كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنرال حسن فضل المولى يحلق في سَمَاوَاتٍ (جمهورية الحب) ويكتب: الحلنقي .. عصافير الخريف
نشر في السوداني يوم 30 - 11 - 2022


الحلوة في أعماقي فتح
و ابتدا القلب العاش
العمر في آهاتو يفرح
و الزمن ما أظن بعدك
يرجع تاني يجرح) ..
هذا ( حلنقي ) ..
و هو إذ يفرح ..
يُمَنِّي النفسَ بزمنٍ لا يجْرَح ..
و أنى لنا بذلك الزمن الذي لا يجْرَح !!
و جُلّ الذي حولنا يُدْمِي و يجْرَح ..

لقد أتَيْتُ بمَعِيِّته، وكم كنت
سعيداً بذلك ..
و عندما قدمه صديقُنا اللطيف الفذ ( طارق كبلو ) ، والمذيعُ الفَذُ بين الناس عُنوانٌ ، ليتحدث في ليلة تأبين الراحل الدكتور ( عثمان مصطفى ) ، وهي تلك الليلة الليلاء ، التي تجلى في إخراجها النجم الثاقب (شكرالله ) ، لم يزد ( حلنقي ) ، على أن قرأ بصوت موجوعٍ واجِفٍ راجف جانباً من كلمات الأغنية التي جمعت بينهما ..
( راح الميعاد وزماني راح
و الجُرح لا نام لا استراح
لكني مُتْكتِّم عليهو
من جراح أحب جراح ) ..
و هي المنظومة التي أفرغ فيها حِمماً
حارقة من الشجن والصبابة و التحَسُّر ..
( ياريتني لو أقدر أعيد
لحظات من الماضي البعيد ) ..
رحمة الله تغشاك ( عثمان ) ، فقد
جعلت للغناء ، في بلادي ، ألَقَاً
و قوةً و نكهةً و نهجاً لا يُجارى ..

وبِطَلَبٍ مني ، كان قد أهداني للتو ديوانه ( عصافير الخريف )، ونحن نلتقي في أيْكَة ( شيخ الأمين ).
و الأيكة الشجر الكثيف المُلْتَف ،
حيث تتكاثر العصافير من كل لون ..
و كما أن ( حلنقي ) مولعٌ بالتغني للعصافير ، فإن (شيخ الأمين ) من يُهييء لها ( الأعشاش ) فيطيب لها المقام ، في حِمَىً ملؤه السكينة
و الصلاة على خير الأنام ..
و جاء في إهدائه لي ..
( جنرال الذكريات الجميلة ..
أمامك هذه العصافير ، فكُنْ لها
أعشاشاً تأوي إليها عند المساء ..
أخوك إسحق الحلنقي ) ..
سمعاً وطاعةً ياسيدي ( إسحق ) ..
فأنا من أودَع العصافير قلبَه وحمَّلها أشواقَه في حِلِها ورحيلها ..
(هجرة عصافير الخريف
في موسم الشوق الحلو
هيج رحيلا مع الغروب
إحساس غلبني اتحملو
و كتمت أشواق الحنين
داير الدموع يَتّقَلو
و رجعت خليت الدموع
يرتاحو مني و ينزلو
ليه ياعصافير الخريف
خضرة مشاعري أشيلا صيف ) ..
هذه الأُنشودة المُلتَهِبة بالحنين والأنين ، لا أمَلُّ سماعها من فمٍ عذب التطريب ، أحيَّا بغنائه النفوس ونضَّر الجوانح..
( محمد وردي ) ..
و ( وردي ) و ( حلنقي ) عندما يلتقيان ، تَطُولُ أعمارٌ و تُطْوَى مسافات و تستضيءُ مُهَجٌ ..
( أقابلك في زمن ماشي
وزمن جايي و زمن لسه
أشوف الماضي فيك باكر
أريت باكر يكون هسَّه ) ..
هما توأم روح و وجدان ..
