هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالفيديو.. بلقطات رومانسية أمام أنظار المعازيم.. عريس سوداني يخطف الأضواء بتفاعله في الرقص أمام عروسه وساخرون: (نحنا السودانيين الحركات دي أصلو ما جاية فينا)    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنرال حسن فضل المولى يحلق في سَمَاوَاتٍ (جمهورية الحب) ويكتب: الحلنقي .. عصافير الخريف
نشر في السوداني يوم 30 - 11 - 2022


الحلوة في أعماقي فتح
و ابتدا القلب العاش
العمر في آهاتو يفرح
و الزمن ما أظن بعدك
يرجع تاني يجرح) ..
هذا ( حلنقي ) ..
و هو إذ يفرح ..
يُمَنِّي النفسَ بزمنٍ لا يجْرَح ..
و أنى لنا بذلك الزمن الذي لا يجْرَح !!
و جُلّ الذي حولنا يُدْمِي و يجْرَح ..

لقد أتَيْتُ بمَعِيِّته، وكم كنت
سعيداً بذلك ..
و عندما قدمه صديقُنا اللطيف الفذ ( طارق كبلو ) ، والمذيعُ الفَذُ بين الناس عُنوانٌ ، ليتحدث في ليلة تأبين الراحل الدكتور ( عثمان مصطفى ) ، وهي تلك الليلة الليلاء ، التي تجلى في إخراجها النجم الثاقب (شكرالله ) ، لم يزد ( حلنقي ) ، على أن قرأ بصوت موجوعٍ واجِفٍ راجف جانباً من كلمات الأغنية التي جمعت بينهما ..
( راح الميعاد وزماني راح
و الجُرح لا نام لا استراح
لكني مُتْكتِّم عليهو
من جراح أحب جراح ) ..
و هي المنظومة التي أفرغ فيها حِمماً
حارقة من الشجن والصبابة و التحَسُّر ..
( ياريتني لو أقدر أعيد
لحظات من الماضي البعيد ) ..
رحمة الله تغشاك ( عثمان ) ، فقد
جعلت للغناء ، في بلادي ، ألَقَاً
و قوةً و نكهةً و نهجاً لا يُجارى ..

وبِطَلَبٍ مني ، كان قد أهداني للتو ديوانه ( عصافير الخريف )، ونحن نلتقي في أيْكَة ( شيخ الأمين ).
و الأيكة الشجر الكثيف المُلْتَف ،
حيث تتكاثر العصافير من كل لون ..
و كما أن ( حلنقي ) مولعٌ بالتغني للعصافير ، فإن (شيخ الأمين ) من يُهييء لها ( الأعشاش ) فيطيب لها المقام ، في حِمَىً ملؤه السكينة
و الصلاة على خير الأنام ..
و جاء في إهدائه لي ..
( جنرال الذكريات الجميلة ..
أمامك هذه العصافير ، فكُنْ لها
أعشاشاً تأوي إليها عند المساء ..
أخوك إسحق الحلنقي ) ..
سمعاً وطاعةً ياسيدي ( إسحق ) ..
فأنا من أودَع العصافير قلبَه وحمَّلها أشواقَه في حِلِها ورحيلها ..
(هجرة عصافير الخريف
في موسم الشوق الحلو
هيج رحيلا مع الغروب
إحساس غلبني اتحملو
و كتمت أشواق الحنين
داير الدموع يَتّقَلو
و رجعت خليت الدموع
يرتاحو مني و ينزلو
ليه ياعصافير الخريف
خضرة مشاعري أشيلا صيف ) ..
هذه الأُنشودة المُلتَهِبة بالحنين والأنين ، لا أمَلُّ سماعها من فمٍ عذب التطريب ، أحيَّا بغنائه النفوس ونضَّر الجوانح..
( محمد وردي ) ..
و ( وردي ) و ( حلنقي ) عندما يلتقيان ، تَطُولُ أعمارٌ و تُطْوَى مسافات و تستضيءُ مُهَجٌ ..
