الخرطوم والقاهرة.. حراك مكثف تشهده العلاقات بين الخرطوموالقاهرة، يتمثل في النشاط السياسي والدبلوماسي والعسكري المكثف، وينتظر أن يتوج بزيارة تاريخية للرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي إلى البلاد في يوم السبت المقبل، فما الذي يمكن أن تحمله تلك الزيارة وماذا وراء المشاورات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين ؟ السيسي في الخرطوم.. اسمعي ياجارة من المقرر أن يصل الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي إلى البلاد يوم السبت المقبل، وتعتبر الزيارة الاولى من نوعها للرئيس المصري، منذ الإطاحة بالبشير وتشكيل الحكومة الإنتقالية في السودان . تأتي الزيارة في ظل انشغالات مصرية حيال الأوضاع الداخلية في السودان،لكن الانشغال الاكبر على الصعيد الإقليمي يبدو حيال "سد النهضة الإثيوبي"، اذ تتشارك الخرطوموالقاهرة المصير في ظل تمسك إثيوبيا بالملء الثاني للسد في يوليو المقبل، وهو الموقف الذي ربما قاد لهذا التقارب بين الخرطوموالقاهرة . يقول خبير القوانين والمهتم بمجال المياه د. أحمد المفتي ل(السوداني) أن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للسودان تأتي مع إقتراب (القنبلة المائية) التي تبقت لها شهور فقط، بعد أن اتضح بما لايدع مجالا للشك بعد 10 سنوات من المفاوضات والوساطات الدولية أن إثيوبيا لم تتنازل قيد أنملة عن موقفها منذ عام 2011، بأن تفعل ماتشاء بقيادتها المنفردة وهو ماتوصلت له مصر والسودان أن إثيوبيا مستفيدة 100% ووصلت إلى 90% من إنشاء السد وملأت المرحلة الاول منفردة وهي تمضي لملء المرحلة الثانية منفردة . ويضيف المفتي :" لذلك كثر التفاكر بين السودان ومصر وزيارة السيسي إلى الخرطوم لتنسيق المواقف لمواجهة التعنت الإثيوبي بعد فشل السبل التفاوضية والوساطات الدولية ". ويعتبر المفتي أن زيارة السيسي ستكون الإنذار الأخير لإثيوبيا وإذا رفضت تغيير موقفها ستتحول القضية لمواجهة مباشرة، تبدأ بعرض الامر على مجلس الامن الدولي وتحميله المسؤولية الكاملة لماسيحدث بعد أن أصبح سد النهضة مهدد للسلم والأمن الدوليين . من ناحية اخرى يقول الخبير في شؤون السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية د. هاني رسلان ل(السوداني) أن هناك إدراكاً جديداً للعلاقات المصرية السودانية وأهميتها، قد بدأ ينمو في السودان منذ يونيو الماضي، عقب قيام إثيوبيا بالملء الأول الاحادي لسد النهضة دون وجود أي اتفاق ودون أن تعبأ إثيوبيا بما لحق السودان من ضرر . ويضيف رسلان :" بناء عليه تزايدت منذ ذلك الحين ملامح وبوادر التنسيق المشترك لمواجهة تحدياتهما المشتركة". اتفاق عسكري وشواغل مشتركة وشهدت الخرطوم أمس توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين السودان ومصر،وذلك ضمن برنامج زيارة رئيس أركان الجيش المصري للبلاد. وقال رئيس أركان الجيش، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، أن الهدف من الاتفاق هو "تحقيق الأمن القومي للبلدين لبناء قوات مسلحة مليئة بالتجارب والعلم " من جانبه، أكد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد، أن القاهرة تسعى "لترسيخ الروابط والعلاقات مع السودان في كافة المجالات خاصة العسكرية والأمنية، والتضامن كنهج استراتيجي تفرضه البيئة الإقليمية والدولية". ويعد التواصل العسكري بين البلدين الأكثر فمصر منذ سقوط البشير،أعلنت دعمها للحكومة الإنتقالية الجديدة في السودان، لكنها لم تخف خشيتها من إنهيار الأوضاع الامنية في البلاد ومحاذيرها المستمرة من تعدد الفصائل المسلحة وإعلانها صراحة دعمها لمؤسسة الجيش السوداني . بجانب ذلك ثمة متغير يبدو أنه طرأ على صعيد الأمن القومي المصري، بعد التقارب السوداني الإسرائيلي، فالسودان بالنسبة لمصر كان دولة مواجهة ولكنه الآن بات صديقاً لاسرائيل وهو ربما يحتم على مصر تعديل استراتيجيتها الأمنية وهذا ربما يفسر حرصها على