روى ( حلنقي ) أن ( وردي ) قال له مرة : ( عايز لي أغنية حِنَينَة و لطيفة تكون سُكرة كِدة )، فكانت:
( الحِنينة السُّكرة ) ..
و كان ( وردي ) يخاطب جمهوره :
( أبَكِّي ليكم حلنقي ؟ ) ، فيغني ..
( دوري دوري يا أيام ) ..
و هو يعلم أن هذه الأغنية ، تُوجِع ( حلنقي ) و تأسره و تُزلزِله ..
و قناعتي ..
إذا ما ساءتنا أفعالُ أقوامٍ ، من
حولنا ، و هم يُوقِدُون النيران في
تجاوِيفِنا ، و يَمْتَّصُون دماءنا ،
و يسحقون عظامَنا ، و يَئدُون
أحلاَمنا ، فإن لنا في ( حلنقي )
و ثُلَّتهُ عزاء ، و هم يُداوون جراحَنا ، و يُدْهِبون غَيظَ أنفسنا ، و يَمُدُوننا بمسراتٍ تستحيل الحياة على وهَجِها نعيماً و حباً عظيماً ..
و لا يواتيني هنا وصفٌ أخلعه على ( حلنقي ) ، أبلغ من مطلع قصيدته ، التي صدح بها الفنان الغِرِّيِد (الطيب عبدالله ) :
( إنت يا الأبيض ضميرك
صافي زي قلب الرضيع ) ..
و ضمير بهذا الصفاء و هذا البياض ،
ليس بعسير عليه أن تنقاد له مواكب
الجمال و هالات الضياء ، فينسج منها
كلاماً في لون الشفق ، و بهاء مطلع
الفجر ، و حرارة أنفاس العاشقين ..
( يا أعزَّ الناس حبايبك نحنا
زيدنا قليل حنان
ده العمر زادت غلاوتو معاك
و صالحني الزمان
يا أحنَّ الناس ) ..
و ليس في حياتنا من أحدٍ ليس له عزيزٌ أعزّ ، صيَّره (حلنقي ) ، برقيق كلامه و ذوب أنفاسه ، مُوحِياً للتَذَكُّر ِ و الصبابة ، و نداءات الروح الحفيَّةِ الخفِيَّةِ ..
( انت بتضوي ابتسامة
و انت بتظلل قمامة
يا ما هوَّنت القواسي
يا ما كم فرَّحْت يا ما
اللي تايه عمرو كلو
يلقى في دربك سلامة
العمر قربك يفرهد
و السنين يرحل ظلاما ) ..
و أيضاً ..
( عيش معاي الحب
عيش معاي حناني
خليني أنسى سنين
عشتهم وحداني ) ..
و هنا عندما تستمع إلى ( حلنقي )
و ( صالح الضي ) ، يجعلان منك بشراً يمشي على الماء ، و يتوشح بالضياء ، تحت تأثير ..
( أنا ما بسيبو غرامك
رضيان معاك بي شقايا
لمتين طريقك يَقْصَر
تعرف نهايتو خُطايا ) ..

و أنا بيني و ( حلنقي ) محبة و قُرْبى ، نبتت في براحات أخي الحبيب ( صلاح أحمد إدريس ) ، التي كانت عامِرة بالصفاء و الهناء ، و غامِر الاحتفاء ، و معسول الغِناء ..
و قد حَظِيتُ بمعايشة ميلاد أغنيات زاهيات ، من نسج (الحلنقي) و تطريز ( صلاح ) و لمسات (محمدية) ..
فتغنى الكروان ( حمد الريح ) ..
( تعيش وحداني أيه ذنبك
يا عطشان و البحر جنبك ) ..
و هو ماسبق إليه طرفة بن العبد ..
( و أمرُّ ما لاقيت من ألم الهوى
قرب الحبيب و ما إليه و صول )
و الملك (جمال فرفور) ..
( على صفق العنب إسمين
كتبناهم بدمع العين ) ..