( أقابلك في زمن ماشي
وزمن جايي و زمن لسه
أشوف الماضي فيك باكر
أريت باكر يكون هسَّه ) ..
هما توأم روح و وجدان ..
روى ( حلنقي ) أن ( وردي ) قال له مرة : ( عايز لي أغنية حِنَينَة و لطيفة تكون سُكرة كِدة )، فكانت:
( الحِنينة السُّكرة ) ..
و كان ( وردي ) يخاطب جمهوره :
( أبَكِّي ليكم حلنقي ؟ ) ، فيغني ..
( دوري دوري يا أيام ) ..
و هو يعلم أن هذه الأغنية ، تُوجِع ( حلنقي ) و تأسره و تُزلزِله ..
و قناعتي ..
إذا ما ساءتنا أفعالُ أقوامٍ ، من
حولنا ، و هم يُوقِدُون النيران في
تجاوِيفِنا ، و يَمْتَّصُون دماءنا ،
و يسحقون عظامَنا ، و يَئدُون
أحلاَمنا ، فإن لنا في ( حلنقي )
و ثُلَّتهُ عزاء ، و هم يُداوون جراحَنا ، و يُدْهِبون غَيظَ أنفسنا ، و يَمُدُوننا بمسراتٍ تستحيل الحياة على وهَجِها نعيماً و حباً عظيماً ..
و لا يواتيني هنا وصفٌ أخلعه على ( حلنقي ) ، أبلغ من مطلع قصيدته ، التي صدح بها الفنان الغِرِّيِد (الطيب عبدالله ) :
( إنت يا الأبيض ضميرك
صافي زي قلب الرضيع ) ..
و ضمير بهذا الصفاء و هذا البياض ،
ليس بعسير عليه أن تنقاد له مواكب
الجمال و هالات الضياء ، فينسج منها
كلاماً في لون الشفق ، و بهاء مطلع
الفجر ، و حرارة أنفاس العاشقين ..
( يا أعزَّ الناس حبايبك نحنا
زيدنا قليل حنان
ده العمر زادت غلاوتو معاك
و صالحني الزمان
يا أحنَّ الناس ) ..
و ليس في حياتنا من أحدٍ ليس له عزيزٌ أعزّ ، صيَّره (حلنقي ) ، برقيق كلامه و ذوب أنفاسه ، مُوحِياً للتَذَكُّر ِ و الصبابة ، و نداءات الروح الحفيَّةِ الخفِيَّةِ ..
( انت بتضوي ابتسامة
و انت بتظلل قمامة
يا ما هوَّنت القواسي
يا ما كم فرَّحْت يا ما
اللي تايه عمرو كلو
يلقى في دربك سلامة
العمر قربك يفرهد
و السنين يرحل ظلاما ) ..
و أيضاً ..
( عيش معاي الحب
عيش معاي حناني
خليني أنسى سنين
عشتهم وحداني ) ..
و هنا عندما تستمع إلى ( حلنقي )
و ( صالح الضي ) ، يجعلان منك بشراً يمشي على الماء ، و يتوشح بالضياء ، تحت تأثير ..
( أنا ما بسيبو غرامك
رضيان معاك بي شقايا
لمتين طريقك يَقْصَر
تعرف نهايتو خُطايا ) ..

و أنا بيني و ( حلنقي ) محبة و قُرْبى ، نبتت في براحات أخي الحبيب ( صلاح أحمد إدريس ) ، التي كانت عامِرة بالصفاء و الهناء ، و غامِر الاحتفاء ، و معسول الغِناء ..
و قد حَظِيتُ بمعايشة ميلاد أغنيات زاهيات ، من نسج (الحلنقي) و تطريز ( صلاح ) و لمسات (محمدية) ..
فتغنى الكروان ( حمد الريح ) ..
( تعيش وحداني أيه ذنبك
يا عطشان و البحر جنبك ) ..
و هو ماسبق إليه طرفة بن العبد ..
( و أمرُّ ما لاقيت من ألم الهوى
قرب الحبيب و ما إليه و صول )
و الملك (جمال فرفور) ..
