قال رئيس تحرير صحيفة (القوات المسلحة)، العقيد إبراهيم الحوري في افتتاحيته التي كتبها بعنوان (ساعة الصفر) في العدد 6543 بتاريخ 13 سبتمبر 2022: " "المسرح السياسي في السودان هذه الأيام لا تنقضي عجائبه وأطواره الغريبة الي تتبناها الكيانات والأحزاب، فهم تارة مع الوسطاء، وتارة ضدهم، وتارة ينادون بالديموقراطية ويدوسون على معانيها بأقدامهم في مراهقة سياسية أضحكت حتى الوسطاء من الخارج". لقد جسَّد الحوري بكلماته هذه ما تمور به ساحتنا السياسية من تخبط وفوضى، وصوَّرَ بدقة هرجلة الممثلين على المنصة، فمن يُماري في ما سجلته عدسته الراصدة؟ لا أحد. وتابع: "إنّ الجيش لديه ساعة صفر يحتفظ من خلالها بالقرارات التي تُلبِّي أشواق وطموحات السودانيين التي تتوق لحكومة وطنية بفترة انتقالية تمهد لانتخابات يقول فيها الشعب كلمته". حديث ينفُذ إلى الصميم، تشريح عالي المهنية، قلم كمشرط جراح، تنبيه كان أجدى بالتصريح به قائد القوات المسلحة طالما ظلت حالة الاحتقان السياسي التي تُهدِّد وجود السودان ماثلة ومُخيفة، إذ لابد من فرض حلول للخروج من المتاهة بعد أن عجز دُعاة المدنية عن تحويل شعارها إلى فعل، وتطبيقها واقعاً؛ سيما وأن الفرص كانت ولا زالت متاحة ومتواترة أمامهم لإنقاذ البلاد من تراجيديا الافتتان والاقتتال والسيولة الأمنية، وهشاشة الاقتصاد. حديث الرجل سيُحدِث دون شك وقعاً شديدًا على صدور رواد القاعات والغرف المظلمة وقادة المظاهرات و(المليونيات)، ويُحرِّك لديهم دوافع الهجوم على الجيش، ويُتَّخَذ تحذيره مبرِّرًا كافياً لاستثارة شهوات المُتربِّصين به في الداخل الذين يستخدمهم مَكْر الخارج مجرَّد (زمبلك) لشحنهم وإلهاب غفلتهم أو تواطئهم لمواصلة رفع الشعار المسموم: (تفكيك الجيش)؛ بينما كان أحرى بهم تفكيك جمود أفكارهم وطلاسم رؤاهم المستعصية على التنازل، ثم الاتفاق والتوافق من أجل المواطن الذي يلعق مرارة الاختلاف، ويُعاني حالة الكساح التي تُكبِّل وطنية صُنَّاع مشهدنا السياسي. لا جدال في أن (القنبلة) التي أطلقها الحوري مُحذُّراً من بؤس مستوى الأداء التمثيلي على المسرح السياسي؛ سيزيد نفث فحيح الأفاعي المُتحفِّزة أصلاّ للانقضاض على الجيش وغرز أسنانها عالية السُّمية في جسده، وهي اساساً في حالة استعداد متصل ومتواصل لإزاحة (البِزَّة العسكرية) من المشهد الوطني نهائيًّا، وكأنما العسكر وجود طُفيلي في حديقتهم الخاصة، كأنهم (أجانب) لا يحملون بطاقات هويَّة، وأذيال وفلول تفتقر إلى الإحساس بالوطن. صحيح أن لهجته تحذيرية؛ لكنها لا تعني إطلاقاً عودة العسكر إلى الساحة السياسية؛ وإنما هي كلمات تُشكِّل لسان حال كل من يغلي قلبه كالمرجل حسرة على وطن يقتله أبناؤه دون أن ترمش لهم عيون أو تخفق لهم قلوب إشفاقاً وأسى وحزناً. ودفعت الحميَّة الوطنية، والانفعال بحال الزراية والامتهان التي يعاني منها المواطن الحوري إلى أن يُطالب كل القوى المدنية بتوحيد صفها، لتكوين حكومتها بمطلق الحرية، ثم ارتفعت نبرته في تحذيره: "أما إذا لم تواكب ضخامة المسؤولية وحساسية المرحلة، وتصلح من شأنها، وتتستّر على فشلها بدعاوى هيكلة القوات المسلحة، فإنّ الجيش عندها – باعتباره الشريك الأساسي في الثورة والتغيير مع شعبه – لن ينتظر أحزاباً لا يجمعها التوافق على حد أدنى من برنامج وطني متفق". ليطمئن الرُّماة الذين لا يُحسنون الرَّمي والتصويب، ويجهلون شكيمة العملاق المستهدف؛ أن العقيد الحوري ليس ناطقاً باسم الجيش، ولا تحمل كلماته تهديدًا مُبطَّناً بعودة القبضة العسكريةرعلى مفاصل السلطة؛ وإنما هي رؤية خاصة لشخص وإعلامي مُنتمٍ لوطنه، وذي عقيدة عسكرية صارمة أقسم على احترامها، وعلى صيانة الوطن وترابه ومقدراته، ويرى أن التهاون في ذلك خيانة وطنية تستوجب عقاباً صارماً، وفوق ذلك فهو مواطن تُعاني أسرته الصغيرة والممتدة من هذه الأوضاع الأليمة، ويحس بوجع أرحامه وأقربائه وأهل الحي، ويستشعر بؤس الأشباح السائحة في الشوارع والطرقات، أفلا ينفعل بما آل إليه المشهد؟! استعار لسان (محمد أحمد) وخاطبكم، فلا تحمِّلوا دلالات حديثه أكثر مما هدف إليه.