الحلوة في أعماقي فتح و ابتدا القلب العاش العمر في آهاتو يفرح و الزمن ما أظن بعدك يرجع تاني يجرح) .. هذا ( حلنقي ) .. و هو إذ يفرح .. يُمَنِّي النفسَ بزمنٍ لا يجْرَح .. و أنى لنا بذلك الزمن الذي لا يجْرَح !! و جُلّ الذي حولنا يُدْمِي و يجْرَح ..
لقد أتَيْتُ بمَعِيِّته، وكم كنت سعيداً بذلك .. و عندما قدمه صديقُنا اللطيف الفذ ( طارق كبلو ) ، والمذيعُ الفَذُ بين الناس عُنوانٌ ، ليتحدث في ليلة تأبين الراحل الدكتور ( عثمان مصطفى ) ، وهي تلك الليلة الليلاء ، التي تجلى في إخراجها النجم الثاقب (شكرالله ) ، لم يزد ( حلنقي ) ، على أن قرأ بصوت موجوعٍ واجِفٍ راجف جانباً من كلمات الأغنية التي جمعت بينهما .. ( راح الميعاد وزماني راح و الجُرح لا نام لا استراح لكني مُتْكتِّم عليهو من جراح أحب جراح ) .. و هي المنظومة التي أفرغ فيها حِمماً حارقة من الشجن والصبابة و التحَسُّر .. ( ياريتني لو أقدر أعيد لحظات من الماضي البعيد ) .. رحمة الله تغشاك ( عثمان ) ، فقد جعلت للغناء ، في بلادي ، ألَقَاً و قوةً و نكهةً و نهجاً لا يُجارى ..
وبِطَلَبٍ مني ، كان قد أهداني للتو ديوانه ( عصافير الخريف )، ونحن نلتقي في أيْكَة ( شيخ الأمين ). و الأيكة الشجر الكثيف المُلْتَف ، حيث تتكاثر العصافير من كل لون .. و كما أن ( حلنقي ) مولعٌ بالتغني للعصافير ، فإن (شيخ الأمين ) من يُهييء لها ( الأعشاش ) فيطيب لها المقام ، في حِمَىً ملؤه السكينة و الصلاة على خير الأنام .. و جاء في إهدائه لي .. ( جنرال الذكريات الجميلة .. أمامك هذه العصافير ، فكُنْ لها أعشاشاً تأوي إليها عند المساء .. أخوك إسحق الحلنقي ) .. سمعاً وطاعةً ياسيدي ( إسحق ) .. فأنا من أودَع العصافير قلبَه وحمَّلها أشواقَه في حِلِها ورحيلها .. (هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو هيج رحيلا مع الغروب إحساس غلبني اتحملو و كتمت أشواق الحنين داير الدموع يَتّقَلو و رجعت خليت الدموع يرتاحو مني و ينزلو ليه ياعصافير الخريف خضرة مشاعري أشيلا صيف ) .. هذه الأُنشودة المُلتَهِبة بالحنين والأنين ، لا أمَلُّ سماعها من فمٍ عذب التطريب ، أحيَّا بغنائه النفوس ونضَّر الجوانح.. ( محمد وردي ) .. و ( وردي ) و ( حلنقي ) عندما يلتقيان ، تَطُولُ أعمارٌ و تُطْوَى مسافات و تستضيءُ مُهَجٌ .. ( أقابلك في زمن ماشي وزمن جايي و زمن لسه أشوف الماضي فيك باكر أريت باكر يكون هسَّه ) .. هما توأم روح و وجدان .. روى ( حلنقي ) أن ( وردي ) قال له مرة : ( عايز لي أغنية حِنَينَة و لطيفة تكون سُكرة كِدة )، فكانت: ( الحِنينة السُّكرة ) .. و كان ( وردي ) يخاطب جمهوره : ( أبَكِّي ليكم حلنقي ؟ ) ، فيغني .. ( دوري دوري يا أيام ) .. و هو يعلم أن هذه الأغنية ، تُوجِع ( حلنقي ) و تأسره و تُزلزِله .. و قناعتي .. إذا ما ساءتنا أفعالُ أقوامٍ ، من حولنا ، و هم يُوقِدُون النيران في تجاوِيفِنا ، و يَمْتَّصُون دماءنا ، و يسحقون عظامَنا ، و يَئدُون أحلاَمنا ، فإن لنا في ( حلنقي ) و ثُلَّتهُ عزاء ، و هم يُداوون جراحَنا ، و يُدْهِبون غَيظَ أنفسنا ، و يَمُدُوننا بمسراتٍ تستحيل الحياة على وهَجِها نعيماً و حباً عظيماً .. و لا يواتيني هنا وصفٌ أخلعه على ( حلنقي ) ، أبلغ من مطلع قصيدته ، التي صدح بها الفنان الغِرِّيِد (الطيب عبدالله ) : ( إنت يا الأبيض ضميرك صافي زي قلب الرضيع ) .. و ضمير بهذا الصفاء