و المرهف ( عادل مسلم ) ..
( ما عليّ لو جات مواكب
ولا فاتتني المراكب
القمر مادام معايا
أعمل أيه أنا بالكواكب ) ..
و الفخيم ( سيف الجامعة ) ..
( أعذريني الدمعة دي
حتبقى آخر دمعة ليَّ
تاني لو قرَّبت منك
يبقى ليكِ الحق عليَّ )
و آخرون ..

و لما كان المرء ابن بيئته ، تجد رحيق وعبق ( كسلا ) في أنفاس ( حلنقي ) و أشعاره و تجلياته و تصاريفه..
و كثيرون مثلي لم يروا ( كسلا ) و لكنها حاضرة في وجدانهم ، لِما ذاع عنها من جمال و بهاء ، من خلال أشعارٍ رفعتها مكاناً عليِّاً ، وهي تتغزل في ( قاشها ) و ( توتيلها ) و ( أُناسها ) ..
فهناك رائعة توفيق صالح جبريل ..
( يا ابنة القاش إن سرى الطيف وهْنَاً
و اعتلى هائماً فكيف لحاقي ؟
و المنى بين خصرها و يديها
و السنى في ابتسامها البرَّاق
(كسلا) أشرقت بها شمس وجدي
فَهْي في الحق جنةُ الاشراق ) ..
و هذا الوريف ( عبدالوهاب هلاوي ) ،
و الذي عمَّده ( حلنقي ) نائباً له في (جمهورية الحب المتحدة) لغرامه و تعلُقِه ( بكسلا ) ..
( مين علمك يا فراش
تعشق عيون القاش
الخضرة في الضفة
و همس النسيم الماش ) ..
و يظل ( حلنقي ) حاضراً ، و مُتيماً ،
و وفيَّاً ، و مُورِقاً ..
( حبيت عشانك كسلا
و خليت دياري عشانك
و عشقت أرض التاكا
الشاربه من ريحانك ) ..
و هي الكلمات التي جعلها الفنان
الإنسان إبن كسلا البار ( التاج مكي ) تفيض عذوبة وتضوع دِفءً و تَشِعُ بريقاً ..
و ( التاج مكي ) حينما يُعانق ( الحلنقي ) ، ينْفُثُ فيك سحراً و سروراً
و ابتهاجاً ، بصوتٍ غنيّ النبرات
و احساسٍ و لا أروع و لا أجمل و لا أعمق ..
( دار الفرح و الريد
تلقاني من أهلا
مين اللي ما بعرف
طيبة شباب كسلا
وسط الضفاير بان
وجه القمر طلا
كيف قلبي يصَبَّر
صبرني يا الله ) ..

الله يصبرك يا (حلنقي ) ، ويصبرنا معاك ، و أنت تقاسي رَهَق الانتظار ..
( عَدَّت لحظات و كمان ساعات
طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
و نعاين الشارع نلقاهو
تايه في دموع المغلوبين )
و الله يصبرك و يثبتك عند اللُّقيا ..
( أقابلك و كلي حِنِيَّة
و اخاف من نظرتك ليَّا
أخاف شوق العمر كلو
يفاجأك يوم في عينيا
ورا البسمات كتمت دموع
بكيت من غير تحس بيا ) ..
و الله يصبرك على مُر الجفا ..
( كِدَه الأيام تبدل فيك
تشيل مني ابتسامتك ديك
و أنا لو هبَت النسمة
أخاف النسمة تقسى عليك
كِده الأيام تبدل فيك ؟ ) ..
و الله يصبرك و أنت تكتوي بنيران الغُرْبَة ..
( ياراجياني و ما ناسياني
يا ما الغُرْبة بتتحداني
و أنا بتحدى الزمن الجاير
لو في بعدك يتحداني ) ..
و الله يصبرك على ما تجري به المقادير ..
( ماشي أمرك ياقدر
إنت أحكامك مُطَاعة
لو حصل نحن افترقنا
و الليالي الهم أضاعا
لمْسة الذكرى المعايا
تبقى زاد روحي و متاعا ) ..
