الوبر إن زاد بسوه بالجزة ، هذا ما فعله القضاء السوداني لمّا تطاول الاستهتار والتعدي على مقدرات الشعب في وضح النهار وجاءت كلمته الفاصلة في هذا المنعطف التاريخي الذي رهن كيان الدولة كله في اتون تجربة سياسية غير ناضجة قوامها التشفي والانتقام وإعادة الأزمة القديمة بذات التفاصيل التي كانت في الإنقاذ ، وقدم الشباب تضحيات فوق العادة في سبيل الانتقال منها الى مربع جديد قوامه وطن مشاع بين كل أهل السودان ، بما ينم عن أن المختطفين الجدد للحكم لم يستوعبوا فكرة ثورة ديسمبر التي صيغت من ظروف رافضة ويائسة من كل الأوضاع السياسية التي لم تورثنا إلا الفقر والمسغبة وسياسيون لا يتجاوز فكرهم المصلحة الشخصية ، عشنا منذ الاستقلال في لغز كبير لم نجد له حلاً ولا تفسيراً غير أن نردد بيت الشعر القديم : العير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول أراض شاسعة ومسطحة وخصبة وممتدة على طول البلاد وعرضها ومياه وفيرة وكنوز يحملها باطن الأرض وفي ظل كل هذه المعطيات التي حبانا بها رب العباد نشتكي الفقر والعجز هذا هو المفهوم القديم الذي سار عليه الشباب. كان العشم أن تقود ثورة ديسمبر غربلة هذه الأوضاع القديمة البالية لاستشراق فجر وطني جديد ونهضة مادية واجتماعية تعود بالخير للسودانيين ، إلا أنه للأسف أختزلت الفكرة المجيدة وحصرت أسباب نكستنا في نفر قليل من منسوبي النظام القديم وجعل شغلها الشاغل في مطاردتهم وقطع أرزاقهم ويا ليت لو كان ذلك في إطار القانون ، بل كانت في إطار التشفي والانتقام لذلك جاءت قرارات القضاء السوداني بإعادة المفصولين في بعض مؤسسات الدولة برداً وسلاماً وأملا جديداً يعيد فينا العزم أننا من الممكن أن نقف مرة أخرى من كبوتنا ونتحدى خيباتنا وانكساراتنا إن توفرت الإرادة نحو الإصلاح والعمل وانتزاع العدل والإنصاف كما فعل قضاؤنا النزيه ، ولعلي أهمس في أذن قضائنا أن الفصل لم يتوقف عند المدنيين كما تعلمون فما حدث في الشرطة تحت مسمى الهيكلة أدهى وأمّر وأوجع باعتبارنا مسؤولين عن تنفيذ القانون الذي خبرناه سنوات طويلة فلم يجد البعض سلواهم إلا باختراق القانون في حماه بإحالة أكثر من ألف ضابط في 27/2/2020م . السادة قضاة السودان في كل مواقعكم أنتم مشاعل النور وحواضن العدل والمجتمع بدون قانون تسقط كل ضماناته وينسف الاستقرار تماماً ، القانون هو الحق وهو في صراع دائم مع الباطل ، والذي إن سكتنا جميعاً يستفحل ويعم القرى والحضر والبر والبحر فلا بد من الوقوف بقوة في وجهه وهذا ما تفعلونه وهذا هو العشم والدور المنشود.