الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وإن سبق السيف العزل: هل وقف د. حمدوك على الجانب الصحيح من التاريخ؟ 2-2
نشر في السوداني يوم 31 - 12 - 2021


who never gives up." Nelson Mandela
هذه الخطوة في الحادي عشر من نوفمبر بتوقيع اتفاق سياسي وصفه د. حمدوك بالاتفاق الإطاري وعاد بموجبه رئيساً للوزراء، بالضرورة تلزمها خطوات اخرى لصيانة الانتقال وتحصينه، يأتي في مقدمة هذه الخطوات تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وهذا التعريف يشمل إعادة تسمية وزراء وحكام للأقاليم مستقلين في المناصب التي تم تخصيصها وفق اتفاق سلام جوبا للجبهة الثورية وحركات الكفاح المسلح، وفق تفاهمات كانت متاحة عبر مبادرة رئيس الوزراء نفسه "الطريق الى الأمام"، لو لا تشبث الأطراف السياسية في الترويكا الحاكمة بتصوراتها (كِلا القحتين 1 و2).
أما اهم هذه الخطوات اللازمة، فهو إعادة صياغة إعلان يوليو السياسي بعد أحداث فض الاعتصام، والذي سبق توقيع الوثيقة الدستورية (وإن لم يذكر هكذا، ولكنه يفهم ويعني أيضاً: فتح الباب أمام إعادة صياغة الوثيقة الدستورية نفسها)، وفق ما أشير اليه في الاتفاق الإطاري في نوفمبر 21، كميثاق سياسي عبر عملية سياسية لا تستثني غير المؤتمر الوطني (1)، ولا بد ان تستوعب هذه العملية بالتأكيد ما طرح من خلال الاتفاق الإطاري الذي تقدمت به الحركة الشعبية بقيادة الرفيق عبد العزيز آدم الحلو مؤخراً، وفي مقدمة هذا ما اثارته الحركة حول انتخاب سلطة انتقالية في جزء الفترة الانتقالية الأخير وفق مقترح تفصيلي حول تقسيم الفترة الانتقالية، لتعزيز قدرة هذا الميثاق لمخاطبة قضايا التأسيس والانفتاح على إكمال عملية السلام، ولا بد هنا من التأكيد على ما ظل يدعو إليه دائماً الرفيق والصديق عبد الواحد محمد نور رئيس (قائد) حركة تحرير السودان (جيش تحرير السودان)، في طرح قضايا التأسيس، والانتباه لطبيعة العملية السياسية التي يدعو لها، وفق افق يختلف عن استنساخ اتفاقيات الانظمة الشمولية في اقتسام السلطة والثورة، وتعزيز اتفاقنا على طريقة ادارتهما أولاً، كمدخل سليم لمخاطبة قضايا الديمقراطية والتنمية وتحقيق العدالة بمفهوم أشمل.
لا يمكن لأي عملية سياسية النجاح دون استيعاب حراك الجماهير وتمثيل قوى الثورة التي بدأت في الانتظام من خلال عمليات البناء القاعدي، بالتالي للانتقال بالثورة الى الدولة (وفق عمليات بناء ديمقراطي للانتقال من الاحتجاج "الحشود" للبناء "تأسيس دولة المحاسبية accountability، والمؤسسات وحكم القانون rule of law")، وذلك عبر خطوات أشمل بإتاحة تمثيل حركة الجماهير "الحاضنة الحقيقية للثورة" في مؤسسات الانتقال لتعزيز دورها خارج سياق الاحتجاج وحده. وهنا لا بد من ترتيب أولوياتنا من خلال تعزيز خطواتنا نحو الديمقراطية عبر بوابة الحكم المحلي أولاً، وضرورة التفكير جدياً في انتخابات مجالسه، بدلاً مما اعتدناه منذ الاستقلال بالتفكير في المجلس التشريعي القومي (كواجب وحيد للممارسة الديمقراطية!): والذي أتاح فقط دولة مركزية، وبشكل قابض ساعد على تناسل القهر السياسي والاعتلال الاقتصادي (متلازمتي الهيمنة والاختلال كإحدى سمات متلازمة الاستعمار الوطني كما يرددها د. جون قرنق، في ظاهرة الدولة الوطنية ما بعد الاستعمار (post-colonial state))، وحال، سياسياً، دون ميلاد الدولة العمومية (inclusive state) في دولة الحكم الوطني بعد الاستعمار!
