لن ينكر إلا مكابر التضحيات الجسيمة التى ظل يقدمها أطباء السودان بمختلف تخصصاتهم ودرجاتهم، وعلى اختلاف العصور والآماد التي مرت على السودان.. فالأوبئة أول من يدفع ثمنها الأطباء، ونقص إمكانات التشخيص وحتى التحاليل يدفع ثمنها الأطباء، وحتى نقص الأدوية يدفع ثمنه الأطباء.. فلدى أهلي البسطاء؛ الطبيب هو كل شيء؛ وليس غيره من شيء.. ثم إن عجز الموازنة العامة، واضطراب الأولويات وخطل السياسات؛ أيضاً يدفع ثمنها الأطباء.. فالمريض الذي يقصد المشافي؛ يلتقي أول من يلتقي الطبيب، ثم ومن بعد فكل المصائب التي تقابل ذلك المريض سيصب غضبه جراءها على رأس ذلك الطبيب، إن لم تلحق الغضبة ضربة، كما حدث كثيراً.. ورغم كل هذه المقدمة الطويلة؛ فلنقرأ سوياً هذا الخبر!: (أعلنت لجنة أطباء الامتياز عن تنفيذ وقفة احتجاجية عند العاشرة من صباح اليوم أمام المجلس الطبي السوداني؛ للأطباء المنتظرين أداء القسم الطبي منذ خمسة أشهر للمطالبة بالإسراع فى إجراءات التجهيز للقسم. وأوضحت اللجنة أن الوقفة متزامنة مع وقفة أخرى أمام وزارة الصحة الاتحادية لأطباء قائمة نوفمبر؛ والذين في انتظار إكمال إجراءات توزيعهم والتي تأخرت لأكثر من عام. إلى ذلك ارتفعت قائمة المستشفيات المقرر الانسحاب منها إلى 22 مستشفى بالخرطوم والولايات لعدم صرف المرتبات لفترات تراوحت من 9- 11 شهراً. وكانت اللجنة ووفقاً لبيانها الصادر الخميس المنصرم أكدت الإضراب الشامل اليوم الإثنين وحتى سداد كامل المرتبات. وأضافت: هذه رسالة في بريد وزارة الصحة للإسراع برد مستحقات أطباء الامتياز والتي أصبحت لا تعادل 25% من قيمتها الحقيقية نظراً للتضخم ونطالب الوزارة بالتعويض المادي بعد تكبد كل هذه الخسائر)!. لن تجد كبير جهد لاكتشاف المفارقة بين الفقرتين؛ الأولى عن دور الأطباء ومعاناتهم، والثانية عن هضم حقوق الأطباء وظلاماتهم.. ولكن؛ وللمفارقة أيضاً، فإننا وبقدر قناعتنا بالفقرة الأولى وكل ما يقدمه الأطباء من جهد؛ وما يواجهونه من عنت، وبقدر اتفاقنا مع مشروعية مطالب الأطباء وظلاماتهم التي لخصتها الفقرة الثانية، إلا أننا سنتحفظ على أمرين مهمين، علماً بأن ذلك لا يقدح في مشروعية مطالب الأطباء، بقدر ما يقدح في مشروعية الجهة الممثلة للأطباء، والآلية التي أعلنت لتسليط الضوء على مطالب الأطباء، مقروءا ذلك مع توقيت تلك الخطوة..! والسؤال عن مشروعية الجهة؛ لا يعني بأي حال من الأحوال تشكيكاً فى مشروعية مطالبها، كما أسلفنا، ولكنه سؤال عن نقابة الأطباء، التي يفترض أنها تمثل الأطباء بكل قطاعاتهم وفئاتهم ودرجاتهم، فما هي المصلحة في هذا الحراك الفئوي الجزئي..؟ يتحرك نواب الأطباء، والبقية يتفرجون.. ثم يتحرك أطباء الامتياز، والبقية يتفرجون.. ألا يثير ذلك كثيراً من التساؤلات؟، ألا يشكل مثل هذا الحراك الجزئي تعقيداً إضافياً للمشهد؟، أكثر من كونه يقدم حلولاً..؟ إذن؛ هذا مبعث تحفظنا الأول!، أما مصدر التحفظ الثاني فهو التوقيت الذي إختارته اللجنة للإعلان عن وقفاتها الإحتجاجية هذه.. فكلنا نعلم أن الحكومة؛ وهي المعنية مجتمعة بالنظر في مطالب أطباء الامتياز، لم تكمل الأسبوع من تكليفها، كما أن وزير الصحة، وكذلك وزير المالية، وهما المسؤولان المباشران عن تنفيذ مطالب الأطباء، قد أديا القسم للتو، بحساب الزمن، وبالتالي ليس من العدل أن يباغتا بهذا الشكل.. وأخيراً؛ حقوق الأطباء محل اعتراف كامل، ودعمهم محل التزام مطلق، وتظل تحفظاتنا في محلها كذلك..!