و هذا البياض ، ليس بعسير عليه أن تنقاد له مواكب الجمال و هالات الضياء ، فينسج منها كلاماً في لون الشفق ، و بهاء مطلع الفجر ، و حرارة أنفاس العاشقين .. ( يا أعزَّ الناس حبايبك نحنا زيدنا قليل حنان ده العمر زادت غلاوتو معاك و صالحني الزمان يا أحنَّ الناس ) .. و ليس في حياتنا من أحدٍ ليس له عزيزٌ أعزّ ، صيَّره (حلنقي ) ، برقيق كلامه و ذوب أنفاسه ، مُوحِياً للتَذَكُّر ِ و الصبابة ، و نداءات الروح الحفيَّةِ الخفِيَّةِ .. ( انت بتضوي ابتسامة و انت بتظلل قمامة يا ما هوَّنت القواسي يا ما كم فرَّحْت يا ما اللي تايه عمرو كلو يلقى في دربك سلامة العمر قربك يفرهد و السنين يرحل ظلاما ) .. و أيضاً .. ( عيش معاي الحب عيش معاي حناني خليني أنسى سنين عشتهم وحداني ) .. و هنا عندما تستمع إلى ( حلنقي ) و ( صالح الضي ) ، يجعلان منك بشراً يمشي على الماء ، و يتوشح بالضياء ، تحت تأثير .. ( أنا ما بسيبو غرامك رضيان معاك بي شقايا لمتين طريقك يَقْصَر تعرف نهايتو خُطايا ) ..
و أنا بيني و ( حلنقي ) محبة و قُرْبى ، نبتت في براحات أخي الحبيب ( صلاح أحمد إدريس ) ، التي كانت عامِرة بالصفاء و الهناء ، و غامِر الاحتفاء ، و معسول الغِناء .. و قد حَظِيتُ بمعايشة ميلاد أغنيات زاهيات ، من نسج (الحلنقي) و تطريز ( صلاح ) و لمسات (محمدية) .. فتغنى الكروان ( حمد الريح ) .. ( تعيش وحداني أيه ذنبك يا عطشان و البحر جنبك ) .. و هو ماسبق إليه طرفة بن العبد .. ( و أمرُّ ما لاقيت من ألم الهوى قرب الحبيب و ما إليه و صول ) و الملك (جمال فرفور) .. ( على صفق العنب إسمين كتبناهم بدمع العين ) .. و المرهف ( عادل مسلم ) .. ( ما عليّ لو جات مواكب ولا فاتتني المراكب القمر مادام معايا أعمل أيه أنا بالكواكب ) .. و الفخيم ( سيف الجامعة ) .. ( أعذريني الدمعة دي حتبقى آخر دمعة ليَّ تاني لو قرَّبت منك يبقى ليكِ الحق عليَّ ) و آخرون ..
و لما كان المرء ابن بيئته ، تجد رحيق وعبق ( كسلا ) في أنفاس ( حلنقي ) و أشعاره و تجلياته و تصاريفه.. و كثيرون مثلي لم يروا ( كسلا ) و لكنها حاضرة في وجدانهم ، لِما ذاع عنها من جمال و بهاء ، من خلال أشعارٍ رفعتها مكاناً عليِّاً ، وهي تتغزل في ( قاشها ) و ( توتيلها ) و ( أُناسها ) .. فهناك رائعة توفيق صالح جبريل .. ( يا ابنة القاش إن سرى الطيف وهْنَاً و اعتلى هائماً فكيف لحاقي ؟ و المنى بين خصرها و يديها و السنى في ابتسامها البرَّاق (كسلا) أشرقت بها شمس وجدي فَهْي في الحق جنةُ الاشراق ) .. و هذا الوريف ( عبدالوهاب هلاوي ) ، و الذي عمَّده ( حلنقي ) نائباً له في (جمهورية الحب المتحدة) لغرامه و تعلُقِه ( بكسلا ) .. ( مين علمك يا فراش تعشق عيون القاش الخضرة في الضفة و همس النسيم الماش ) .. و يظل ( حلنقي ) حاضراً ، و مُتيماً ، و وفيَّاً ، و مُورِقاً .. ( حبيت عشانك كسلا و خليت دياري عشانك و عشقت أرض التاكا الشاربه من ريحانك ) .. و هي الكلمات التي جعلها الفنان الإنسان إبن كسلا البار ( التاج مكي ) تفيض عذوبة وتضوع دِفءً و تَشِعُ بريقاً .. و ( التاج مكي ) حينما يُعانق ( الحلنقي ) ، ينْفُثُ فيك سحراً و سروراً و ابتهاجاً ، بصوتٍ غنيّ النبرات و احساسٍ و لا أروع و لا أجمل و لا أعمق .. ( دار الفرح و الريد تلقاني من أهلا مين اللي ما بعرف طيبة شباب كسلا وسط الضفاير بان وجه القمر طلا كيف قلبي يصَبَّر صبرني يا الله ) ..