مخاطبة تاريخ العنف وانتهاكات الدولة الوطنية من قضايا الانتقال الرئيسية، وتطرح الانتهاكات المستمرة بعد سقوط البشير، ومنذ قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، تحد حقيقي أمام مشروع العدالة الانتقالية (2) في السودان كضرورة لتأسيس العدالة للخروج من إرث الدولة العنيفة بعد انتهاء نظرية "القبضة الحديدية" في عالم اليوم وفشل الديكتاتوريات في بسط سلطتها عبرها كما يحدث عندنا في السودان وفق هذه القدرة عند حركة الجماهير لتحدي آلة القمع عند الدولة، أو كيف انتهى سيناريو الثورة في دول تطوّرت قبضتها الحديدية كما في سوريا وليبيا، وحتى مصر، إذ لم تنتهِ الأمور في هذه البلدان أبداً الى ما كانت عليه في السابق، وهي مآلات يجب ان نتوقاها من خلال اي عملية سياسية قادمة، وتبني رؤية مبدئية من خلال مشروع وطني للعدالة الانتقالية لتأسيس العدالة وتحقيقها بشكل يخاطب إنهاء انتهاكات الدولة الممنهجة والمؤسسية، والتي قد تجعل كل الأطراف ضحايا لعنف استمرارها، وبقليل من التمعن في التجارب حولنا (وتجاربنا أيضاً في السابق)، نجد أنه ليس علينا زيادة كلفة التغيير من خلال إعادة الحياة للدائرة المُفرغة والتي أصبحت مفزعة الآن، وذلك بتغليب العقل السلطوي وخياله داخل معسكر الثورة، والذي قد وضح انه يتهدد الثورات بأكثر بما يفعل نفس العقل عند معسكر مناوئيها وأعدائها.
عانى تاريخنا من المسارات المنقوصة والمعارك غير المكتملة، والفصول ناقصة العهد والتطبيق منذ الاستقلال؛ والذي تم استهلاله بنقض توصيات مؤتمر جوبا 1947 من قبل "آباء الاستقلال!" والنكوص عن الحكم الذاتي لجنوب السودان، مما قاد لأطول حرب أهلية في التاريخ الحديث، وتدشين ثقافة نقض العهود والمواثيق من خلال عدم التعاطي الجاد مع هذه العهود والمواثيق!، وعلّ أقرب مثال، زماناً وأثراً لذلك ما حدث في وبعد اتفاقية السلام الشامل في 2005، وملحقاتها في اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي، واتفاق جدة والذي خُصِّص للحزب الاتحادي برئاسة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني. ليقود المسار الناقص (3)، وعدم إكمال أشواطه لانفراط عقد وحدتنا الوطنية بعد انسحاب مرشح الحركة الشعبية لرئاسة السودان في انتخابات 2010، ومواصلة رئيسها سلفا كير لنفس الانتخابات في جنوبه! والسؤال الأهم لمن رشحته الحركة الشعبية وقتها: لن يكون عن انسحابه أبداً، ولكن عن قبوله الترشيح وفق التوازنات داخل الحركة الشعبية ومعرفته بها، وموقعه في هرمها القيادي والذي يجعل من ترشيحه لأعلى منصب في الدولة ابتداءً اعلانا عن عدم الجدية في اكمال هذه المعركة! وتمهيد الطريق امام المؤتمر الوطني للبقاء في السلطة واستمرار دولته، دون عناء المحاولة!، وبدلًا من تحقيق السلام الشامل (والوحدة الجاذبة) انتهينا لدولتين وأكثر من حرب!!
