قبل أسابيع كنت أخرج من عيادة صديقنا دكتور عمار طبيب الأسنان الماهر وكان الوقت متأخراً وصيدليات شارع الدكاترة بأم درمان بدأت فى النعاس والذهاب للنوم ، ولأن المدام مرهقة من آثار المخدر والخلع دلفنا لأول صيدلية قابلتنا ... الرجل الضخم وبحسبة سريعة قرر أن ثمن الروشته كم مائة ألف من الجنيهات .. هززت رأسي وبدأت فى عد المبلغ لنقده إياه سريعاً .. الصيدلاني الضخم مال برأسه هامساً وقال .. لدينا معجون طبي ممتاز، قلت أيضاً لابأس وقبلت أن يضمه لقائمة المشتريات دون أن أسأل حتى عن قيمته ، الطبيب الإنسان تأخر في استلام المبلغ لأنه فاجأني وهو يعرض طاقماً من فرش السواك وبذات الطريقة الهامسة وكأنه صبي في شارع البلدية يعرض عليك كل ماتحمله يداه ويحلف عليك أن تشترى منه ... أعدت المبلغ إلى مكانه وأخذت الروشتة، وقلت له بذات همسه ذاك : هل أنت متأكد أنك صيدلي أم بائع بطيخ ؟ مع وافر احترامي بالطبع لباعة البطيخ وهم يؤدون عملهم على أكمل وجه !! المفاجأة كانت تكمن غير بعيد من (بقالة )الصيدلي إذ وجدت أن قائمة المطلوبات الطبية ذاتها وبنصف القيمة التي كان قد طلبها ذاك (الأونطجي ). صديقنا (قاسم ) وفي ذات شارع الدكاترة أخذ والده إلى أحد اختصاصيي المسالك البولية .. تفاجأ أن الكشف لمقابلة الأختصاصي مائة وخمسين ألفاً ، صديقنا كان قد تحاشى المستشفيات الخاصة حتى يتفادي هذا الرقم الضخم ولكنه ولأن والده لايتحمل رحلة أخرى للبحث عن طبيب أكثر إنسانية وأقل كلفة فضل أن يدفع المبلغ ، الدكتور يوزع نظراته بينه وبين والده وبين قصاصات متروكة على مكتبه بإهمال ، بعد دقيقتين طلب منه فحصين ، فحص للدم وآخر للموجات الصوتية ، الاختصاصي طلب منهم أن يذهبوا لمعملين بالاسم ، بل وحملهما مكتوباً للمعملين ... تأخر استلام النتيجة في أحد المعملين جعل صديقنا يكتشف وبالصدفة أن الاختصاصي المحترم يمتهن مهنة أخرى غير الطب ، فالرجل يمارس السمسرة من خلال مكتبه في العيادة ، الرجل يرسل المرضى إلى المعملين مقابل عشرين ألفاً عن كل مريض، ثم لايترك نصيبه يبيت حتى الصباح فهاهو بشحمه ولحمه يمد يده مبسوطة ليستلم مبلغ العمولة ... المفاجأة الدامية أن المعمل لايخصم قيمة عمولة الطبيب السمسار من قيمة الفحص بل يضيفها عبئاً على فاتورة المريض !! الدكتور مأمون حميده قبل أسابيع كان يقول إن هنالك تلاعباً في أموال التأمين وأن معظم طلبات الموجات الصوتية التي يوصي بها الأطباء ليست ضرورية ولامهمة ولكنهم يفعلون ذلك من باب (تشغيل ) تلك المعامل (الصديقة ). الذى يحدث في الحقل الطبي الآن أمر يفوق التصور وحدود الخيال ، وأنا أستطيع أن أحكي عشرات القصص والروايات المؤسفة ، نعم أستطيع أن أذهب إلى بعض المستشفيات المعلق على بواباتها صفة النموذجية .. فالطبيبة أو الطبيب الذي تسلمه مريضك ليفحصه ويطمئنك عليه تجده (ينقر ) ذهنه بالقلم وكأنه يفكر في الحالة المرضية التي يشكو منها من ترافقه ولكنه في الحقيقة يفكر في تسجيل مجموعة من الفحوصات التي لايحتاجها مريضك بأي حال من الأحوال بل قد تحتاج ريعها خزانة المستشفى التي يعمل فيها ... الطبيب لاينسى أن يكتب اسمه بوضوح تحت استمارة طلب الفحص أو روشتة الدواء حتى لاتذهب العمولة إلى شخص آخر .... نحن لن نقول بالتأكيد أن كل العاملين في هذا الحقل هم بهذا الانحدار بل لايزال كثر منهم يؤدون دورهم بضمير وأخلاق ولكن لابد من التنبية لعمليات اختطاف هذا الحقل وتحويره لمجرد جزارات تنادي على المارة وعينها فقط على جيوبهم..