واضحٌ وبدون تلطيف كلام، أن المواكب التي تخرج، نجحت حتى الآن (6 يناير)، في استدراج السلطات لعدة مواقف سالبة وليست في صالحها: الأول: الشد العصبي الأمني من تأهب القوات وإنهاك وما يلي ذلك من أخطاء في التعامل. قوة مفرطة تقتل بالرصاص، مشاهد دخان قنابل الغاز والمشهد الميداني، الذي إعلامياً يثبت – غض النظر عن التفاصيل – أنّ الحشود ضخمة ومؤثرة. الثاني: الإجراءات المصاحبة لأيام المواكب صارت تعني إغلاقاً كاملاً للعاصمة؛ الكباري ووسط الخرطوم وقطع خدمات الإنترنت، وهذا يضخم كذلك حالة البيئة المتوترة ويضاعف الآثار المعنوية سلباً وإيجاباً لطرفي المشهد، حيث يضع نقاط الثقل في صالح المواكب مقابل نقاط مخصومة تُشير إلى الارتباك والخوف بالنسبة للحكومة. ثالثاً: استمرار حالات الموت، يضيف قوة عكسية لحراك الشارع، ويُعقِّد حسابات التسوية، بل وقد يدفع كتلة محايدة للمناصرة؛ خاصةً في ظل الفشل في تقديم إجابات منطقية لتفسيرات الموت بالقنص والإصابات المميتة؛ حيث أنّ الأمر لا يقبل تعليل تقدير الموقف الخاطئ، لأنّ الإصابة تعني أن الضارب تخير هدفه ولم يصب ليعطل في مضرب غير مميت. رابعاً: رغم الإجراءات التي تسبق المواكب من اعتقالات وقطع اتصالات، فالتجمعات تتم، وهذا يُشير إلى أن الجهة المخططة نجحت في فعالية الاستجابة للنداء زماناً ومكاناً، وقلصت ترتيبات العمل الميداني الذي يحتاج لمناديب أو عناصر متحركة، والتي حتى إن وجدت، فعلى الأرجح تجد أمامها حدثاً تكتفي فيه بالتوثيق الإعلامي، والذي كذلك تبدو فعالية هؤلاء الشباب أشد وأقوى. خامساً: التعامل الأمني والشرطي، يعتمد فيما أظن نظرية مواجهة المواكب بعد نقاط التجمع وبعد انتظامها في كُتلة كبيرة بالتعويل على معالجات التفريق بالغاز أو الرصاص؛ وهذا حتى حال نجاحه يتم بعد أن تحقّق لطرف الموكب ميزة إحداث الصحة والزخم، وهذا التكتيك يشير إلى أن الجهات الأمنية تخطط وفق نظرية مطلوب منفذ بخيار حائط الصد في ذروة تجمع النقطة النهائية. سادساً: بالمُقابل، واضحٌ أن الجهات التي بالمواكب طوّرت عكس الشرطة، آليات عدم التأثر مع فعاليات العمل الأمني، من حيث كمامات الحماية من الغاز أو قفازات واقية أو حتى طرائق الكر والفر، والأهم من هذا، الحرص في كل موكب على رسم (بورتريه) لفتاة أو شاب أو حتى صبي بالمواكب. سابعاً: الخطاب الدعائي المواكب، لاحظت حتى في قواميس التحرير الإخباري بالفضائيات، صار أكثر استخداماً لترسيخ مطلب إبعاد المكون العسكري، وتراجعت بقية المنقوشات، وهو ما يعني أن السقف ارتفع بنقلة رشيقة من المدنية والديمقراطية لصالح تموضع أساسي وأول شاخصه العسكر. ثامناً: الفقرة السابعة تعني بشكل قاطع أنّه حتى حال إنجاز ميثاق جديد، وغض النظر عن مرجعياته، فالثابت أن الرفض سيستمر والمواكب التي تتصاعد مطالبها من يوم لآخر.