تكرر هذا التاريخ القريب من خلال تحويل كسب ثورة ديسمبر بكل عظمتها لامتيازات على مستوى السلطة، أعانت إرث الدولة القديمة على البقاء، وذلك من خلال عملية تفاوض تم إغفال كل شروط الأهلية عبرها لأسس التفاوض، ورغم ما حققته عملية التفاوض هذه على مضض وبعد رهق، الا ان الاطراف التي وقعت على الاعلان السياسي في يوليو 2019 ولاحقاً الوثيقة الدستورية في اغسطس، هي آخر من يتوجه باللوم للدكتور حمدوك. فقد فاوضت من خلال شروط أفضل لتحقيق اشياء لم تقدر هي نفسها على الالتزام بها، ليتواصل مسلسل نقض العهود والمواثيق، ناهيك عن كون الاتفاق بعد أحداث فض الاعتصام وفق شروط ما قبله كان تنازلاً قاد إليه غياب الرؤية ولهفة الوصول للسلطة لا تأسيس شروطها؛ وفق أهداف الثورة وقيمها في تحقيق الحرية والسلام والعدالة، مما يجعل اتفاق حمدوك والذي وقّعه وهو خارج لتوِّه من الاقامة الجبرية (بغض النظر عن تشكيك "الأذكياء" في هذا) أكثر تقدماً عما حققته الحرية والتغيير مجتمعةً وعلى أجزاء، اذا اعتبرنا اتفاق الجبهة الثورية في جوبا امتداداً ل(مكتسبات قحت!)، وذلك من خلال الفرص التي اهدرها "التكالب" داخل جبهة العمل المدني وسياسة حصد النقاط التي تتواصل في مزايدة هذه القوى على السيد رئيس الوزراء وتكرار مقولة: "وقوفه الآن على الجانب الخاطيء من التاريخ!".
مِن المهم قبل الخضوع لمنطق اي جانب من التاريخ هو الصحيح الوعي بمعنى مفصلية اللحظة في التاريخ، وتاريخية الثورة نفسها، والتي تجعل السؤال بالاساس خاطيئاً، ففي هكذا لحظات مفصلية في تاريخ الشعوب لا يوجد جانب صحيح للتاريخ بعد: ولكننا نكون امام الخضوع للجانب الموجود من التاريخ والاستمرار فيه وفق شروطه وبعث الحياة في هذه الشروط والاستمرار في هذا الجانب غير الصحيح، او صناعة تاريخ جديد، وهذا ما لن يتحقق بتحاشي اكمال مراحل الصراع وخوض اشواط الانتقال لنهاياتها كما في السابق. بذلك يكون د. حمدوك قد طرق بابا جديدًا لم يعتده ساستنا بعد، بعدم الرضوخ لما هو موجود، وبغض النظر عن الدور الذي رسمه هو لنفسه عند تقلده لمنصب رئيس الوزراء، أياً كان، فهو الآن أمام دور رسمته له الأقدار، وهنا الامتحان الحقيقي لاي قائد اذا كان يحركه الطموح وحده، او ينطلق من ايمان مبدئي بقضيته. فقد لا يكون الدور الذي يرسمه لك القدر هو شيء تريده، لكنه كل ما زاد ابتعاداً عما اردته، يكشف أكثر عن وضوح الرؤية عندك، وهو ما يطرح حوله تساؤلا كبيرا شبح استقالة دكتور حمدوك الآن.
قبل المضي في تعزيز الشكوك حول السيد رئيس الوزراء وموقفه الاخير: اود ان اشير لما قام به نيلسون مانديلا في تاريخ الانتقال في جنوب افريقيا وانهاء دولة الفصل العنصري عبر عملية تفاوض ابتدرها مانديلا بنفسه وهو في المعتقل ومنذ ايام الرئيس بوتا (the crocodile!)، قبل ان ينهي فصول الأبارتايد مع الرئيس ديكليرك: فبعد خروجه من المعتقل وبدأ المصالحة التاريخية في جنوب افريقيا عقب تجدد احداث العنف في 92، نتيجة اتفاق مصالح المتشددين hardliners في معسكري السود والبيض في إجهاض طريق المصالحة الذي ابتدره مانديلا، وبعد مذبحة بويباتونج في يونيو 92، والتي نفذها متطرفون سود ضد مدنيين سود ايضا في بلدة بويباتنج اتهم فيها حزب المؤتمر الوطني الافريقي ANC، قوات الشرطة في جنوب افريقيا بالتعاون مع حزب حرية إنكاثا (حزب أغلبيته من الزولو)، واتهم فيها مانديلا؛ الرئيس فريدريك بتنظيم العنف لإشعال نار الكراهية، وذهب لقيادة المؤتمر الافريقي ليقول: يكفي حتى هنا، فلنعد للخنادق، ليعترض وقتها اغلب الحضور ولأول مرة يتصدون للدفاع عن اختياره الحوار! لم يُعرف اذا كانت مناورة خبيثة من مانديلا وقتها أو أنه قصد ذلك، ولكنه لم يكرر ذلك حتى عند انفجار العنف بشكل كارثي مجدداً بعد اغتيال كريس هاني المناضل الجنوب افريقي احد قادة الحزب الشيوعي والقيادي ايضا في حزب المؤتمر الوطني الافريقي (4)، وقائد أركان "رمح الأمة" الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الافريقي. ليتقدم بعدها مانديلا قائدا لجنوب افريقيا في اول حكومة متعددة الاعراق (5) قبل اشهر من اول انتخابات غير عنصرية تشهدها البلاد في ابريل 94 لتنهي نظام الأبارتايد وتشهد اول حكومة وحدة وطنية بمشاركة ديكليرك نفسه نائبا لمانديلا! ورغم الفوز الكاسح للمؤتمر الوطني الافريقي بالأغلبية في هذه الانتخابات!!.
