ما يزال أكثر من (3) آلاف جثمان بمشارح ولاية الخرطوم يعاني من الصراعات السياسية والطبية، ولحين الوصول إلى قرار نهائي بدفنها، تظل (الفئران) تاكل جزءاً كبيراً منها وتتكاثر، ربما هي المستفيد الوحيد من هذه الأزمة التي وصفت باللادينية واللا إنسانية، لأن (إكرام الميت دفنه) . ربما المواطن السوداني هو الوحيد الذي يعاني في الحياة وبعد الموت، رغم مرور (3) سنوات على تلك الكارثة الإنسانية، لا أحد يعلم ما ستؤول إليه، والحل في رحم الغيب.
امتلأت ثلاجات المشارح بالجثامين، ولكثرتها تم وضع بعضها في الأرض في منظر يدمي القلوب، لا يمكنك أن تقترب من المشرحة بسبب الروائح المنبعثة منها، ومن على البعد يمكنك رؤية السوائل الناتجة عن تحلل الجثامين، الأحياء المجاورة للمشارح ظلت تشكو من حشرات ومشاكل بيئية، وناشدت الجهات المختصة ضرورة إيجاد حل لتلك لمشكل لحين البت في أمر الجثامين. مدير هيئة الطب العدلي، هشام زين العابدين، أشار، في تصريح ل(السوداني)، إلى أن الجثامين تحللت وإذا لم يتم تشريحها بالسرعة المطلوبة، سيتم فقدان أدلة، وعند كتابة التقرير الطبي نوضح أنه تعذر معرفة سبب الوفاة. مشيراً إلى أن عدم دفن الجثامين خوف من الشارع، وبهذا دخلت السياسة في الطب الشرعي، وأضاف: "أصبح الأمر متاجرة بالجثامين، ويفهِّموا الشارع أن مجهولي الهوية في المشارح من فض اعتصام القيادة العامة، لمساومة العساكر) . قصي وودعكر: وبررت أسر المفقودين تمسكها بضرورة أن يتم التشريح بواسطة فريق طبي من الخارج، لعدم ثقتهم في التشريح من قيبل هيئة الطب العدلي، مشيرين إلى أنه في وقت سابق تم التلاعب في التقرير الطبي لبعض الشهداء . نهاية مايو الماضي، أعلنت لجان مقاومة مشرحة التميز والجريف شرق العُثور اشتباهاً على جثمان محمد إسماعيل، الشهير ب"ود عكر" في مشرحة التميز بالخرطوم، بواسطة لجنة طب الأسنان العدلي ومبادرة مفقود، وعقب تتبع مسار الجثمان وُجد أن الجثة دخلت المشرحة بتاريخ 4 أبريل . وتم العثور على جثمان الشهيد قصي حمدتو بالمشرحة بعد أربعة أشهر من استشهاده في مجزرة القيادة العامة. نخاف الله: رئيس المجلس الاستشاري للطب الشرعي بوزارة الصحة الاتحادية، ورئيس اتحاد الأطباء العرب، د.عقيل سوار الذهب، أشار في تصريح ل(السوداني) إلى أنهم يخافون الله ويتعاملون مع الجثامين بطريقة أخلاقية وفق البرتوكولات العالمية، وقال: "نحترم رأي أي شخص في هذه الكارثة القومية التي مست الطب في المقام الأول، والطب الشرعي في المقام الثاني، وهيبة الإنسان الذي كرمة الله حياً وميتاً". وأضاف: "نحن لا نقول كلاماً مزيفاً، بل حقيقة واقعية على ما حدث في العام 2019، وقلنا بالصوت العالي عندما تقلد هاشم فقيري منصب مدير هيئة الطب العدلي وفعل ما فعل بالمشارح، وضرب بحديثنا عرض الحائط، واتهم كل الأطباء باتهامات باطلة وسوق لنفسه بما ينتظره الآخرون من مكاسب دنيوية ليست للموتى علاقة بها". مشيراً إلى أن الأطباء الشرعيين الموجودون داخل وخارج الخرطوم قليلون جداً – لم يذكر رقم- وهم أطباء علي مثل وأخلاق ويحملون أعباء لا يستطيع أي طبيب أن يحملها، لافتاً إلى أنهم يسهرون الليل لمواساة المقتول والمتوفى طبيعياً، أو في أي حادث آخر، وأن عملهم شاق أمام استدعاءات المحاكم وتحريات النيابة ويوميات التحري والتقصي مع خبراء الشرطة . ورفض الاتهامات التي توجه إليهم، وقال: "ارفعوا أيديكم عن الأطباء الشرعيين، الطب الشرعي خط أحمر هم حملة العلم والقيم" وأضاف: "ليست لنا أي علاقة بما حدث بهذه الجثامين، وتسلمنا أوامر من هيئة الطب الشرعي السابقة التي كان يرأسها هاشم فقيري، وذكر لنا أن لا نشرح أو ندفن أي جثمان، وأن هذا الأمر من لجنة المفقودين التي كانت لها سلطات النائب العام في كل شيء". مشيراً إلى أنه عندما وصل عد الجثامين إلى (600) جثة تنادينا