و هي الكلمات التي ألبسها الأستاذ
( صلاح مصطفى ) ، حلة زاهية بعبقريته المُتَّقِدة و صوته العذب و روحه الشفيفة ..
و ( حلنقي ) بهذا ، و في كل خطواته المشاها ، لم يكن يُعَبِّر عن ذاته ، بل كان تُرجماناً صادقاً لما يعتاد النفوس ، من لواعج و مشاعر و تجَليِّات و تقلُبات ..
لذلك فقد أحسن صُنعاً من أطلق
عليه ( رئيس جمهورية الحب ) ،
و لعله الصحفي المطبوع (طلحة الشفيع) ..
إذ ظل يُبشِر بالحب و يهدي المحبين زيت القنديل و زاد الطريق و لُفافات الصبر ، و يضيئ أرجاءهم بأنوار اليقين ،
و قَيم الصدق والإخلاص ،،
و هذا هو عين الحب ..
أن تزرع في طريق من تحبهم وروداً
و مسرات ..
وتُومِضُ في خيالهم ألف حكاية جميلة ..
و تُحْيي قلوبهم بدفقاتٍ صادقة من
النبل والتسامي ..
دون ان تنتظر ما يُقابل ذلك و يُكافئه ..
لذا الحب في شريعة ( حلنقي ) حالة
من الرضى ..
( عشة صغيرة كفاية علينا
نعرشة ليك برموش عينينا
نفرشة ليك بحرير أيدينا ) ..
و حالة من التعَلُّق ..
( نجمة نجمة الليل نعدو
و السنين ياحليلنا عدو
إنت ماعارف عيونك
لما تسرح وين بودو ) ..
و حالة من الترقُّب ..
( أيه يضيرك تسأل
يوم علي ياغالي
و انت وحدك عارف
همي عارف حالي
كيف أواصل صبري
في الطريق الخالي
كيف بدونك تصبح
الليالي ليالي ؟ ) ..
و حالة من الرجاء ..
( أسمعنا مرة
و حاتنا عندك أسمعنا مرة
الدنيا تبقى مافيها مُرة
و الكون يلالي بهجة و مسرة
حِن في عمرنا شايفنو مرة
و إن قلت لا لا هم واستمرا )
و حالة من المناجاة الكظيمة ..
( بتتعلم من الأيام
مصيرك بكرة تتعلم
و تعرف كيف يكون الريد
و ليه الناس بتتألم ) ..
و حالة من ( النسمة البتحرق شوق ) الفنان الصومالي ( أحمد ربشة ) ..
و حالة من الاندهاش ..
و حالة من الاندياح ..
و حالة من التسامح ..
و حالة من التلاشي ..
و حالة ..
وحالة ..

( حلنقي ) ..
في كل أحواله هذه ، تجده قد أنشأ لنفسه مملكة للجمال ، لا يدخلها إلا من امتلأت نفسُه جمالاً ، أو من
ينشد الجمال و يتدثر بالجمال .. تموج بالطيور ، و تَغُصُّ بالأزاهير ..من كل جِنسٍ ومن كل لون .. و تحِيَّةُ أهلِها حلو الكلام و عذب الأماني ..
تجد ( محمد الأمين ) ، يُشجيك و يُسبيك ، و أنت تَنعَمُ بالاصغاء إليه ، و هو الذي ترجم ( لحلنقي ) أصفى و أعذب ما جاشت به الصدور ، من أحاسيس و مشاعر ، بصوت ٍ يجعل الأفئدة يتسارع خفقانُها ، وهو من قال إنه قد تغنى بأجمل أشعار ( حلنقي ) ..
( شال النوار ظلل بيتنا
من بهجة و عدك ماجيتنا
و فضلنا وحاتك منتظرين
شوف وين روحتنا وديتنا ) ..
و ( علي إبراهيم اللحو ) ..