( على صفق العنب إسمين
كتبناهم بدمع العين ) ..
و المرهف ( عادل مسلم ) ..
( ما عليّ لو جات مواكب
ولا فاتتني المراكب
القمر مادام معايا
أعمل أيه أنا بالكواكب ) ..
و الفخيم ( سيف الجامعة ) ..
( أعذريني الدمعة دي
حتبقى آخر دمعة ليَّ
تاني لو قرَّبت منك
يبقى ليكِ الحق عليَّ )
و آخرون ..

و لما كان المرء ابن بيئته ، تجد رحيق وعبق ( كسلا ) في أنفاس ( حلنقي ) و أشعاره و تجلياته و تصاريفه..
و كثيرون مثلي لم يروا ( كسلا ) و لكنها حاضرة في وجدانهم ، لِما ذاع عنها من جمال و بهاء ، من خلال أشعارٍ رفعتها مكاناً عليِّاً ، وهي تتغزل في ( قاشها ) و ( توتيلها ) و ( أُناسها ) ..
فهناك رائعة توفيق صالح جبريل ..
( يا ابنة القاش إن سرى الطيف وهْنَاً
و اعتلى هائماً فكيف لحاقي ؟
و المنى بين خصرها و يديها
و السنى في ابتسامها البرَّاق
(كسلا) أشرقت بها شمس وجدي
فَهْي في الحق جنةُ الاشراق ) ..
و هذا الوريف ( عبدالوهاب هلاوي ) ،
و الذي عمَّده ( حلنقي ) نائباً له في (جمهورية الحب المتحدة) لغرامه و تعلُقِه ( بكسلا ) ..
( مين علمك يا فراش
تعشق عيون القاش
الخضرة في الضفة
و همس النسيم الماش ) ..
و يظل ( حلنقي ) حاضراً ، و مُتيماً ،
و وفيَّاً ، و مُورِقاً ..
( حبيت عشانك كسلا
و خليت دياري عشانك
و عشقت أرض التاكا
الشاربه من ريحانك ) ..
و هي الكلمات التي جعلها الفنان
الإنسان إبن كسلا البار ( التاج مكي ) تفيض عذوبة وتضوع دِفءً و تَشِعُ بريقاً ..
و ( التاج مكي ) حينما يُعانق ( الحلنقي ) ، ينْفُثُ فيك سحراً و سروراً
و ابتهاجاً ، بصوتٍ غنيّ النبرات
و احساسٍ و لا أروع و لا أجمل و لا أعمق ..
( دار الفرح و الريد
تلقاني من أهلا
مين اللي ما بعرف
طيبة شباب كسلا
وسط الضفاير بان
وجه القمر طلا
كيف قلبي يصَبَّر
صبرني يا الله ) ..

الله يصبرك يا (حلنقي ) ، ويصبرنا معاك ، و أنت تقاسي رَهَق الانتظار ..
( عَدَّت لحظات و كمان ساعات
طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
و نعاين الشارع نلقاهو
تايه في دموع المغلوبين )
و الله يصبرك و يثبتك عند اللُّقيا ..
( أقابلك و كلي حِنِيَّة
و اخاف من نظرتك ليَّا
أخاف شوق العمر كلو
يفاجأك يوم في عينيا
ورا البسمات كتمت دموع
بكيت من غير تحس بيا ) ..
و الله يصبرك على مُر الجفا ..
( كِدَه الأيام تبدل فيك
تشيل مني ابتسامتك ديك
و أنا لو هبَت النسمة
أخاف النسمة تقسى عليك
كِده الأيام تبدل فيك ؟ ) ..
و الله يصبرك و أنت تكتوي بنيران الغُرْبَة ..
( ياراجياني و ما ناسياني
يا ما الغُرْبة بتتحداني
و أنا بتحدى الزمن الجاير
لو في بعدك يتحداني ) ..
و الله يصبرك على ما تجري به المقادير ..