الله يصبرك يا (حلنقي ) ، ويصبرنا معاك ، و أنت تقاسي رَهَق الانتظار .. ( عَدَّت لحظات و كمان ساعات طالت وحياتك منتظرين لو وشوش صوت الريح في الباب يسبقنا الشوق قبل العينين و نعاين الشارع نلقاهو تايه في دموع المغلوبين ) و الله يصبرك و يثبتك عند اللُّقيا .. ( أقابلك و كلي حِنِيَّة و اخاف من نظرتك ليَّا أخاف شوق العمر كلو يفاجأك يوم في عينيا ورا البسمات كتمت دموع بكيت من غير تحس بيا ) .. و الله يصبرك على مُر الجفا .. ( كِدَه الأيام تبدل فيك تشيل مني ابتسامتك ديك و أنا لو هبَت النسمة أخاف النسمة تقسى عليك كِده الأيام تبدل فيك ؟ ) .. و الله يصبرك و أنت تكتوي بنيران الغُرْبَة .. ( ياراجياني و ما ناسياني يا ما الغُرْبة بتتحداني و أنا بتحدى الزمن الجاير لو في بعدك يتحداني ) .. و الله يصبرك على ما تجري به المقادير .. ( ماشي أمرك ياقدر إنت أحكامك مُطَاعة لو حصل نحن افترقنا و الليالي الهم أضاعا لمْسة الذكرى المعايا تبقى زاد روحي و متاعا ) .. و هي الكلمات التي ألبسها الأستاذ ( صلاح مصطفى ) ، حلة زاهية بعبقريته المُتَّقِدة و صوته العذب و روحه الشفيفة .. و ( حلنقي ) بهذا ، و في كل خطواته المشاها ، لم يكن يُعَبِّر عن ذاته ، بل كان تُرجماناً صادقاً لما يعتاد النفوس ، من لواعج و مشاعر و تجَليِّات و تقلُبات .. لذلك فقد أحسن صُنعاً من أطلق عليه ( رئيس جمهورية الحب ) ، و لعله الصحفي المطبوع (طلحة الشفيع) .. إذ ظل يُبشِر بالحب و يهدي المحبين زيت القنديل و زاد الطريق و لُفافات الصبر ، و يضيئ أرجاءهم بأنوار اليقين ، و قَيم الصدق والإخلاص ،، و هذا هو عين الحب .. أن تزرع في طريق من تحبهم وروداً و مسرات .. وتُومِضُ في خيالهم ألف حكاية جميلة .. و تُحْيي قلوبهم بدفقاتٍ صادقة من النبل والتسامي .. دون ان تنتظر ما يُقابل ذلك و يُكافئه .. لذا الحب في شريعة ( حلنقي ) حالة من الرضى .. ( عشة صغيرة كفاية علينا نعرشة ليك برموش عينينا نفرشة ليك بحرير أيدينا ) .. و حالة من التعَلُّق .. ( نجمة نجمة الليل نعدو و السنين ياحليلنا عدو إنت ماعارف عيونك لما تسرح وين بودو ) .. و حالة من الترقُّب .. ( أيه يضيرك تسأل يوم علي ياغالي و انت وحدك عارف همي عارف حالي كيف أواصل صبري في الطريق الخالي كيف بدونك تصبح الليالي ليالي ؟ ) .. و حالة من الرجاء .. ( أسمعنا مرة و حاتنا عندك أسمعنا مرة الدنيا تبقى مافيها مُرة و الكون يلالي بهجة و مسرة حِن في عمرنا شايفنو مرة و إن قلت لا لا هم واستمرا ) و حالة من المناجاة الكظيمة .. ( بتتعلم من الأيام مصيرك بكرة تتعلم و تعرف كيف يكون الريد و ليه الناس بتتألم ) .. و حالة من ( النسمة البتحرق شوق ) الفنان الصومالي ( أحمد ربشة ) .. و حالة من الاندهاش .. و حالة من الاندياح .. و حالة من التسامح .. و حالة من التلاشي .. و حالة .. وحالة ..