الاحتفاظ بعلاقة دافئة مع الجيش السوداني على نحو يجعل الامساك بالاطار الاستراتيجي للبلدين ومهدداته الثابت الأهم في صعود وهبوط العلاقات . بجانب ذلك تتزامن الزيارة مع انشغالات متزايدة بين الخرطوموالقاهرة حول عدة قضايا اقليمية من بينها "سد النهضة الإثيوبي" و" أمن البحر الأحمر" و" الأوضاع في ليبيا". المنصورة في القاهرة وكانت وزيرة الخارجية د. مريم الصادق أستهلت زيارتها إلى مصر أمس بلقاء الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي، بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري وسفير الخرطوم لدى القاهرة محمد الياس . وقال المتحدث الرسمي بأسم رئاسة الجمهورية المصرية، إن الرئيس السيسي أكد خلال اللقاء مساندة مصر لكافة جهود تعزيز السلام والاستقرار في السودان، بجانب تأكيده أن النهج الاستراتيجي لمصر هو دعم كافة جوانب العلاقات الثنائية مع السودان من اجل التعاون والبناء والتنمية . من جانبها أعربت وزيرة الخارجية عن تطلع السودان لتطوير الجهود المتبادلة للارتقاء بأواصر التعاون المشترك بين البلدين . واجرت وزيرة الخارجية مع نظيرها المصري مباحثات في القاهرة امس، وافد بيان مشترك أن المباحثات تطرقت لسبل وتطوير التعاون في كافة مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدين وعلى رأسها مجال النقل وخاصة من خلال مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين، بما يسهم في فتح آفاق أرحب للتعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، ومشروع الربط الكهربائي بين البلدين والجاري زيادة قدرته من 80 ميجاوات وصولا إلى 300 ميجاوات، وغيرها من سبل التعاون الاخرى. دعم ومخاوف الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي والتواصل الثنائي على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي بين الخرطوموالقاهرة، ربما يحمل أكثر من رسالة ويعني أكثر من جهة خاصة وأن القاهرة الرسمية تستعيد هذا التواصل، بعد ابتعاد ملحوظ خلال العامين الماضيين تزامن مع حملات سياسية وإعلامية ظلت تفسر أن مصر غير حريصة على تجربة الحكم المدني في السودان لاعتبارات متعلقة بمصالحها. يقول الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السفير خالد موسى في تعليقه ل(السوداني)عن التحركات السياسية والدبلوماسية والزيارة المرتقبة للرئيس السيسي إن من الواضح أن توقيت الزيارة جاء باختيار دقيق وتتخطى العلاقات الثنائية للقضايا الإقليمية،باعتبار أن المهددات المشتركة تكمن في فرض الارادة المنفردة لاثيوبيا وتهديدها بملء السد وكذلك القضية الخاصة بمعالجة السد سيما وان الموقف السوداني المصري أصبح اكثر قربا وتشابها في الاهداف . من جانب اخر ينظر السفير خالد موسى للزيارة بانها تعبر عن دعم سياسي لموقف السودان وهو يواجه مناوشات وتوترا في حدوده الشرقية مع اثيوبيا ومع اصرار الجيش السوداني على عدم الانسحاب والتراجع من حدود السيادة الوطنية. ويضيف خالد :" وهي زيارة لديها اشارات مهمة للاقليم ويتوقع ان تحدث تفاهمات في هذه الزيارة لترقية التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتنموية وهي تتويج للوفود الفنية والوزارية بين البلدين" . بالإضافة إلى أنها رسالة للداخل السوداني على ان الحكومة تحظى بدعم الدول الاقليمية المهمة وتسعى لانجاح مهمتها، بتوفير الدعم السياسي لها ويمضي خالد قائلاً :" هدف مصر النهائي في هذا الظرف أنها تريد سودان مستقر وحكومة قوية متماسكة تستطيع التعاون معها على المستوى الثنائي ومواجهة التحديات الإقليمية". لكن خالد يعود للإشارة إلى الجانب المقلق في الزيارة وهي ربما تفسر اثيوبيا هذه الزيارة بانها دعم لموقف السودان لابقاء الوضع علىى ماهو عليه في الحدود ويعتبر السفير خالد موسى هذا يعني أن مساحة المساومات السياسية لحل القضية سيكون ضعيفا وضيقا ويزيد من قلق اثيوبيا على نظرية " وجود طرف ثالث" في التوتر بين البلدين .