( ماشي أمرك ياقدر
إنت أحكامك مُطَاعة
لو حصل نحن افترقنا
و الليالي الهم أضاعا
لمْسة الذكرى المعايا
تبقى زاد روحي و متاعا ) ..
و هي الكلمات التي ألبسها الأستاذ
( صلاح مصطفى ) ، حلة زاهية بعبقريته المُتَّقِدة و صوته العذب و روحه الشفيفة ..
و ( حلنقي ) بهذا ، و في كل خطواته المشاها ، لم يكن يُعَبِّر عن ذاته ، بل كان تُرجماناً صادقاً لما يعتاد النفوس ، من لواعج و مشاعر و تجَليِّات و تقلُبات ..
لذلك فقد أحسن صُنعاً من أطلق
عليه ( رئيس جمهورية الحب ) ،
و لعله الصحفي المطبوع (طلحة الشفيع) ..
إذ ظل يُبشِر بالحب و يهدي المحبين زيت القنديل و زاد الطريق و لُفافات الصبر ، و يضيئ أرجاءهم بأنوار اليقين ،
و قَيم الصدق والإخلاص ،،
و هذا هو عين الحب ..
أن تزرع في طريق من تحبهم وروداً
و مسرات ..
وتُومِضُ في خيالهم ألف حكاية جميلة ..
و تُحْيي قلوبهم بدفقاتٍ صادقة من
النبل والتسامي ..
دون ان تنتظر ما يُقابل ذلك و يُكافئه ..
لذا الحب في شريعة ( حلنقي ) حالة
من الرضى ..
( عشة صغيرة كفاية علينا
نعرشة ليك برموش عينينا
نفرشة ليك بحرير أيدينا ) ..
و حالة من التعَلُّق ..
( نجمة نجمة الليل نعدو
و السنين ياحليلنا عدو
إنت ماعارف عيونك
لما تسرح وين بودو ) ..
و حالة من الترقُّب ..
( أيه يضيرك تسأل
يوم علي ياغالي
و انت وحدك عارف
همي عارف حالي
كيف أواصل صبري
في الطريق الخالي
كيف بدونك تصبح
الليالي ليالي ؟ ) ..
و حالة من الرجاء ..
( أسمعنا مرة
و حاتنا عندك أسمعنا مرة
الدنيا تبقى مافيها مُرة
و الكون يلالي بهجة و مسرة
حِن في عمرنا شايفنو مرة
و إن قلت لا لا هم واستمرا )
و حالة من المناجاة الكظيمة ..
( بتتعلم من الأيام
مصيرك بكرة تتعلم
و تعرف كيف يكون الريد
و ليه الناس بتتألم ) ..
و حالة من ( النسمة البتحرق شوق ) الفنان الصومالي ( أحمد ربشة ) ..
و حالة من الاندهاش ..
و حالة من الاندياح ..
و حالة من التسامح ..
و حالة من التلاشي ..
و حالة ..
وحالة ..

( حلنقي ) ..
في كل أحواله هذه ، تجده قد أنشأ لنفسه مملكة للجمال ، لا يدخلها إلا من امتلأت نفسُه جمالاً ، أو من
ينشد الجمال و يتدثر بالجمال .. تموج بالطيور ، و تَغُصُّ بالأزاهير ..من كل جِنسٍ ومن كل لون .. و تحِيَّةُ أهلِها حلو الكلام و عذب الأماني ..
تجد ( محمد الأمين ) ، يُشجيك و يُسبيك ، و أنت تَنعَمُ بالاصغاء إليه ، و هو الذي ترجم ( لحلنقي ) أصفى و أعذب ما جاشت به الصدور ، من أحاسيس و مشاعر ، بصوت ٍ يجعل الأفئدة يتسارع خفقانُها ، وهو من قال إنه قد تغنى بأجمل أشعار ( حلنقي ) ..
( شال النوار ظلل بيتنا
من بهجة و عدك ماجيتنا
و فضلنا وحاتك منتظرين
شوف وين روحتنا وديتنا ) ..
