تقتضينا العدالة والموضوعية أن نشيد هذه المرة بالمجلس الوطني الذي طالما انتقدناه في الماضي بأنه تابع للحكومة لا يهش ولا ينش، فقد قام المجلس نوابا وهيئة برلمانية وقيادة بدورهم المطلوب حين أصروا على رفض الزيادة على البنزين فرضخت الحكومة على مضض، ولكن الذي أخشاه أن تتجه الحكومة الى الالتفاف حول رفض الزيادة على البنزين – إن كان حقيقة مدعوما – فتفرض ضرائب ورسوما على سلع أخرى مهمة أو تزيد سعر الدولار الجمركي فترتفع أسعار السلع أو تلغي بنودا تهم المواطنين مثل توظيف الخريجين وغير ذلك من القرارات والإجراءات غير الرشيدة. الحل يكمن في تخفيض النفقات الحكومية الهامشية وغير الضرورية التى لا تشكل أولوية في الصرف. والغريب أن الجهازين السياسي والتنفيذي بشرا بحكومة رشيقة ولكن للأسف تم تكوين حكومة ترضيات متضخمة أثارت استياء شعبيا واسعا ولا زالت العطالة المقنعة موجودة بكثرة داخل الجهازين التنفيذي والسياسي. الميزانية – أي ميزانية في العالم - في مفهومها وجوهرها هي انعكاس لسياسة الحكومة في شكل أرقام وقوائم مالية وتعكس فلسفتها في الحكم حاضرا ومستقبلا وهي كذلك قانون تتبعه قوانين مصاحبة يجيزها البرلمان أيضا وتصبح نافذة وتخضع لمراقبته بحيث لا يجوز تجاوزها أو تحويل بند لآخر الا بموفقة مسبقة من البرلمان والا يكون وزير المالية عرضة للمحاسبة الصارمة قد تصل الى العقاب الشديد..ولا يجوز فرض ضريبة الا بقانون يجيزه البرلمان اذا حدث طارئ وأسباب مقنعة أثناء فترة الموازنة. وللمراجع العام دور أساسي في الانضباط المالي وكشف التجاوزات والفساد. التعريف الأشمل والحقيقي للفساد ليس فقط تجاوزات أو رشاوى أو اختلاسات موظفين صغرت أم كبرت اضطرتهم ظروف الحياة الضاغطة وضعف المرتبات وارتفاع تكاليف المعيشة وسداد التزامات لتعليم أبنائهم أو العلاج في وقت رفعت فيه الحكومة يدها عن دعم التعليم والصحة بل الفساد أوسع وأشمل من ذلك، فهناك الفساد المؤسسي وهناك فساد استخدام السلطة والكنكشة فيها دون حسيب أو رقيب وفى غياب المؤسسية والشورى والديمقراطية الحقيقية داخل الأحزاب حاكمة أو معارضة فكيف لمن يحتكر القرار وقيادة الكيان السياسي أو الاجتماعي أن يتحدث عن محاربة الفساد؟ سوريا الى أين؟ فشلت الجامعة العربية حتى الآن في اتخاذ القرار الحاسم تجاه سوريا وبطش النظام وجرائمه التي تتكرر يوميا فيستشهد على اثر المظاهرات السلمية العشرات كل يوم وهم عزل الا من ايمانهم بقضيتهم. تقول اللجنة الوزارية إأنها سترفع الأمر الى مجلس الأمن ولكن كان الأولى بها أن تتخذ نفس القرار التي اتخذته تجاه نظام القذافي وتطلب من مجلس الأمن أن يتدخل لحماية المدنيين فورا دون إبطاء بل على محكمة الجنايات الدولية أن توجه الاتهام للقيادة السورية وأن تطالب جامعة الدول العربية كل الدول المنضوية تحتها قطع علاقاتها بالنظام السوري وتطرد سفراء النظام البعثي القمعي الدموي بل تعترف بالمجلس الوطني السوري المعارض. هذا أقل ما يجب أن تفعله الجامعة مثلما فعلت مع نظام القذافي ولا تكرس الازدواجية في المواقف. القذافي وجرائم الحرب مثلما تعجبت من التصريح البائس السطحي لمدعي الجنايات أوكامبو في محكمة لاهاي بأن قتل القذافي على أيدي الثوار يعتبر من جرائم الحرب، تعجبت كذلك من طلب ابنة القذافي عائشة بالتحقيق ومحاكمة الثوار الذين أعدموا القذافي في محكمة الجنايات الدولية!! ومصدر تعجبي أمران فأين كان مدعي الجنايات وهذه المدعية عائشة حينما كان المجرم القذافي وكتائبه – مثل بشار الأسد وشبيحته – يعدمون الليبيين بدم بارد بعد ممارسة تعذيبهم؟ ثم أن القذافى اعدم بواسطة الثوار وهو يحاربهم وسلاحه في يده ولم يكن مسجونا ينتظر المحاكمة مثل ابنه سيف مثلا الذى سيحاكم محاكمة عادلة..