يدور هذه الأيام جدل كثيف في الأوساط السياسية السودانية والمهتمين بالعلاقات الدولية حول موضوع التطبيع مع إسرائيل حتى يتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع الحظر الاقتصادي الأمريكي المفروض على السودان منذ العام 1993م. ظل أمر التطبيع مع إسرائيل محل شد وجذب كبيرين منذ اللقاء الاول لرئيس مجلس السيادة الفريق اول عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اوغندا الذي لعب فيه الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني دوراً مهما في حينها صرح الفريق اول البرهان بانه قام بهذه الخطوة إيماناً من موقع مسؤوليته باهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الامن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني وتطوير العلاقات بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالامر !! دكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء له رأي مغاير ففي تغريدة له على حسابه الرسمي في توتير يقول فيها: (إنّ الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات ومع ذلك يجب الالتزام بالادوار والمسؤوليات) وشدد حمدوك على (احقية الهياكل الانتقالية في ضمان المساءلة والمسؤولية والشفافية في جميع القرارات المتخذة وتبقى الوثيقة الدستورية هي الاطار القانوني في تحديد المسؤوليات ويجب علينا الالتزام بما تحدده من مهام وصلاحيات). ولا ينسى الشعب السوداني تصريحات حمدوك حول أمر التطبيع مع إسرائيل في يوم 28 أغسطس 2020م على اتفاق البرهان ونتنياهو عندما قال: (إنّ امر التطبيع من إختصاصات المجلس التشريعي الانتقالي الذي لم يشكل بعد). إنّ التطبيع مع إسرائيل بين مؤيد ورافض له سيظل السؤال الجوهري فيه قائماً ماذا يستفيد السودان والسودانيون من التطبيع مع إسرائيل؟ إنً التطبيع مع إسرائيل له ثمن كبير سيدفعه السودان وشعبه قد لا تظهر نتائجه في الوقت القريب المنظور ولكنه بمرور الوقت سيكتشف السودانيون بانهم وقعوا في خطأ استراتيجي كبير. يبدو انّ موضوع زيارة وزير الخزانة الامريكي للسودان قد كان الشغل الشاغل طوال يوم الأربعاء وصباح يوم الخميس وتوقيع الحكومة الانتقالية لعدة إتفاقيات معه خاصة فيما يتعلق بدعم امريكا للسودان بمبلغ مليار دولار سنوياً وهذه الاتفاقية لا تختلف كثيراً عن الوعود الامريكية السابقة بدعم السودان بالقمح والادوية وخلاف ذلك فلو تمعنا في مؤتمر اصدقاء السودان الذي عقد في الاشهر الماضية وجُمع فيه ما قيمته مليار وثمانمائة الف دولار لعرفنا ما يجري من حولنا واين ذهبت هذه الاموال. إنّ اتفاق السودان مع إسرائيل كان مريحاً لامريكا لخوض الانتخابات التي جرت في الاشهر القليلة الماضية بامريكا إلاّ ان الفتور بين السودان وامريكا شاب العلاقات الثنائية عندما انتهت امريكا من الدعاية الانتخابية وكانت إدارة ترامب متحمسة جداً لتفعيل العلاقات السودانية الإسرائيلية حتى تكسب إدارة ترامب ود الناخب اليهودي والجالية اليهودية بامريكا . إنّ السودان بتطبيعه مع إسرائيل سيفقده العلاقات التاريخية التي تربطه مع حلفائه السابقين وبالتالي قد يفتح جبهة جديدة من التحديات الامنية ويعرض بذلك امنه القومي الى الخطر ويجعل كل الاحتمالات بالتهديد الامني والارهابي وارداً نسبة للارهاصات والتوقعات . بعد التطبيع سيكون السودان خرج من دول الممانعة الى دول الموالاة للغرب وإسرائيل وبذلك يعرض امنه القومي الي تهديدات مباشرة من الانظمة الارهابية والجماعات المتطرفة في ظل الهشاشة والسيولة السياسية التي يمر بها السودان الآن وعدم التوافق السياسي بين نخبه المتشاكسة . اما بالنسبة لمبلغ المليار دولار الامريكي سيصرف منه للبعثة السياسية الجديدة للامم المتحدة التي قدرت ميزانيتها السنوية بحوالي (600) مليون دولار وامريكا تساهم بمبالغ كبيرة جداً للامم المتحدة وماتبقى من هذا المبلغ سيصرف في الجوانب الادارية والدعم الفني واللوجستي لهذه البعثة الاممية ( يونيتاميس) فينطبق على السودان وشعبه بيت الشعر الذي يقول : يجود علينا الاكرمين بمالهم ونحن بمال الاكرمين نجود على الرغم من الوعود البراقة السابقة من الاصدقاء وامريكا في دعم السودان مالياً إلاّ انهم لم يفعلون شيئاً تجاه القضايا الكبيرة التي تعرقل مسيرة السلام والتحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع الاقتصادية التي اقعدت الدولة من التقدم والازدهار وتقديم خدمات افضل لشعبها الذي عانى طيلة الثلاثين سنة الماضية ولكن بعد التغيير الذي حدث زادت معاناة الشعب السوداني ثلاثة اضعاف وهو يكابد شظف الحياة ويجابه عقباتها الاقتصادية الصعبة.