و ( علي إبراهيم اللحو ) ..
يقوقي بصوتٍ قويٍّ عميق ، يوقظ فيك كل دواعي الاشتياق ، و هو يناجي ..
( قول لي يا الطير الخُداري
قول لي وحيات حبنا
وين رسايلك ياحليلا
وين عيونك مننا ) ..
و ( أحمد الجابري ) ..
يدغدغ مشاعرك بصوت أنيسٍ رخيمٍ طاعم ..
( البلوم في فرعو غنى
طرانا يا الحبان أهلنا
طرينا مشوار العصاري
و رقشة الورد البراري
البريد داير يداري
و القلوب دايرة المحنة )
و (حمد الريح) ..
ينثر غالي الدرر بغناء أشبه بالغَوْص
و أحياناً بالتحليق ..
( حمام الوادي يا راحل
مع النسمة الفرايحية ) ..
و ( إبراهيم حسين ) ..
يفرض تأثيره عليك و انقيادك له ..
( عصفورة الحِنيِّة
بِتْنَسِي كلَ أسيِّة
قالت مناها تجينا
و ما لاقية سَكَة جية )
و ( البلابل ) ..
بأصواتٍ شجية ندية ، يُعَطِّرن الأجواء بحثاً و تسآلاً..
( البيسأل ما بتوه ) ..
و هنَّ يتَهادين هنا وهناك في خفة الغزلان و وقار الطواويس ..
( ياخاتم المنى لو نلقاك هنا
تبعد همنا و تدينا الهنا ) ..
و العالِم البروف ( أنس العاقب ) ،
خير من يفيض في الحديث عن
تلاقي الأمواج ، ( حلنقي ) و ( البلابل )
و الملحن القدير ( بشير عباس ) ،
غشيته الرحمة و المغفرة ..

و أجدني في غاية الاستغراق مع
( حلنقي ) ، و هو يمرح و ينْقَبِض ،
يعلو و يهبط ، يستكين و ينتفض ،
يَذبُل و يخْضَر ..
يطارد كلَ سحابة مُكتَنِزةٍ واعدة ..
و يداعب كلَ غصن مورقٍ مُزهِر ..
و يسْبَح مع كلِ موجة زاحِفةٍ مُنسابة ..
و يسافر مع كلِ طائرٍ مُحلُقٍ مرتحل ..
و يحمل ( فرشاةً ) يصور بها خلجات
الأنفس والأفئدة ، في كل أحوالها ،
لتتجلى الحياة بنعيمها و شقائها ،
و يُسْفِرُ الزمانُ ، الماضي منه و الآتي ،
بكل تباريحه و أفراحه ..
فعندما يُقْبِلُ ..
( يا حنيِّن زي عش العصفور
معروش بالنور كلو محبه ) ..
و عندما يُدْبِر ..
( جيت تفارق يلا فارق
شيل معاك غيم المشارق
إنت ما أول مودع
و إنت ما آخر مفارق ) ..
و عندما يفرح ..
( طفلين كنا لا شايلين هم
لا عارفين بكره الجايينا
وأهلنا عيونم تتمنى
تتمنى الهم ما يلاقينا )
و عندما يتوجَّع ..
( صَحَيتْ جَرِح جُواي أليم
ما كنت دايرك تَلمَسُو ) ..
و عندما يَنتَشِي ..
( فرحي خلق الله و اتني
ياشبه القمرا ) ..
و عندما يصفو ..
( ياعسل رايق مصفى
ياعيون كاتلانا إلفه ) ..
و عندما يُوَدِع ..
( أديني رضاك قدامي سفر
سفراً مكتوب ما بتأجل ) ..
و عندما يحزن ..
( طعم العسل يُمَه
ما ضُقْت ليهو حلا
حسيتو بعدك مُر
حسيت أماسي العيد
بتمر حزاينية
ما فيها بسمة تسر ) ..
و عندما يرثي صديقه ( وردي ) ..
( يا أعز الناس حليلك
و انت شايل العود تغني
و قلبي سارح في الغناوي
الطالعة منك و شايلة مني ) ..