( حلنقي ) .. في كل أحواله هذه ، تجده قد أنشأ لنفسه مملكة للجمال ، لا يدخلها إلا من امتلأت نفسُه جمالاً ، أو من ينشد الجمال و يتدثر بالجمال .. تموج بالطيور ، و تَغُصُّ بالأزاهير ..من كل جِنسٍ ومن كل لون .. و تحِيَّةُ أهلِها حلو الكلام و عذب الأماني .. تجد ( محمد الأمين ) ، يُشجيك و يُسبيك ، و أنت تَنعَمُ بالاصغاء إليه ، و هو الذي ترجم ( لحلنقي ) أصفى و أعذب ما جاشت به الصدور ، من أحاسيس و مشاعر ، بصوت ٍ يجعل الأفئدة يتسارع خفقانُها ، وهو من قال إنه قد تغنى بأجمل أشعار ( حلنقي ) .. ( شال النوار ظلل بيتنا من بهجة و عدك ماجيتنا و فضلنا وحاتك منتظرين شوف وين روحتنا وديتنا ) .. و ( علي إبراهيم اللحو ) .. يقوقي بصوتٍ قويٍّ عميق ، يوقظ فيك كل دواعي الاشتياق ، و هو يناجي .. ( قول لي يا الطير الخُداري قول لي وحيات حبنا وين رسايلك ياحليلا وين عيونك مننا ) .. و ( أحمد الجابري ) .. يدغدغ مشاعرك بصوت أنيسٍ رخيمٍ طاعم .. ( البلوم في فرعو غنى طرانا يا الحبان أهلنا طرينا مشوار العصاري و رقشة الورد البراري البريد داير يداري و القلوب دايرة المحنة ) و (حمد الريح) .. ينثر غالي الدرر بغناء أشبه بالغَوْص و أحياناً بالتحليق .. ( حمام الوادي يا راحل مع النسمة الفرايحية ) .. و ( إبراهيم حسين ) .. يفرض تأثيره عليك و انقيادك له .. ( عصفورة الحِنيِّة بِتْنَسِي كلَ أسيِّة قالت مناها تجينا و ما لاقية سَكَة جية ) و ( البلابل ) .. بأصواتٍ شجية ندية ، يُعَطِّرن الأجواء بحثاً و تسآلاً.. ( البيسأل ما بتوه ) .. و هنَّ يتَهادين هنا وهناك في خفة الغزلان و وقار الطواويس .. ( ياخاتم المنى لو نلقاك هنا تبعد همنا و تدينا الهنا ) .. و العالِم البروف ( أنس العاقب ) ، خير من يفيض في الحديث عن تلاقي الأمواج ، ( حلنقي ) و ( البلابل ) و الملحن القدير ( بشير عباس ) ، غشيته الرحمة و المغفرة ..
و أجدني في غاية الاستغراق مع ( حلنقي ) ، و هو يمرح و ينْقَبِض ، يعلو و يهبط ، يستكين و ينتفض ، يَذبُل و يخْضَر .. يطارد كلَ سحابة مُكتَنِزةٍ واعدة .. و يداعب كلَ غصن مورقٍ مُزهِر .. و يسْبَح مع كلِ موجة زاحِفةٍ مُنسابة .. و يسافر مع كلِ طائرٍ مُحلُقٍ مرتحل .. و يحمل ( فرشاةً ) يصور بها خلجات الأنفس والأفئدة ، في كل أحوالها ، لتتجلى الحياة بنعيمها و شقائها ، و يُسْفِرُ الزمانُ ، الماضي منه و الآتي ، بكل تباريحه و أفراحه .. فعندما يُقْبِلُ .. ( يا حنيِّن زي عش العصفور معروش بالنور كلو محبه ) .. و عندما يُدْبِر .. ( جيت تفارق يلا فارق شيل معاك غيم المشارق إنت ما أول مودع و إنت ما آخر مفارق ) .. و عندما يفرح .. ( طفلين كنا لا شايلين هم لا عارفين بكره الجايينا وأهلنا عيونم تتمنى تتمنى الهم ما يلاقينا ) و عندما يتوجَّع .. ( صَحَيتْ جَرِح جُواي أليم ما كنت دايرك تَلمَسُو ) .. و عندما يَنتَشِي .. ( فرحي خلق الله و اتني ياشبه القمرا ) .. و عندما يصفو .. ( ياعسل رايق مصفى ياعيون كاتلانا إلفه ) .. و عندما يُوَدِع .. ( أديني رضاك قدامي سفر سفراً مكتوب ما بتأجل ) .. و عندما يحزن .. ( طعم العسل يُمَه ما ضُقْت ليهو حلا حسيتو بعدك مُر حسيت أماسي العيد بتمر حزاينية ما فيها بسمة تسر ) .. و عندما يرثي صديقه ( وردي ) .. ( يا أعز الناس حليلك و انت شايل العود تغني و قلبي سارح في الغناوي الطالعة منك و شايلة مني ) .. و عندما يَعْزِم .. ( كل زول يحمل رسالة أمينة صادقة بعيد مداها يعرف التاريخ بيحسب كل خطواتو المشاها و الحدود الفاصلة هي يبقى عندنا مسؤولية ) .. و عندما .. و عندما ..