جميعاً كأطباء شرعيين في مؤتمر صحفي وذكرنا للصحافيين أن حديثنا حديث صادق وواعٍ وتحفه الأمانة والصدق والنبل والأخلاق الطبية القويمة، وذكرنا ما ذكره هاشم فقير ومدير وزارة الصحة السابق، محجوب منوفلي، في هذه العملية التي تتنافى مع أساسيات وأخلاق الطب، لافتاً إلى أن عدداً من الأطباء الشرعيين قدموا استقالاتهم، وقال: "نرفع الأكف إلى الله أن تنتهي هذه الكارثة المؤلمة التي أرقت المواطن والقاص والداني" . قرار الدفن: وكان النائب العام المكلف، خليفة أحمد خليفة، أصدر قراراً بدفن الجثامين المتكدسة بالمشارح، ووجه بناءً على تصريحاتٍ صحفيةٍ لمدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم، د. هشام زين العابدين، الأحد، الذي أكد أن أكثر من ثلاثة آلاف من الجثامين مجهولة الهُوية متكدسة منذ العام 2019 بالمشارح، وجه هيئة الطب العدلي بالشروع الفوري في التشريح وفقاً للضوابط والبروتوكولات العالمية ذات الصلة، وأن يستصحب أصحاب المصلحة وأسر الضحايا ولجنة المفقودين . قبر الأدلة : اعتبرت لجنة الأطباء دفن ثلاثة آلاف جثمان مجهولة الهوية بمشارح العاصمة الخرطوم بمثابة محاولة لقبر أدلة القتل الممنهج عن طريق سلاح الدولة . وقالت اللجنة، في بيان إنها تقرأ القرار "في سياق انتهاكات الحكم العسكري والسجل الخاص بتعامل الأجهزة العدلية مع ضحايا الثورة، وبأنها محاولة لدفن الأدلة التي تُدين القتل الممنهج عن طريق سلاح الدولة". واعتبرت لجنة الأطباء دفن ثلاثة آلاف جثمان مجهولة الهوية بمشارح العاصمة الخرطوم بمثابة محاولة لقبر أدلة القتل الممنهج عن طريق سلاح الدولة. وطالبت باتخاذ (6) تدابير لحفظ حقوق المتوفين مجهولي الهوية في العدالة، من بينها وجود شهادة الوفاة ومعلومات الشرطي الذي سلم أي جثة إلى المشرحة، إضافة إلى ترقيم الجثامين بأرقام متسلسلة وربطها بالبيانات والنتائج التي جرى التوصل إليها. ودعت اللجنة إلى تصوير أي جثة بواسطة الأدلة الجنائية التابعة لقوات الشرطة، مع أخذ بصمات الأصابع والبصمة الوراثية والصور الشكلية للإنسان وتحريز مقتنيات المتوفى. لجنة المفقودين تعلق أعلن المتحدث الرسمي والعضو في لجنة اختفاء الأشخاص، نصر الدين يوسف، في تصريح سابق، عن رفضهم دفن الجثامين مجهولة الهوية في مشارح العاصمة الخرطوم، دون استصحاب التحقيقات التي أجريت في وقت سابق. وأشار إلى أن التحقيقات التي أجرتها اللجنة توصلت إلى حقائق بموجبها قيّدت دعاوى جنائية ضد أفراد تابعين لهيئة الطب العدلي. وتحدث يوسف عن دفن اللجنة (45) جثة مجهولة الهوية في 2021، ضمن مشروع لقبر جميع الجثامين الموجودة في المشارح، لكنه توقف بسبب الصراع داخل الطب العدلي الذي تجلى بصورة واضحة بشأن جثمان ود عكر." وفي أواخر مايو 2021، قررت لجنة اختفاء الأشخاص إعادة تشريح جثمان الناشط محمد إسماعيل "ود عكر"، لشكوكها في التقرير الأول الذي قال إنه "تعذر معرفة أسباب الوفاة"، فيما أوضح التقرير الثاني إن سبب الوفاة تعرض القتيل ل "تعذيب". وقال يوسف إن لجنة المفقودين تتابع بحرص "الأمر المتعلق بدفن الجثامين المتراكمة، ويجب قبرها، مع الوضع في الاعتبار التحقيقات التي أجريناها، ونحن الآن نعقد سلسلة اجتماعات بغرض التوصل إلى رؤية تراعي ظروف الملابسات المحيطة". وأعلن عزمهم توصيل رؤيتهم قيد الإعداد، إلى النائب العام ووزارة الصحة ووالي ولاية الخرطوم والمنظمات الدولية، فور الفراغ منها. وتحقق لجنة المفقودين في مصير عشرات الأشخاص الذين تم فقدهم في محيط القيادة العامة للجيش خلال فض اعتصام الثوار أمام مقر القيادة في 3 يونيو 2019 والأيام التي تلت تلك الأحداث. وتلازم اعتراضات مكثفة عمليات دفن الجثث مجهولة الهوية نظراً لاحتمال وجود ضحايا الاختفاء القسري بين ثلاث آلاف جثمان مكدسة في ثلاث مشارح فقط، إحداها توقفت عن العمل.