و عندما يَعْزِم ..
( كل زول يحمل رسالة
أمينة صادقة بعيد مداها
يعرف التاريخ بيحسب
كل خطواتو المشاها
و الحدود الفاصلة هي
يبقى عندنا مسؤولية ) ..
و عندما ..
و عندما ..

هذا قليلٌ قليل ، من كثير ( حلنقي ) ، الذي أطلق عليه الشاعر الرقيق ( مختار دفع الله ) ، ( ملك المطالِع ) ، ليظل مُوغِلاً في البساطة و التلقائية ، و المباشَرَة ، مُتجافياً عن التعقيدات اللفظية ، و الباطنية الرمزية ، و التُقْية
أو ( اللوْلَوَة ) و ( الخطرفات )العاطفية ..
إن الذي يميزه أنه يخاطبك بكلامٍ
زُلال ، لاتجد مناصاً من الانقياد له
و الامتلاء منه و الارتياح إليه ، و ذلك
من خلال مُفردات مألوفة لديك ،
و مشاعر تحسها ملأ خافقيك ..
و هو شاعر جَهْبذ ..
يرى الأشياء بقلبه ..
و ( قلوب الشعراء لهم عيون ٌ
يرون بها مالا يراه الناظرونا ) ..
و للذين لايزالون معي على خُطاه الميمونة أُقِرُّ ..
إنها مهمة عسيرة بالنسبة لي ، و أنا قليل النجاعة و البِضاعة ، أن أحيط بكل هذا الاتساع و العلو و البريق، الذي جسدته أشعار ( حلنقي ) ، و التي وجد فيها المُغنون ضالتهم المنشودة ..
لقد تغنى له من سبق أن ذكرت ..
و تغنى له ( زيدان ) بكل جماله ..
( بنتأسف على الروَّح
من الأيام و نتحسر ) ..
و تغنى له كابلي بكل شُموخه ..
و تغنى له أبو عركي بكل عُنفوانه ..
و تغنى له (خوجلي عثمان ) بكل ألَقِه ..
و تغني له ( عبدالعزيز المبارك ) بكل رِقَتِه ..
و تغنى له الدكتور ( عبدالقادر سالم ) بكل مجْدِه ..
و تغنى له ( إسماعيل حسب الدائم ) بكل مهارته ..
و تغنى له ( كمال ترباس ) بكل توَهُجِه ..
( سلامة كسلا ما تشوف شر
تضوق العافية ما تنضر ) ..
و تغنى له كُثرٌ لم آتي على ذكرهم ..
و قد أورد الصحفي الهُمام ( سراج الدين مصطفى ) ، أنه طلب مرةٍ من فقيد الصحافة الموهوب المحبوب (سعدالدين إبراهيم) أن يذكر له الذين تغنوا ( للحلنقي ) فأجابه ( سعد ) بذكاء :
( من الأسهل أن نُحصي الذين لم يتغنوا له ) ..
و قطعاً فقد ازداد ضَوْعاً و سُطُوعاً ،
كل من تغنى له ..
و ازداد انشراحاً و ارتياحاً و التماعاً
و التياعاً ، كل من لامسه دفءُ أشعارِه ..

فيا أيها العُزاز ..
لكم أن تتصوروا مُناجاة المحبين
خِلواً مما أوحت به أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصورا أحوال الغِناء إذا
تجردت من أشعار ( حلنقي ) ..
و لكم أن تتصوروا إحساساً لا يتوسل
بجرعاتٍ من أشعار ( حلنقي ) ..
( جيناكم ياحبايبنا
بعد غربة وشوق
نغالب فيه و يغالبنا
و نكتم آهة تظهر آهة تتعبنا
حنين لي شوفة الغالين
مِدَوِبْنا ) ..
و لكم ..
و لكم ..
و لك مني كل المعزة ..
إسحق عثمان إبراهيم الحلنقي ..
والسلام ..
* أديس أبابا – 25 نوفمبر 2022م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.