ليس القصد من هذا السرد عقد مقارنة بين اي من الشخصيات في طرفي الانتقال في البلدين، ومع الوعي بطبيعة الدولة وتعقيدات الظاهرة الكولونيالية وفق نموذجين مختلفين، وبالطبع الاستنكار اولى به المؤسسات السياسية من القيادات في البلدين، وعجز الحركة السياسية في دولة (التركيب) عندنا عن تبني رؤى واضحة والاتحاد حولها، عكس ما نجحت فيه نفس الحركة في دولة (الاستيطان) في جنوب افريقيا. لكن يظل موقف د. حمدوك وفق اختياره لخط مغاير عما تعودناه من ساستنا فرصة ربما وجدت من قبل ولم تكتمل إثر رحيل (وفق شبهات مرجحة لاغتياله) د. جون قرنق المفاجيء والمفجع، بعد توقيعه لاتفاق سلام مع حكومة المؤتمر الوطني في 2005، وان كان اتفاق نيفاشا نفسه مسار جدل كاتفاق الخيارات المفتوحة اتاح فقط دولتين وازمات اكثر!. يبقى إعراض اطراف كثيرة في الحركة السياسية وحركة الجماهير عن الفرصة الحقيقية في ما ابتدره د. حمدوك هو التحدي الاكبر امامه، مهمها اتضحت الرؤية عنده، فالافراد يصنعون فرقاً عند وجود مؤسسات حقيقية، وقد يدفع تلويح حمدوك بالاستقالة كلا حركة الجماهير والحركة السياسية لمعرفة تحدياتها الحقيقية، كما فعلت دعوة مانديلا للعودة للخنادق في 92 كما اسلفت، اما في حال تجاوز الامر التلويح (وهي حيلة لا يمكن استخدامها غير مرة واحدة) واصبحت استقالته امرا واقعا، فقد تفتح اذهاننا فقط للتعلم عبر كلفة اضافية واشواط من الشمولية التي يمكن ان تأتي من معسكر مِن هم محسوبون على الثورة الآن، وهو الطريق الذي نحن فيه منذ الاستقلال بحثاً عن فرص مثلها حتى انفرط عقد وحدتنا الوطنية، ولا احد يعرف ماذا سينفرط مجدداً إن نحن فقدناها ولم تعد فرصة.
ختاماً وإن كان لي ان اتقدم برأي للدكتور حمدوك: فعليه البقاء ما استطاع ان يضع شروط التأسيس من خلال موقعه، وهو امر ممكن باكثر مما لو اختار ان يذهب، وما دام قد اختار موقفا قد يُمكِن السودانيات والسودانيين من صناعة هذا الجانب الصحيح من التاريخ والمضي فيه ان عمل على ان يختاروا معه ذلك، وبالطريقة الصعبة المحفوفة بالظنون حتى اللحظة، ومهما اثار انقسامنا اليوم من غبار حول وضوح هذه الرؤية بتوقيع د. حمدوك على اتفاق نوفمبر واحد وعشرين، والتشكيك في كونه أنهى انقلابا كان ليحول دون إنفاذ الانتقال؛ فانقسامنا اليوم ليس ابدا بين من يريدون تغييرا جذريا ومن يقفون ضده، ولكنه في حقيقته: انقسام بين من يطالبون بالديمقراطية ومن يؤمنون بالسلطة!
