فى بداية العام الجديد قبل خمسة أشهر مضت اعتمد البنك المركزي سياسة التحرير المرن لسعر الصرف وهي سياسة مختلفة تماماً عن سياسة التعويم التي ظللنا نرفضها طيلة فترة وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي وذلك لما لها في ظل الظروف الراهنه السياسية والاقتصادية تداعيات خطيرة على الأوضاع المعيشية وعلى قطاع الإنتاج في البلاد لأن متطلبات نجاحها لا تتوفر في الوقت الراهن. ولكن للأسف بعد استقرار نسبي لأسعار الصرف منذ تطبيق سياسة التحرير المرن أعلن بنك السودان الأسبوع الماضي تطبيق سياسة طرح العملات الحرة في مزاد تتنافس فيه البنوك التجارية عبر عملائها لاستيراد سلع استراتيجية. الفكرة في حد ذاتها لا تختلف عن سياسة تعويم الجنيه السوداني مقابل العملات الحرة لأن البنك المركزي وفقاً لهذه السياسة يعتمد سعر المزاد للجنيه السوداني مقابل العملات الحرة ولكن الشيء المتوقع أن السعر الذي تحدده البنوك التجارية لن يكون أقل من سعر الجنيه فى السوق الموازي و ستجد البنوك جميعها لتحصل على عملات البنك المركزي ستتنافس فيما بينها برفع سعر المزاد الأسبوعي. وفقاً لسياسة التعويم الحالية ستكون هنالك علاقة قوية بين سعر الجنيه فى السوق الموازي وسعر المزاد لأنه ليست هنالك مصلحة للبنوك التجارية لانخفاض سعر الصرف في السوق الموازي باعتبارها تتاجر فى الدولار بيعاً وشراءً عبر وسطاء لتحقيق أرباح طائلة لا يمكن تحقيقها في مجالات استثمارية أخرى ونفس الممارسة تمارسها شركات الوساطة المالية في سوق الأوراق المالية وكذلك شركات التأمين وشركات الاتصالات. يمكن القول أن السوق الموازي للدولار أصبح سوقاً تحكمه مؤسسات كبيرة في الاقتصاد السوداني. ولذلك عملياً إذا كانت البنوك تتاجر في الدولار يكون من مصلحتها لتحقيق أرباح أن يستمر سعر الدولار في الصعود وليس الانخفاض والآن سياسة المزاد التي اعتمدها بنك السودان قننت هذه الممارسة ووضعتها في يد البنوك باعتبار أن البنوك هي التي تحدد أسعار الصرف في البنوك وليس البنك المركزي وفقاً للعرض والطلب الحقيقيين. حجم المزاد الأسبوعي في المتوسط سيغطي فقط 15٪ من إجمالي الطلب على العملات الحرة لسلع الاستيراد والباقي سيغطى من السوق الموازي أو السوق الأسود للعملات الحرة. المحصلة النهائية لهذه السياسة استمرار زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني وزيادة أسعار السلع المستوردة بصورة متسارعة وستقود البلاد إلى تضخم انفجاري وحينها سيتراجع عنها البنك المركزي كما هو الحال دوماً بعد تطبيق سياسات كارثية ولكن للأسف دون محاسبة من تسببوا في هذه الكارثة الحتمية. مقولة اينشتاين: الغبي هو من يكرر نفس التجربة على أمل أن يتوصل لنتائج مختلفة. الله المستعان