهدى منار صديق (قالوا لي أقنع) والكثير من أعماله الشعرية التي لا أستطيع حصرها. يقولون للإبداع صناعه وللحرف صياغه.. بلا شك الحلنقي هو ملك المفردة المتوج بعرش الإبداع.