يقوقي بصوتٍ قويٍّ عميق ، يوقظ فيك كل دواعي الاشتياق ، و هو يناجي ..
( قول لي يا الطير الخُداري
قول لي وحيات حبنا
وين رسايلك ياحليلا
وين عيونك مننا ) ..
و ( أحمد الجابري ) ..
يدغدغ مشاعرك بصوت أنيسٍ رخيمٍ طاعم ..
( البلوم في فرعو غنى
طرانا يا الحبان أهلنا
طرينا مشوار العصاري
و رقشة الورد البراري
البريد داير يداري
و القلوب دايرة المحنة )
و (حمد الريح) ..
ينثر غالي الدرر بغناء أشبه بالغَوْص
و أحياناً بالتحليق ..
( حمام الوادي يا راحل
مع النسمة الفرايحية ) ..
و ( إبراهيم حسين ) ..
يفرض تأثيره عليك و انقيادك له ..
( عصفورة الحِنيِّة
بِتْنَسِي كلَ أسيِّة
قالت مناها تجينا
و ما لاقية سَكَة جية )
و ( البلابل ) ..
بأصواتٍ شجية ندية ، يُعَطِّرن الأجواء بحثاً و تسآلاً..
( البيسأل ما بتوه ) ..
و هنَّ يتَهادين هنا وهناك في خفة الغزلان و وقار الطواويس ..
( ياخاتم المنى لو نلقاك هنا
تبعد همنا و تدينا الهنا ) ..
و العالِم البروف ( أنس العاقب ) ،
خير من يفيض في الحديث عن
تلاقي الأمواج ، ( حلنقي ) و ( البلابل )
و الملحن القدير ( بشير عباس ) ،
غشيته الرحمة و المغفرة ..

و أجدني في غاية الاستغراق مع
( حلنقي ) ، و هو يمرح و ينْقَبِض ،
يعلو و يهبط ، يستكين و ينتفض ،
يَذبُل و يخْضَر ..
يطارد كلَ سحابة مُكتَنِزةٍ واعدة ..
و يداعب كلَ غصن مورقٍ مُزهِر ..
و يسْبَح مع كلِ موجة زاحِفةٍ مُنسابة ..
و يسافر مع كلِ طائرٍ مُحلُقٍ مرتحل ..
و يحمل ( فرشاةً ) يصور بها خلجات
الأنفس والأفئدة ، في كل أحوالها ،
لتتجلى الحياة بنعيمها و شقائها ،
و يُسْفِرُ الزمانُ ، الماضي منه و الآتي ،
بكل تباريحه و أفراحه ..
فعندما يُقْبِلُ ..
( يا حنيِّن زي عش العصفور
معروش بالنور كلو محبه ) ..
و عندما يُدْبِر ..
( جيت تفارق يلا فارق
شيل معاك غيم المشارق
إنت ما أول مودع
و إنت ما آخر مفارق ) ..
و عندما يفرح ..
( طفلين كنا لا شايلين هم
لا عارفين بكره الجايينا
وأهلنا عيونم تتمنى
تتمنى الهم ما يلاقينا )
و عندما يتوجَّع ..
( صَحَيتْ جَرِح جُواي أليم
ما كنت دايرك تَلمَسُو ) ..
و عندما يَنتَشِي ..
( فرحي خلق الله و اتني
ياشبه القمرا ) ..
و عندما يصفو ..
( ياعسل رايق مصفى
ياعيون كاتلانا إلفه ) ..
و عندما يُوَدِع ..
( أديني رضاك قدامي سفر
سفراً مكتوب ما بتأجل ) ..
و عندما يحزن ..
( طعم العسل يُمَه
ما ضُقْت ليهو حلا
حسيتو بعدك مُر
حسيت أماسي العيد
بتمر حزاينية
ما فيها بسمة تسر ) ..
و عندما يرثي صديقه ( وردي ) ..
( يا أعز الناس حليلك
و انت شايل العود تغني
و قلبي سارح في الغناوي
الطالعة منك و شايلة مني ) ..
