المهدي وقوش .. بين (المعتقلين)! تقرير:خالد أحمد "الصادق جنو جن صلاح قوش" هكذا قال لي العميد (م) عبد الرحمن فرح أثناء حوار صحفي سابق معه ليزيح الستار عن علاقة نحاول البحث عنها اليوم بعد أن تكاثفت في الأجواء غيوم حديث زعيم الأنصار وحزب الأمة القومي الصادق المهدي لعدد من الصحفيين عن اتصال رئيس جهاز الأمن السابق صلاح قوش المعتقل الآن حول المحاولة الانقلابية الأخيرة ودعوته على استحياء لقيادة هذا التحرك حيث قال المهدي بالحرف الواحد "قوش قال لي: النظام بلا رأس تعال قودنا" مشيراً إلى أن قوش تغيرت مواقفه بشكل كبير تجاه التعامل مع القوى السياسية والنظام. قد يمر هذا الحديث مرور الكرام على البعض لكن إذا تأملنا العلاقة بين المهدي وقوش طوال الفترة الماضية سنجدها بدأت باعتقال الصادق المهدي بعد وصول الإنقاذ للحكم، بشكل عام يمكن القول أن العلاقة مرت بمرحلتين ارتبطتا بتحولاتهما، ففي المرحلة الأولى كانت العلاقة متسمة بالغموض والحذر بسبب تباعد المواقف السياسية بين الرجلين بل في بعض الفترات كان قوش أكثر الضارين بالإمام بحكم موقعه، لدرجة أن المهدي أقر بأن سبب خروجه من البلاد في عملية (تهتدون) كان مضايقة قوش له، أما المرحلة الثانية والتي يمكن أن توصف بالحذر فنتجت عقب خروج قوش من الجهاز وانفتاحه على القوى السياسية مما خلق علاقة من وراء حجاب بين الرجلين لم تستمر بإعفاء قوش من العمل في مستشارية الأمن. عصر المواجهة المتتبع لعلاقة المهدي بصلاح قوش يجدها دشنت بشكل عنيف عقب انقلاب الإنقاذ في عام 1989م واعتقال المهدي في عملية بها العديد من الشكك في تعاون أحد أعضاء حزب الأمة مع الأجهزة الأمنية التي كان قوش يمثل أحد أعمدتها القوية ويدها الضاربة حيث كان أول لقاء بين الرجلين تم في أحد المعتقلات وقد تعود زعيم الأنصار خلال الانقلابات السابقة بأن لا يتم اعتقاله وإنما يتم حبسه والتحفظ عليه لكن في عصر قوش تم اعتقال الرجل بشكل متجاهل لمكانة الرجل الروحية وأشار رفيق المهدي وقائد جهاز أمن الديمقراطية الثالثة العميد عبد الرحمن فرح في حوار سابق ل(السوداني) بأن قوش أمر بجلوس المهدي على الأرض ثم بدأ معه تحقيق بشكل استفزازي بدأ بأن طلب من المهدي أن يذكر اسمه ووظيفته وبعدها أصبح المهدي يتحاشا الرجل كثيراً بعد تلك المعاملة الخشنة. المهدي بعد خروجه في عملية تهتدون الشهيرة تجاه العاصمة الإريترية أسمرا قال عقب وصوله إن قوش جاء إليه وهدده بأنه إذا انطلقت طلقة واحدة في شرق البلاد ستكون الثانية في "رأس المهدي". وأضاف بأن الرجل هدده بأن يأخذه "رهينة" ولن يطلق سراحه للأبد. وقال المهدي في أحد الحوارات الصحفية إنه عند الاعتقال الأول جاء إليه عسكري وقال له بأن يجلس في الشمس وهو رفض فاتجه إلى غرفة تضم كل رؤساء أقسام جهاز الأمن برئاسة صلاح قوش، ويبدو أنه كان يتلقى تعليمات منهم، وقال عند دخولي شرع قوش وفريقه في التحقيق معي متغاضين النقاش الذي دار مع العسكري قبل دخولي ولذلك رفضت الإجابة على الأسئلة التي كانوا يطرحونها عليّ وأصريت على عدم الرد حتى يعتذروا لي وقال لي أحد المقربين من الفريق صلاح قوش بأن هذه كانت نقطة التحول الأولى في علاقة قوش بالمهدي لأن قوش دائماً مايعجب "بالأقوياء" والمهدي كان يمثل القوة في هذا الموقف حيث رفض المهدي التحدث في التحقيق حتى يعتذر له العسكري فأمر قوش العسكري بالاعتذار فاستجاب لتبدأ بعدها مرحلة الاستجواب القاسية قادها قوش ضد المهدي حيث تركزت الأسئلة حول العمل العسكري للتجمع في الخارج وأراد قوش أن يرسل