قرار تعيين شمت، ربما أحدث مفاجأة لم تكن متوقعة للكثير من المراقبين، لجهة أن الرجل ظل بعيداً عن التوقعات التي لم تخرج من دائرة أسماء تقليدية، شغلت مواقع دستورية رفيعة مثل وزير الدولة بالمالية السابق د.عبد الرحمن ضرار، ووزير النقل السابق مكاوي محمد عوض، بجانب ما راج أمس الأول عن تسمية عضو هيئة قيادة أركان الجيش ووزير الدولة بالدفاع السابق الفريق أول ركن يحيى محمد خير. ولاية ملتهبة الطريق من الخرطوم إلى القضارف لا يبدو سالكاً أمام الوالي مبارك شمت (53) عاماً، فالولاية التي عُرفت بالاستقرار والإنتاج الزراعي الوفير وتجانس مكوناتها الاجتماعية والإثنية، شهدت موجة تظاهرات عنيفة احتجاجاً على انعدام الخدمات من خبز ووقود وسيولة نقدية ومياه، استدعت (إعلان الطوارئ) بعد أن خلفت تلك التظاهرات ثلاثة ضحايا – حسب إفادة رسمية – وأدت لإتلاف عدد من المقار الحكومية والبنوك ومقر حزب المؤتمر الوطني بالولاية. ولذلك فإن الاحتقان الذي خلفته تلك الأحداث، وحالة الطوارئ التي تعيشها الولاية تعد أحد أبرز التحديات التي تحتل صدارة الملفات والقضايا التي ستواجه الوالي شمت. ولعل أبرز ملاحظة أن الحكومة ظلت تتخذ كثيرا من التدابير لتجنب تفعيل قانون الطوارئ بالولاية. وقد كان والي القضارف الأسبق كرم الله عباس بطل مشهد حدثين اضطرت فيهما الحكومة للاستعانة بتدابير حزبها السياسي بدلا عن الطوارئ، الأولى عقب أزمة سابقة بين والي الولاية الأسبق د.عبد الرحمن الخضر ورئيس المجلس التشريعي كرم الله عباس، والثانية عندما تحول الأخير لوالٍ وأقدم على حل حكومته ووجه انتقادات عنيفة للحكومة المركزية والرئاسة لما سمَّاه عدم تعاون الحكومة الاتحادية وامتناع المالية عن تقديم المال اللازم لدعم مشاريعه التنموية. وقد واجه الخضر وكرم الله في الحالتين طلب الاستقالة، خاصة في المرة الأخيرة باعتباره والياً منتخباً لا يزاح إلا بأمر الطوارئ. ثلاثة ملفات ساخنة العميد شمت يخلف الراحل ميرغني صالح، الرجل الذي يصفه كثيرٌ من أهل القضارف بأنه خاطب بصورة مباشرة قضاياهم المطلبية، وعلى رأسها الحل الجذري لمشكلة مياه القضارف وهو مشروع أنفقت عليه حكومة ميرغني صالح نحو ترليون جنيه للشبكة الداخلية لحاضرة المدينة بخلاف الالتزام المركزي. وتطابقت روايات عدد من المراقبين بالولاية في أن مشروع المياه، شارف على نهاياته. عموما إن تجاوز الوالي شمت أبرز العقبات التي ظلت تطارد كل من حكم القضارف وهي قضية المياه، فإن ثلاثة ملفات ساخنة أيضاً تظل بانتظاره، وعلى رأسها ملف الحدود، ورغم أنه ملف سيادي، إلا أنه بحاجة لتنسيق من قِبَلِ الوالي مع المسؤولين في إدارته مع الحكومة الاتحادية، بجانب متابعته لنقاط المراقبة المتقدمة منعاً لوقوع مزيد من التعديات من الأطراف، حفاظاً على الأمن واستقرار العلاقة التي تشهد ازدهار مع إثيوبيا. أما ثاني أهم القضايا التي تنتظر الوالي ترتبط بالإنتاج الزراعي حيث يحتاج المزارعون للوقود والسيولة النقدية لمقابلة احتياجات حصاد محصولي السمسم والذرة، بجانب سيولة نقدية أخرى لتسويق محصول الذرة. أما الثالثة فهي مدى مقدرته على استعادة ثقة المواطنين في مؤسسات الحكم بالولاية، ومتابعة قضايا الخدمات وإنجاح مشروع (نفرة الخير الثانية) التي أطلقها الوالي الراحل ميرغني صالح لدعم الأسر المتعففة وذوي الاحتياجات الخاصة لتخفيف حدة الفقر وتفاقم أسعار السلع والخدمات. وقد ترك الوالي السابق بحسب مصدر موثوق ل(السوداني) مبلغ أكثر من 800 مليون جنيه. محاذير وتوقعات يقول المحلل السياسي محمد إدريس عمر، في حديثه ل(السوداني)، إن خلفية والي القضارف الجديد الأمنية، ستعينه في إدارة ملف (الحدود) والعلاقات البينية مع جمهورية إثيوبيا. ويرى عمر أن هذا الملف من أكثر القضايا سخونة وتعيين العميد مبارك شمت والياً للقضارف مؤشر لاهتمام الحكومة الاتحادية بملف الحدود وتداعيات أحداث الفشقة، واستبعد فرضية تعيينه كعسكري على خلفية الأحداث التي شهدتها القضارف خلال اليومين الماضيين، مؤكداً أن تعيين شخص من الشمالية كان متوقعا بموجب معادلة تبادل الحكم بين الولايتين (القضارف والشمالية)، وأنه كان يفترض أن يتم قبل عدة أيام من وقوع هذه الأحداث. ويرى محمد إدريس أن تحدي الوالي مبارك شمت تنفيذي وتحديداً ما يلي تقديم الخدمات. من هو شمت؟ ولد مبارك محمد شمت في جزيرة بدين بالولاية الشمالية في عام 1965، درس مراحله الأساسية والمتوسطة والثانوية بمدينة كوستي حاضرة النيل الأبيض، حيث كان يعمل والده بالنقل الميكانيكي. درس شمت القانون في جامعة القاهرة الفرع، ونال دبلوما عاليا في التخطيط الاستراتيجي وماجستير العلوم العسكرية، التحق بجهاز المخابرات العامة وعمل بعدة إدارات داخلية بجانب محطات خارجية أبرزها القنصلية السودانية في جدة بالمملكة العربية السعودية، عمل معتمدا في حكومة الشمالية السابقة بقيادة علي العوض حيث عين معتمدا بمحليتي (البرقيق ومروي) ثم التحق بحكومة الشمالية الجديدة بقيادة الوالي ياسر يوسف، وعُيِّنَ معتمدا لمحلية حلفا، يوصف بمقدرات إدارية عالية وشخصية قوية قادرة على بسط هيبتها وتنفيذ قراراتها بجانب تواصله الاجتماعي الكثيف والنأي بنفسه عن الصراعات، وبوصفه شخصية أمنية فإن أبرز سماته التعامل بحذر مع وسائل الإعلام ومراوغة الصحافة.