و عندما يَعْزِم ..
( كل زول يحمل رسالة
أمينة صادقة بعيد مداها
يعرف التاريخ بيحسب
كل خطواتو المشاها
و الحدود الفاصلة هي
يبقى عندنا مسؤولية ) ..
و عندما ..
و عندما ..

هذا قليلٌ قليل ، من كثير ( حلنقي ) ، الذي أطلق عليه الشاعر الرقيق ( مختار دفع الله ) ، ( ملك المطالِع ) ، ليظل مُوغِلاً في البساطة و التلقائية ، و المباشَرَة ، مُتجافياً عن التعقيدات اللفظية ، و الباطنية الرمزية ، و التُقْية
أو ( اللوْلَوَة ) و ( الخطرفات )العاطفية ..
إن الذي يميزه أنه يخاطبك بكلامٍ
زُلال ، لاتجد مناصاً من الانقياد له
و الامتلاء منه و الارتياح إليه ، و ذلك
من خلال مُفردات مألوفة لديك ،
و مشاعر تحسها ملأ خافقيك ..
و هو شاعر جَهْبذ ..
يرى الأشياء بقلبه ..
و ( قلوب الشعراء لهم عيون ٌ
يرون بها مالا يراه الناظرونا ) ..
و للذين لايزالون معي على خُطاه الميمونة أُقِرُّ ..
إنها مهمة عسيرة بالنسبة لي ، و أنا قليل النجاعة و البِضاعة ، أن أحيط بكل هذا الاتساع و العلو و البريق، الذي جسدته أشعار ( حلنقي ) ، و التي وجد فيها المُغنون ضالتهم المنشودة ..
لقد تغنى له من سبق أن ذكرت ..
و تغنى له ( زيدان ) بكل جماله ..
( بنتأسف على الروَّح
من الأيام و نتحسر ) ..
و تغنى له كابلي بكل شُموخه ..
و تغنى له أبو عركي بكل عُنفوانه ..
و تغنى له (خوجلي عثمان ) بكل ألَقِه ..
و تغني له ( عبدالعزيز المبارك ) بكل رِقَتِه ..
و تغنى له الدكتور ( عبدالقادر سالم ) بكل مجْدِه ..
و تغنى له ( إسماعيل حسب الدائم ) بكل مهارته ..
و تغنى له ( كمال ترباس ) بكل توَهُجِه ..
( سلامة كسلا ما تشوف شر
تضوق العافية ما تنضر ) ..
و تغنى له كُثرٌ لم آتي على ذكرهم ..
و قد أورد الصحفي الهُمام ( سراج الدين مصطفى ) ، أنه طلب مرةٍ من فقيد الصحافة الموهوب المحبوب (سعدالدين إبراهيم) أن يذكر له الذين تغنوا ( للحلنقي ) فأجابه ( سعد ) بذكاء :
( من الأسهل أن نُحصي الذين لم يتغنوا له ) ..
و قطعاً فقد ازداد ضَوْعاً و سُطُوعاً ،
كل من تغنى له ..
و ازداد انشراحاً و ارتياحاً و التماعاً
و التياعاً ، كل من لامسه دفءُ أشعارِه ..

فيا أيها العُزاز ..
لكم أن تتصوروا مُناجاة المحبين
خِلواً مما أوحت به أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصورا أحوال الغِناء إذا
تجردت من أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصوروا إحساساً لا يتوسل
بجرعاتٍ من أشعار ( حلنقي ) ..
( جيناكم ياحبايبنا
بعد غربة وشوق
نغالب فيه و يغالبنا
و نكتم آهة تظهر آهة تتعبنا
حنين لي شوفة الغالين
مِدَوِبْنا ) ..
و لكم ..
و لكم ..
و لك مني كل المعزة ..
إسحق عثمان إبراهيم الحلنقي ..
والسلام ..
* أديس أبابا – 25 نوفمبر 2022م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.