________________________________
(1)
الاتجاه لعزل المؤتمر الوطني كتدبير رسمي لا يعبر عن موقف مبدئي تجاه الحرية وإن كان الانقلاب الذي قام به قد أُبطِل عبر اتفاقية السلام الشامل في 2005، والاتفاقيات اللاحقة لها مع كل الاطراف السياسية الفاعلة في السودان (وإلا وجب عزل كل هذه الاطراف). لكن الاهم ان هذا الموقف يكشف عن التناقض في قدرة الحركة السياسية على الاتفاق والتسوية مع الجانب الرسمي للنظام ممثلا في قواه النظامية (ويجب الانتباه للتسييس على مستوى كافة اجهزة الدولة وحتى القطاع الخاص، وهو وضع لا بد من مواجهته حتى لو تم تجاوز اللجنة الامنية) وعدم قدرتها على انجاز تسوية مع جانبه المدني، وبما يحقق العدالة من منطلق مبدئي تقدر ان تتيحه حركة الجماهير بدلا من البحث عن طريق مختصر يتجاوز متطلبات تحقيق العدالة (بكامل استحقاقات ذلك) ويتغاضى عن انتصار الثورة وفق مبادئها.
(2)
من المهم ان اشير هنا الى التعارض الذي برز بين الاشارة في الوثيقة الدستورية لمفوضية العدالة الانتقالية ومقترح اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية الذي تقدم به حزب التحالف الوطني السوداني، في يونيو 2020، عبر مصفوفة اولويات الثورة، لكن الاختراق الاوضح هو الرؤية التي تقدم بها استاذ الصادق سمل والد الشهيد عبد الرحمن وبمشاركة اخرين من الضحايا واسرهم والفاعلين في طرح "اللجنة الوطنية المستقلة" كمبادرة مجتمعية قائمة على رؤية الضحايا وذويهم وفق شراكات مع المختصين والمهتمين لطرح نموذج وطني لمشروع العدالة الانتقالية. وهو المقترح الذي تبنى دعمه السيد رئيس الوزاراء من خلال مبادرته "الطريق الى الامام".
(3)
المسار الناقص فيما يختص باتفاقية السلام الشامل يرتبط بالتطورات السياسية بعد مأساة رحيل الدكتور جون قرنق إثر حادث سقوط طائرته القادمة من يوغندا 2005، وتداعيات ذلك في تباين وجهات النظر داخل قيادة الحركة الشعبية بعد رحيله والتغييرات في رؤاها، فقط من المهم هنا الإشارة للدور المختلف الذي لعبه الرفيق عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، والذي كان كقائد الأكثر أهلية لإكمال المسار وفق مواقفه الأكثر مبدئية في رفض التعداد السكاني وخوض انتخابات الإقليم وفق شروط عجزت حيل النظام السابق عن الالتفاف حولها، إلا أن هذا الأداء لم يصبغ أداء الحركة الشعبية ومواقفها على المستوى القومي.
(4)
في بداية الخمسينات قاد مانديلا، انفتاح المؤتمر الوطني الإفريقي على الحركة السياسية في جنوب إفريقيا وحوله لما يمكن أن نسميه أوسع جبهة مقاومة سياسية ضد نظام الأبارتايد، وقاد هذا لأن يكون الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي عضوا في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وفق نموذج متفرد لتجربة حزب المؤتمر، وقد حسم الجدل الذي أُثير حول طبيعة الصراع في جنوب إفريقيا وتعريفه كصراع عنصري توحيد رؤية النضال الجنوب إفريقي تبناه الشيوعيون متنازلين عن التعريف الماركسي التقليدي للصراع كصراع طبقي.
(5)
فريدريك هو آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا. امتدت ولايته من 1989 إلى 1994. قام فريديرك بعدة تعديلات أدت إلى انهاء أبارتيد سنة 1991، كما قاد عدة حوارات مع المجلس الإفريقي القومي بقيادة نيلسون مانديلا أدت إلى تشكيل أول حكومة متعددة الأعراق في تاريخ البلاد. أدت هذه العوامل إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام مُناصفةً مع نيلسون مانديلا سنة 1993.
"المصدر ويكبيديا"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.