هذا قليلٌ قليل ، من كثير ( حلنقي ) ، الذي أطلق عليه الشاعر الرقيق ( مختار دفع الله ) ، ( ملك المطالِع ) ، ليظل مُوغِلاً في البساطة و التلقائية ، و المباشَرَة ، مُتجافياً عن التعقيدات اللفظية ، و الباطنية الرمزية ، و التُقْية أو ( اللوْلَوَة ) و ( الخطرفات )العاطفية .. إن الذي يميزه أنه يخاطبك بكلامٍ زُلال ، لاتجد مناصاً من الانقياد له و الامتلاء منه و الارتياح إليه ، و ذلك من خلال مُفردات مألوفة لديك ، و مشاعر تحسها ملأ خافقيك .. و هو شاعر جَهْبذ .. يرى الأشياء بقلبه .. و ( قلوب الشعراء لهم عيون ٌ يرون بها مالا يراه الناظرونا ) .. و للذين لايزالون معي على خُطاه الميمونة أُقِرُّ .. إنها مهمة عسيرة بالنسبة لي ، و أنا قليل النجاعة و البِضاعة ، أن أحيط بكل هذا الاتساع و العلو و البريق، الذي جسدته أشعار ( حلنقي ) ، و التي وجد فيها المُغنون ضالتهم المنشودة .. لقد تغنى له من سبق أن ذكرت .. و تغنى له ( زيدان ) بكل جماله .. ( بنتأسف على الروَّح من الأيام و نتحسر ) .. و تغنى له كابلي بكل شُموخه .. و تغنى له أبو عركي بكل عُنفوانه .. و تغنى له (خوجلي عثمان ) بكل ألَقِه .. و تغني له ( عبدالعزيز المبارك ) بكل رِقَتِه .. و تغنى له الدكتور ( عبدالقادر سالم ) بكل مجْدِه .. و تغنى له ( إسماعيل حسب الدائم ) بكل مهارته .. و تغنى له ( كمال ترباس ) بكل توَهُجِه .. ( سلامة كسلا ما تشوف شر تضوق العافية ما تنضر ) .. و تغنى له كُثرٌ لم آتي على ذكرهم .. و قد أورد الصحفي الهُمام ( سراج الدين مصطفى ) ، أنه طلب مرةٍ من فقيد الصحافة الموهوب المحبوب (سعدالدين إبراهيم) أن يذكر له الذين تغنوا ( للحلنقي ) فأجابه ( سعد ) بذكاء : ( من الأسهل أن نُحصي الذين لم يتغنوا له ) .. و قطعاً فقد ازداد ضَوْعاً و سُطُوعاً ، كل من تغنى له .. و ازداد انشراحاً و ارتياحاً و التماعاً و التياعاً ، كل من لامسه دفءُ أشعارِه ..
فيا أيها العُزاز .. لكم أن تتصوروا مُناجاة المحبين خِلواً مما أوحت به أشعار ( حلنقي ) .. و لكم أن تتصورا أحوال الغِناء إذا تجردت من أشعار ( حلنقي ) .. و لكم أن تتصوروا إحساساً لا يتوسل بجرعاتٍ من أشعار ( حلنقي ) .. ( جيناكم ياحبايبنا بعد غربة وشوق نغالب فيه و يغالبنا و نكتم آهة تظهر آهة تتعبنا حنين لي شوفة الغالين مِدَوِبْنا ) .. و لكم .. و لكم .. و لك مني كل المعزة .. إسحق عثمان إبراهيم الحلنقي .. والسلام .. * أديس أبابا – 25 نوفمبر 2022م