للمهدي رسالة بأنه سيكون «رهينة» للعمل الذي يحدث من التجمع بالخارج، ولهذا السبب وجه المهدي سؤالاً مباشراً لصلاح قوش وقال له «هل أنا رهينة» وأجاب قوش بصورة مباشرة «أاي رهينة مقابل الشغل الحاصل برَّا ده» وفي تلك اللحظات قرر المهدي الخروج من السودان، تخوفاً من دفع ثمن تصرفات الآخرين، وظل عقب إطلاق سراحه مرقباً بشكل دائم و كانت كل تحركاته مرصودة. عصر المهادنة الفاصل الثاني من العلاقة بين الإمام الصادق المهدي والفريق صلاح قوش يقال أن العلاقة نسجت سراً أثناء وجود المهدي في الخارج وأن عملية "تفلحون" التي عاد بموجبها المهدي للخرطوم جاءت نتيجة تفاهمات كان صلاح قوش جزءاً منها بعد إعطاء الرجل "الأمان" وكانت هذه أكبر ضربة تلقاها العمل المعارض في الخارج حيث كان حزب الأمة يشكل الضلع الأكبر في التجمع الوطني الديمقراطي ويومها اتهمت قيادات بارزة في المعارضة المهدي "ببيع" التجمع وضرب العمل العسكري، وقال القائد السابق لقوات التحالف العميد عبد العزيز خالد إنه وأثناء العمل خلال القيادة الشرعية للقوات المسلحة انضم إليها قائد عسكري محسوب للأنصار وعمل بعدها على تقسيم العمل العسكري وبعد فترة ذهب والتقى بقيادي بحكومة الإنقاذ ليعود بعدها للخرطوم. بعد عودة المهدي للخرطوم انتقلت العلاقة بينه والنظام عموماً لمرحلة المهادنة ولتعود المعركة بوسائل أكثر حنكة وقوة حيث اتهم قوش بالعمل على زعزعة حزب الأمة بتسارع عملية الانقسامات والتكتلات وبعدها استجاب المهدي ووقع اتفاق التراضي الوطني. تطورت العلاقة بشكل كبير عقب خروج صلاح قوش المثير للجدل من رئاسة جهاز الأمن وتولية مستشارية الأمن حيث بدأ حواراً مع القوى السياسية وأبرزها كان حزب الأمة القومي وكشف عقب إقاله قوش من منصبه في المستشارية بشكل غامض عن لقاء جمع بينه والمهدي قبل ساعات من إقالته في منزل المهدي بأم درمان وبعد إقالة قوش علق المهدي بالقول (فطر معاي في الصباح واتعشوا بيهو في الليل)، تتواصل هذه الرسائل إلى آخر تعليق للمهدي عن المحاولة الانقلابية حيث قال إن قوش كان لديه إيمان قاطع بضرورة إحداث تغيير جذري في بنية النظام بجانب تطابق وجهات نظره مع آراء قوى التغيير في كثير من القضايا إبان توليه مستشارية الأمن القومي. وعقب ضجيج الصحف بالحديث عن علاقة ما بين المحاولة الانقلابية والإمام الصادق المهدي وأن الرجل ذهب إلى لندن مؤخراً للتغطية على الأمر وحديثه السابق في مؤتمر صحفي بأنه يتوقع تحركاً في الجيش إلا أن مدير مكتب الإمام نفى هذا الأمر وقال إن رحلة لندن رتب لها منذ فترة وأن نشر مثل هذه الأخبار يقصد منها التضليل ولم يتم نفي حديث الإمام عن لقائه بقوش دعوته لترأس التحرك الانقلابي. المهدي وقوش ..بين (المعتقلين) مقولة أن السياسة الثابت فيها المتحرك قد تكون وجدت البرهان بعلاقة المهدي وقوش التي بدأت في المعتقل حيث كان المهدي "معتقلاً" بأمر قوش لتنتهي بالأخير معتقلاً والمهدي حراً يطالب بأن يقدم المتهمون بما فيهم قوش لمحاكمة عادلة. المحلل السياسي د.مختار بدر الدين أشار في حديثه ل(السوداني) إلى أن العلاقة بين المهدي وقوش بدأت عنيفة وانتهت بشكل علاقة طيبة على الرغم من حذر الرجلين في تعاملهما مع بعضهما البعض حيث لم يلحظ أن ظهر المهدي مع قوش في أي لقاءات سياسية أو حتى اجتماعية والتي كانت تجمع أهل الحكومة والمعارضة إلا أنه استبعد تطور العلاقة لعمل سياسي مشترك أو التدبير لعمل انقلابي لأن المهدي لايثق في الإسلاميين خاصة إذا كان من يود التعامل معه رجل مخابرات مثل صلاح قوش.